3 - استحضارٌ للذكريات

3.3K 390 96
                                    


في الوقت ذاته و على الرقعة الجغرافية ذاتها

الاختلاف الوحيد الذي يكمن .. اختلاف العوالم ، و ما أعظمه من اختلاف !

هناك في جوف المتوسط اللجيّ ، تتمايل صهباء الرأس بقامتها الممشوقة تعزف سمفونية ليس لها مثيل ..

نوتات ذات إيقاع فريد ألّفها صوت ارتطام جسدها بصفائح المياه الباردة تتناغم بشدة و الأنغام التي تصدر من فاهها

عكرت صفوة الهدوء الطاغي بمعزوفتها الساحرة تلك التي تسللت إلى مسامع سكان الأعماق ليخرجوا من جحورهم في تحية مبجلة لأميرتهم الفتيّة خاضعين لترانيمها العذبة كأنها مولودة من ثقوب المزمار السحري

رفعت رأسها عاليا مزيحة خصلاتها المتوهجة من عينيها لتبصر خيوطا ذهبية لامعة تنتهك حرمة المياه قارعة طبول الصباح

ياترى كيف تقرع طبوله في عالم ما بعد صفحة المياه ؟

انبعث صوتها الباطني في تساؤل عميق

شعور الفضول يخالج روحها منذ زمن يهمس في قلبها ان أزيلي الستار عن خفايا مسرح عالمهم المهيب

عالم لم تفقه ما يوجد به سوى سماء تتغير أحوالها تحمل في صفحتها قرصا عظيما ينير نهارها ليخلد للنوم في الليل سامحا للقمر باحتلال منصبه ، و سفن متفاوتة الأحجام لم تبصر عيناها سوى قاعها الفولاذي و لو أبصرت غير ذلك لغدت حبيسة سطحها ليبعث بها روادها إلى مصير لا تحمد عقباه

______

استقرّت بهم الطائرة على أرض مطار قبرص الدولي ، وقفوا لبرهة بعد استرجاع أمتعتهم في انتظار الثنائي الذي وعد باستقبالهما

" أعزائي ! "

صدح صوت مصدره فتاة ذات شعر أسود غرابي و بشرة نقيّة لامعة أقبلت نحوهم ممددة كفيها على مصرعيهما لتقفز عليهم معطية إياهم حضنا جماعيا

لحق بها بعد هنيهة شاب نحيف العود ذو هالة مُبهجة

" هوسوك ! لقد افتقدك يا صاح "

عبر تايهيونغ و هو لا يزال محتضنا الأكبر منه

" لقد كبرتم أيها الأشقياء ، شاشات التلفاز و مواقع التواصل تصدح بإسمكم "

أضافت هيجين و هي تتوسط جيمين و روزان في عناق جانبي لكليهما

" يمكننا مواصلة الحديث في المنزل ، لاشك أن التعب قد نال منكم "

" و هو كذلك " أكدت روزان

" اشتقت للمسة يديك السحرية التي تجعل المتذوق لطعامك يلحس أصابعه "

استطردت مخاطبة هيجين

تدخل هوسوك بابتسامة دافئة مرشدا إياهم إلى مكان سيارته

غزى صدى قهقهاتهم و ضحكاتهم المتعالية أركان المنزل في جلسة حميمية بين رفقاء فرقتهم الظروف و شؤون الحياة العارمة ليُلمّ شملهم بعد وقت طويل على مائدة طعام مستديرة تجاذبوا فيها أحاديث عشوائية عن الأحداث التي أجبرتهم دوامة الحياة على الوقوع فيها

عن شؤون عملهم الذي شغلهم عن بعضهم البعض بل و نفثوا الغبار عن ذكريات الطفولة التي جمعت أرواحهم ولازالت تسكن أزقة ذاكرتهم

‏ استرجعوا في تلك الجلسة الليلية تحت وهج القمر ما غُمِر بأتربة الزمن ...

" أ تذكرون يوم تسللنا لمنزل العم جونغين لنقطف الأزهار من حديقته ؟ "

" بلى ! لقد ضحينا بهوسوك ليسبقنا في تسلق الجدار و يمهد لنا الطريق "

قال جيمين موجها سبابته ناحية هوسوك الذي غطى وجهه من شدة الاحراج

" و كان الوحيد الذي أمسكه العم ، نحن فررنا بجلدنا بينما كلفتنه أمه بأعمال التنظيف لمدة أسبوع مع حضر التجوال خارجا فور تلقيها الشكوى من العجوز جونغين ، لقد كانت عقوبة مجحفة "

واصلت هيجين رواية الأحداث على وطء تذمر هوسوك الذي لم يردعها من المتابعة

" لم لا أتذكر كل هذا يا رفاق ؟ "

قالت روزان مقلبة شفتيها دالّة على تذمرها

" كنت لا تزالين صغيرة جدا على أعمال الشغب "

أخبرتها أختها هيجين

" و أنت اليوم من رؤساء ألمع شركات التصميم رفقة هذين الوغدين "

أردفت بنبرة فخورة تتخللها العاطفة بينما تربت على شعرها بلطف

" على سيرة العمل ، ما مشروكم القادم ؟ "

استفسر هوسوك

" تصميم غلاف خارجي لكتاب "

أجاب تايهيونغ ليستأنف ذاكرا التفاصيل

" التقيت بكاتب في إحدى الندوات الفنية ، سلمني الكتاب و لازلت في صدد مطالعته قبل المباشرة في التصميم "

" مثير للاهتمام ! لابد و أن الموضوع معقد بعض الشيء ، تصميم غلاف لكتاب ليس بتلك السهولة " أضافت هيجين

" أجل هو كذلك ، خصوصا و أن الكاتب ذو قاعدة قُرائية غفيرة ، كيم نامجون أظنك تعرفه "

" يا إلهي مؤلف كتاب طفل القمر ! و من لا يعرفه "

قالت بعينين متسعتين و تعابير متفاجئة

" القارئ عادة ما ينجذب للكتاب لا إراديا بمجرد أن تقع عيناه على غلافه لذا نحن قلقون بعض الشيء حيال الموضوع "

وضّح جيمين المسؤولية البالغة التي وُضِعت على عواتقهم قبل أن ينتفض تايهيونغ من مقعده قائلا

" سأخرج لبعض الوقت إلى المنتجع للحجز من أجل الغد ، لا أعتقد أننا سنرغب في تفويت فرصة الاستمتاع في أقرب وقت "

" يعجبني تفكيرك يا صاح "

ابتسم جيمين مادا يده في شكل قبضة اتجاه الواقف أمامه ليلاقيه الآخر بالمثل

تعد تلك تحيتهما المعتادة عند الاتفاق على أمر ما

خَيْلان قُبْرُصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن