راقبت سمر يدي أماني المرتعشتين وهما تحملان فنجان الشاي الذي تصاعد منه البخار .. ثم قالت عابسة :- أنت لن توقعي الفنجان على الأرض .. صحيح ؟ إنها فناجيني المفضلة
انتبهت أماني لما تفعله .. ووضعت الفنجان فوق المنضدة قائلة :- أنا آسفة .. من الصعب علي السيطرة على
أعصابي
قالت سمر بتعاطف :- أفهمك .. لابد أن صدمتك كانت عنيفة عندما علمت بما فعله أبيك
ترقرقت دمعتين ساخنتين في عيني أماني .. سرعان ما مسحتهما بظهر يدها وهي تقول :- لم تهمني أمواله قط .. أنت تعرفين بأنني لم آخذ منه قرشا منذ سنوات .. لو كان الأمر بيدي لتركت منزله منذ سنوات .. ولكنني مازلت لا أصدق نبذه ورميه لي في الشارع لأجل صلاح مجددا .. لقد أثبت حتى بعد وفاته أن صلاح قد كان المفضل لديه على الدوام
قالت سمر باهتمام :- أهذا هو سبب كرهك له ؟ أنه أخذ مكانك في حياة أبيك ؟
زفرت أماني بقوة .. ونهضت إلى النافذة المطلة على الشارع الذي لم يتوقف صخبه رغم تأخر الوقت .. وتمتمت :- إنه أحد الأسباب .. لم يخف والدي يوما خيبة أمله عندما أنجبتني أمي .. كان يريد صبيا يعتمد عليه ويورثه أعماله واسم عائلته ... وعندما أنجبت أمي جودي .. وأكد الطبيب عدم قدرتها على الإنجاب مجددا فقد أمله في الحصول على وريث ... خاصة أنه لم يفكر قط في الزواج مرة أخرى .. عندها بدأ يكيف نفسه مع الفكرة
التفتت نحو سمر التي كانت تستمع إليها باهتمام وأكملت :- ولكن الأوان كان قد فات لعلاج الكسر الذي خدش علاقتي به بعد سنوات من إبعاده لي عنه .. كنت كبيرة بما يكفي لأفهم بأنه لم يحببني كما يجب .. ولم يمنحني ما يكفي من الاهتمام .. في ذلك الوقت .. ظهر صلاح في حياتنا ..
.. مازلت تذكر ذلك اليوم الذي توفي فيه عمها تاركا زوجته وابنه الوحيد تحت عهدة شقيقه .. كان صلاح في العاشرة من عمره فقط
قالت بجفاف :- بكل سهولة اعتبره أبي الابن الذي لم ينجبه .. ومنحه كل الاهتمام والرعاية .. وفي الوقت نفسه كانت جودي الصغيرة تحظى بالدلال والحب وكأنه أراد أن يعوض معها ما فاته معي .. فكبرت بعيدة عنه دون أن أدرك .. لم أعرف بأنني لم أعن له الكثير إلا في السنوات الأخيرة .. والآن بعد وفاته .. تأكدت من هذا
قالت سمر :- ولكن صلاح وعدك بإعادة كل شيء إليك إذا تزوجت به .. هل ستتخلين عن حقك لمجرد أن غيرة طفولية حمقاء تمنعك من الزواج من ابن عمك
صاحت أماني بغضب :- لم تكن مجرد غيرة
يا إلهي .. لن تفهم سمر كم تكره أماني صلاح لأنها لن تستطيع إخبارها عن سنوات المراهقة التي قضتها خائفة من نظراته الوقحة والمهينة .. وتحرشاته بها دون أن يردعه أحد .. لقد أعلن والدها منذ طفولتها بأنها ستكون لصلاح ذات يوم .. ولم تدرك مدى جديته حتى صارحته قبل خمس سنوات عن علاقتها بفراس
قالت بصرامة :- إنها مسألة مبدأ أيضا .. الرضوخ لصلاح يعني قضاء ما تبقى من حياتي تحت رحمته وإذلاله .. كوني واثقة بأنه لن يتردد في الثأر لكرامته من رفض ي الطويل له وذلك بمعاملتي السيئة
عادت تجلس أمام سمر قائلة بإرهاق :- أكثر ما صدمني هو موقف جودي .. لم أتخيل أن تقف مع أبي ضدي وأن تشاركه في خطته
غمغمت سمر :- من الأفضل أن تتفهمي موقفها يا أماني .. فهي عائلتك الوحيدة الآن .. أعتقد بأنها قد تعرضت لضغوط كبيرة من والدك خلال مرضه فلم تستطع خذلانه .. .ربما ظنت بانها تفعل هذا لصالحك ..ألم تخبريني بأنها على اتفاق مع صلاح ؟
أومأت أماني برأسها مستسلمة .. فهي لم تستبعد حسن نية أختها .. ولكنها لن تتمكن من مخاطبتها حتى يهدأ غضبها .. وتبدأ بترتيب أمورها على الأقل
قالت سمر بجدية :- ما الذي تخططين لفعله الآن ؟
:- سأبدأ البحث عن مكان أقيم فيه بالتأكيد .. علي أن أثبت لصلاح بأنني لا أحتاج إليه أو لأموال أبي لأعيش .. أعرف بأن الطريق سيكون صعبا .. فلم يسبق لي أن عشت وحدي .. أو تحملت مصاريف كبيرة كإيجار بيت .. وفواتير كهرباء وماء .. أو حتى الإنفاق على طعام وشراب .. ولكنني امرأة ناضجة وعاملة ومستقلة .. أظنني سأنجح في النهاية
بد واضحا من طريقتها في الكلام بأنها تحاول إقناع نفسها قبل أن تقنع سمر .. أدركت سمر مخاوفها وقالت بلطف :- وأنا سأساعدك يا أماني .. شجاعتك هذه تلهمني كثيرا .. أنت تذكرينني بأختي .. والدة هشام .. لقد كانت محاربة مثلك تماما . تحملت الكثير وقامت بالكثير حتى كبر ابنها واستلم المسؤولية .. يمكنك البقاء معي كبداية حتى ترتبي أمورك
قالت أماني بحرج :- لا .. لن أثقل عليك بمشا.......
قاطعتها سمر بحزم :- أنت لا تثقلين علي .. بل تخدمينني بالبقاء معي في هذا البيت الخالي خلال غياب زهير .. سنتسلى كثيرا ونقضي وقتا ممتعا
عرفت أماني بأن هذا هو السبيل الوحيد أمامها .. على الأقل حتى تجد مكانا مناسبا يأويها .. وهذا سيستغرق منها وقتا
قالت لسمر بامتنان :- لا أعرف كيف سأرد لك جميلك هذا يا سمر
نهضت سمر قائلة :- سأجد طريقة بالتأكيد .. بداية .. يمكنك مساعدتي في إعداد العشاء .. ألست جائعة مثلي؟
ثم سبقتها إلى المطبخ .. فكرت أماني بأنها محظوظة على الرغم من جميع مشاكلها لوجود أشخاص بحنان وطيبة سمر في حياتها
أحست بمعنوياتها ترتفع من جديد .. ثم لحقت بسمر إلى المطبخ
أنت تقرأ
سيدة الشتاء
Romanceنظر إليها بتامل شعرها الأشقر الرطب الذي إلتصقت أطرافه بجبينها ووجنتيها . واسترخائها الكامل وكأنها قضت حياتها كاملة تحت المطر . . فقال - سيدة الشتاء . . ردت باضطراب : سيدة الشتاء ابتسم بغموض قائلا - كان لها حبيب يحمل قسوة في قلبه . تشاجرا ذات ليلة...