الحلقة 6

1.4K 40 0
                                    


و في لحظة غضب عُمِيَ بها عقلُ جونول سَحبَتْ يد إليف و دفعتها من على الدرج ،
ليرتطم رأسُ إليف و جسدُها بكل حجرٍ من حجار السلالم و تقع بالرُدهة مغميا عليها و الدِماءُ مُنهمرة أسفل رأسِها
جونول تقف مصدومة من هوْلِ ذاك المشهد :
_ يا ربي ماذا فعلت ، و الله لم أقصد أن أدفعها .
نزلتْ و تأملَتْها و هي ترتجِفُ ثم تجاوزتها بِرِجْلِهَا و عبرت بإتجاه غرفتها
_ ماتت أعتقدُ انها ماتت
أنا لم انهض بعد من فراشي ، لم أرى شيئًا ، لم أفعل أي سوء
و بقيت بِغُرفتِها تُحدث نفسها و ترتعش
تضع يداها على أذنيْها تارة و تارة اخرى تضعها على عينيْها
مرت نصف ساعة أو أكثر و إليف مرمية على الأرض تُحيطُها دماؤُها ...

* ميران كفارسٍ مِنْ فُرسان الحَكايَا القديمة يمْتطِي الفرح على صهوة الأحلام و أميرتُهُ بجانبِهِ
لم يكن يعبُرُ تلك المساحات الخضراء على جوادهِ بل كان يعبُرُ الوجع بخُطواتٍ من أمل و يتجاوز الخيبات عند كل قفزة ،
فوق العراقيل التي تحول بينهما و نيران الحقد و الانتقام التي لن يسمح بعْدَ الآن أن تَلْمَسَ طرفًا من جناحيْهِمَا .
ميران : حبيبتي وصلنا
مِنْ على سفْحِ جبلٍ يتوسطهُ نهرٌ رفيع ، مَجْرى مِياههِ رقْرَاقَة تعزِفُ لحنا جميلا و هي تُداعِبُ حِجارتهُ حين تَمُر ،
هُناك حصيرةٌ مُختلفةٌ ألوانُهَا فوقها ابريق شاي و صحونٌ متنوعة ، زيتون و جبن و بيضٌ مسلوق و فواكه و أطرميس من العسل و المربى ..
هناك وسادتيْن زرقاوتيْن بلون السماء و سلّةٌ مليئة بأزهار التوليب بمختلفِ ألوانِهِ
ريان مُنبهرة بالمنظر :
_ متى حضّرْتَ كلَّ هذا
ميران : فطورٌ ملكيٌّ من أجل أميرتِي
كم كنتُ أشتهي صباحا خلَّابا يبدأُ بكِ و لا ينتهي
كم كنتُ أشتهي غرقا ببحر عينيْكِ أموتُ و أحيا بنظرة حُبٍ مِنهُمَا
جلستْ ريان هي و ميران على مائدة الحب وسط أحضان الطبيعة
يُؤَكِلُها بيدهِ و يَأْكُلُها بِعيْنيْهِ ، لم يشبع من النظر لها
كانت بِفُستانِها الأصفر الطويل تُشبِهُ زهرة الأيروبس ، جميلة ، فاتنة ، بريّة
ابتسامتُها تشقُ صدرهُ لِتَغْرِس بَذراتِ الأمل بغدٍ جميلٍ معها
لحظة صفاء و سعادة سرقاها من رحم الآلام تُنْبِىءِ بمخاض ربيعٍ دافىء لن يُعكِّرَهُ سقيع أي شيء بعدها .

* استيقضت أسماء و اتجهت للمطبخ لتُحَضِّر الفطور و فجأة تجمدت في مكانِها و تسمرت رِجْلاها بالأرض ثم صرخت بأعلى صوتها :
_ إليييييييييف
إليف صغيرتي
إلحقوا ، ساعدوني ، فرات ، سيدة عزيزة ، ميران ....
أين انتم ؟
هرع كل من بالقصر مُسرعا و خائفا حين سمعوا صراخ أسماء
عزيزة ، سُلطان ، فرات ، شهريار و حتى جونول كأنها ترى هذا المشهد لأول مرة
إليف مُلقاة على ظهرها و غائبة عن الوعي ، دِماؤُها تغمرُها و تغْمُر المكان
صُعِقت عزيزة لهولِ ما رأت و انفجرت باكية
هل ماتت صغيرتي و قرّةُ عيني
يا الله لا تختبرني بأغلى ما لديْ
فرات : ابتعدوا جميعا ، ابتعدوا من فوق رأسِها
وضع يدَهُ على رقبتها ليتفقد نبضها
_ الحمد لله انها حية ثم أمسك هاتفهُ ليتصل بالاسعاف .

* صعد ميران و ريان على قمة الجبل بمكانٍ هادىءٍ و عالٍ ، يكادان أن يُلامِسَا فيه الغيومُ ، بِعيونٍ تتلألأُ فرحا تكادُ تفوقُ في بَريقِها النجوم ،
وقفت ريان على الحافة و هي تَمُدُّ ذراعيْها كالطائر ،
فَعانقها ميران من الخلف و هو يلُفُ خصرها بِكِلْتَا يديْهِ واضِعا رأْسَهُ بِجوار شَعْرِها و هو يَلْتَقِطُ بعضاً من زُهورِهَا الغافيةِ على جوانب الرقبة ، فإِنْتَشى بِقُبلةٍ ، اثنان ، ثلاثة ، عشرة أو يزيد
استدارت ريان نحوَهُ مُرتجفة بين ذراعيْهِ و هو يلُفُها كَشَرْنقة و قبْلَ ان تنطِقَ بكلمة ضاعت في تفاصِيلهِ ؛
تلك العينيْنِ ، آهٍ من تلك العينيْنِ أنهارٌ من عسلٍ مُصفى ممزُوجةٌ حوافُها بحقولٍ من نعْنعٍ ، ذاك الأنفُ الحاد سُبحان من سوّاه ، تلك القامة الممشوقة و الملامح الجذّابة ، بشرَتُهُ كطفلٍ ، كَبَتَلةٍ من وردة داعبها ندى الصباح .
و هو الذائِبُ في تفاصيلها الغارق في بحر عينيْها
ملامِحُها الحنطية ، خصلاتُ شَعْرِها الغجرية المُتطايرة مع الريح المُداعِبَة لقلبِهِ دون استئذان
عيْناها البريئتيْنِ بلون البُنِّ في فنجانٍ يَثْمَلُ صاحِبُهُ مع كل نظرةٍ ، فَمُها كحَبَّةَ كرزٍ هاربة من سِلالِ قُطوفِ الجَنّة ، جسدُها النحيلُ الذي يلُفُهُ بذراعيْهِ و ينصهِرُ حين يقتربُ مِنْهُ
توقفت الأرض عن الدوران في تلك اللحظة و عند تلك النظرة و هما غارقان كُلٌ في تفاصيل الآخر
أَبَعْدَ ذلِكَ ينْجُوان !!
كيف لغريقٍ ان ينقُضِ غريقًا و كِلاهُما من مُزن الثغر يرتوِيان !
لحظة تأمُلٍ أنجبت قُبلةً سكت الكلامُ عن الكلام فيها و العاشقان لسنفونية الحبُ يعزفان و قلْبَاهُما يرقُصان..
و فجأة رن هاتف ميران :
_ ألو فرات ماذا هناك ؟
فرات : ميران نحن بالمشفى و إليف في غرفة العمليات حالتها خطيرة يجب ان تأتي بسرعة .
أغلق ميران الهاتف و هو يرتجف قلقا :
_ ريان حبيبتي يجِبُ أن نعود بسرعة
ريان : ماذا حدث ؟
ميران : أُصيبت إليف و هي بالمشفى الآن
ريان : سآتي معك ، أريدُ الإطمئنان عليها ...

* عزيزة بقدميْنِ ترتجفان و دموعٍ حارة كحمم البركان ، واقفة عند باب غرفة العمليات ..
و فجأةً يدخل ميران مُمْسِكا بيد ريان...

بقلم الكاتبة : كريمة عوجيف ( فيس عائشة م ر )

زهرة الثالوث - Hercai حيث تعيش القصص. اكتشف الآن