الفصل الثاني عشر: ملاك اسود
تجلس على مقعد في وسط الحطام, يسمع من بعيد الحان سمفونية اضواء القمرلبيتهوفن, تنفث في يديها المتجمدتين من شدة البرودة انفاسها التي اوشكت على التجمد, درجات الحرارة منخفضة جدا, الوقت اخر الليل, ترتدي ثيابا بالكاد تروي ضمأ عطشها للدفأ.
نظر اليها ميلر الذي وجد نفسه فجأة يشق طريقه بين الحطام متجها نحوها, مرتديا معطفا سميكا وقبعة فرنسية الطراز, مضى نحوها حتى وصل اليها, لم يلق التحية وانما اكتفت عيناه بفعل ذلك فنظر في عينيها اللتين ترتجفان, ثم ابتسم كأنه عود ثقاب رغم حرارته الضئيلة الا انه سيحرق خشبة جسده لأجلها, فخلع معطفه السميك ووضعه على كتفيها ثم لفه حولها, ووضع قبعته على رأسها, فنزلت القبعة مغطية عينيها,
رفعت القبعة بيدها ثم نظرت اليه وهي متبسمة, كانت على وشك التحدث وشكره ازاء فعلته, الا ان روحه ناداها الجسد.
كان سميث يحاول أيقاظ ميلر الذي رفض ترك عالم الاحلام, افاق كشخص نجا من الغرق وعاد للحياة بعد ان شم عبير وهمها, علم انه لن يجدها الا بالخيال فقبل ان يكون سجين اوهامه, لم تكن المرة الاولى, لكنه اعتاد على رؤيتها في الكوابيس متذكرا تلك اللحظة المؤلمة التي فصلت بين قلبيهما.
استمر قلبه بالخفقان, دفع سميث بغضب ثم نهض واتجه نحو النافذة الكبيرة التي تطل على الحديقة, كانت الشمس تزحف بأشعتها على اوراق الاشجار, دقت الساعة الكبيرة مخبرة انها الساعة السادسة صباحا.
نزلت روزالين وهي ترتدي سترة سوداء سميكة تابعة لفرق الصاعقة الالمانية وبنطال عسكري وحذاء طويل يصل الى ركبتيها, نهض الجميع وجهزوا اسلحتهم واجتمعوا حول طاولة كبيرة وسط غرفة الضيوف, كفرسان الطاولة المستديرة واضعين بنادقهم ومسدساتهم عليها, فهي سيوفهم لهذا الزمان.
بعد ان انتهوا من التخطيط لعملية دخول المصنع والولوج الى الملفات, انهت روزالين حديثها قائلة: "ثم سنركب احدى الشاحنات المركونة بجانب المصنع وقد ملئها بالوقود جندي الماني لطالما ساعدني وترك المفتاح على المقعد وجهزها ببعض الاسلحة والذخيرة".
اكمل فرانك: "ان نفذنا الخطة بتفاصيلها فإنني اؤكد لكم اننا سنشرب الخمر الليلة على حسابي في معسكرنا, هل من اسئلة؟"
سكت الجميع ثم نطق ميلر نيابة عن الجميع: "كلا, نحن مستعدون للمهمة".
كان سميث اول من غادر الطاولة واتجه صوب البيانو المتروك بمنتصف غرفة دائرية بجانب غرفتهم, ومطلة على الحديقة بنوافذها المتعددة, جلس وبدأ يعزف فأتت الصدفة الساحقة لميلر, عزف سميث مقطوعة قصيرة من سمفونية "اضواء القمر".
تجمد جسد ميلر وهو واقف ينظر الى سميث, نزلت دموعه وهو يرفع يده اليمنى مشيرا بالسبابة ومسترجعا بالذاكرة لحظة محاولته اليائسة ان يطال يدَ كرايس, جثى على ركبه ووضع يديه على فخذيهِ وانزل راسهُ والدموع تتساقط على سجادة الغرفة التي كانت منقوش عليها صورة غابةٍ في فصل الخريفِ والاوراق الرمادية تتساقط, زاد شوقه لها رؤيته للون الرمادي فأصيب بحالةٍ من الضياع والجنون ومع تسارع عزف سميث للسمفونية التي اصبحت ايقاعاتها تتراقص بسرعة مفجرة شريط الذكريات في دماغ ميلر, فانهمرت شهب لحظاته معها مارة بجانب الارض التي كانت صحراء قلبه القاحلة, فتمنى ان تنبت الازهار على صدره بعد ان يموت اليوم, فبوابة الموت تفصل بينهما.
أنت تقرأ
جليدية المشاعر
Romantizmوبين صدى المدافع وهدير الرصاص وغيوم الدخان. وبجانب حطام قلوب المباني والعمران هناك, نظرت نحوه تلك الرمادية بعنفوان وهو حارس بوابة الموت العابر للمحيطات في خضم زمن الويلات والدمار وجنون بني الانسان حمل بندقية مشاعره وثار ضد اعدائه مناديا بولاء عشقها...