قالت ريما :- لنذهب إلى أحد المطاعم السريعة ونأكل شيئا
ردت جودي وهي تخرج برفقتها من الكلية :- لست جائعة
:- إذن لنذهب ونرى بشار .. لا محاضرات لديه الآن
:- هو خطيبك أنت .. اذهبي وحدك
توقفت ريما عن السير .. واستدارت تواجه صديقتها بغضب :- ما الأمر ؟ أي مزاج نكدي لك اليوم ؟ هل تشاجرت مع طارق مجددا وأنت تصبين غضبك علي كالعادة ؟
صمتت جودي للحظات أطل خلالها الحزن والاكتئاب نت عينيها وهي تتمتم :- لا .. لم نفعل
وكيف تفعل إذا كانت تتجاهل اتصالاته المستمرة منذ أيام .. في الوقت الذي تتجاهل فيه اتصالات تمام هو الآخر .. في كل مرة كانت ترة فيها رقمه على شاشة هاتفها يخفق قلبها بعنف وتقاوم حاجة قاسية للرد عليه .. ولكنها تحجم نفسها في آخر لحظة وتجبرها على تجاهله .. وفي المقابل هاهي تقضي الليالي في أرق مستمر يشغلها التفكير بحقيقة مشاعرها اتجاهه .. ويرهقها تأنيب الضمير كلما تذكرت لقائهما الأخير .. وكلما وقع بصرها على بريق الماس في خاتم خطوبتها إذ ترى فيها خيانتها لطارق أمام عينيها وكأنها قد حصلت للتو
أكملت كي تمنع ريما من استجوابها :- لا أريد التحدث في الأمر
تنهدت ريما قائلة :- حسنا .. أنت حرة .. وإن كنت متأكدة بأن ما يشغل بالك هو تلك القبلة اليتيمة التي صدمتك
أجفلت جودي إذ ظنت للحظة بأن صديقتها تشير إلى قبلة تمام .. ثم تذكرت طارق عندما قالت ريما مداعبة :- ما زلت طفلة بريئة بحاجة إلى اختبار الكثير لتفهمي الحياة
لم تستجب جودي لسخرية ريما كالعادة .. فقد دوى صوت الأزيز المميز لوصول رسالة من هاتفها المحمول .. فرفعته لتقرأ الكلمتين المختصرتين ( انظري خلفك )
خفق قلبها وهي تستدير على الفور ليقع بصرها على سبب أرقها واكتئابها يقف على مسافة أمتار عن سور الجامعة المعدني من الخارج .. يستند إلى سيارته عاقدا ساعديه أمام صدره .. وقد أخفت نظارته السوداء معالم وجهه
لم تدرك بأنها قد جمدت كقطعة ثلج حتى سمعت ريما تقول :- ما الذي حدث ؟ تبدين كمن شاهد شبحا
نظرت جودي إليها بذعر .. ثم إلى تمام وقد خشيت أن تكتشف صديقتها شيئا .. فقالت بسرعة :-
:- لا ... لقد تذكرت موعدا لي مع أماني يجب أن ألحق به .. إذهبي أنت لرؤية بشار وأبلغيه تحياتي .. وسأراك غدا
رفعت ريما بيديها لتحثها على الرحيل .. فرمقتها ريما بنظرات الدهشة والاستنكار ثم القلق وقد أحست باضطراب صديقتها .. ولكنها قالت في النهاية باستسلام :- حاضر .. أراك صباح الغد
انتظرتها جودي حتى ابتعدت ثم أخذت نفسا عميقا واستدارت لتواجه خصمها .. كان تمام قد بدأ يتململ في وقفته فحسمت أمرها أخيرا .. وسارت نحوه بساقين مرتعشتين وذكرى قبلته الملتهبة تبعث الحرارة في عروقها .. لقد ظنت بأنها قد نسيت .. ولكن مجرد رؤيته من جديد حركت في قلبها كل ما حاولت كبته منذ أيام من شوق إليه
اعتدل عندما اقتربت منه ووقفت امامه .. لفحتها جاذبيته فور أن أحست بدفء جسده الطويل على بعد سنتيمترات منها .. فأحاطت نفسها بذراعيها وهي تتحاشى النظر إليه وقد عقد الاضطراب لسانها .. قال بعد لحظات منت الصمت ببرود :- ألن تقولي شيئا ؟
فالت بارتباك :- ما الذي تريدني ان اقوله ؟
:- ان سببا طارئا منعك من الاتصال بي أو الإجابة عن مكالماتي
ردت بعصبية :- لقد كنت مشغولة
علق ساخرا :- على حد علمي لم يبدأ الفصل الدراسي الثاني إلا هذا الصباح .. بأي شيء كنت مشغولة ؟
أحست بغضبه في نبرات صوته .. ففاجأها ألم غريب ورغبة في محو غضبه دفعتها لذكر نصف الحقائق :-
:- لقد عقدت خطوبة أختي مساء الأمس
عقد حاجبيه وقد اختفى كل أثر لغضبه .. وحل محله اهتمام جاد وهو يقول :- حقا ؟ أهذا يعني بأن ابن عمك قد نال مراده؟
:- لا .. ستتزوج برجل آخر
ظهر الارتياح على ملامحه قبل ان يقول برضا :- لم تخيب شقيقتك ظني إذن .. لقد اصرت على رفض ما لا تريده .. ولا يوافق قناعاتها .. أختك امرأة جديرة بالتقدير والاحترام
تحركت الغيرة داخلها مما دفعها لأن تقول بحدة :- وما شأنك انت ؟
نظر إلى عينيها للحظات دون تعبير .. قبل ان يقول بهدوء :- شأني هو رغبتي الكبيرة بان تمتثلي بها يا جودي
ساد التوتر بينهما بشكل واضح .. .. نظر حوله قائلا :- لنجد مكانا آخر نتحدث فيه
قالت بقلق :- لا أظن هذا مناسبا .. أنا ...
قاطعها بجفاف :- ما الأمر ؟.. أمازلت خائفة من اكتشاف خطيبك للقائك السري بي ؟
احمر وجهها بارتباك وغضب .. ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد .. بل امسك ذقنها ليجبرها على النظر إلى عينيه التين حررهما من النظارات السوداء .. ورؤية الغضب والقسوة فيهما وهو يقول :-
:- إن كنت تقدرينه حق قدره .. فستنهين خطوبتك السخيفة حالا يا جودي .. فأنا لن أتوقف عن رؤيتك والمطالبة بك .. وأنت لن تجرؤي على مقاومتي .. فما الفائدة من تعذيبه وربطه بك بدون فائدة
ارتعشت لإحساسها بأصابعه فوق بشرتها .. فتذكرت المرة الوحيدة التي احتضنها بها .. أحس فورا بمشاعرها .. فظللت عينيه سحابة حملت معها كل الذكرى .. وساد بينهما صمت مشحون استمر لثواني ولكنه بدا لها كالدهر .. تحركت يده لتداعب وجنتها فأغمضت عينيها متجاهلة وقوفهما في مكان عام يعرفها فيه العشرات .. مستسلمة للإحساس بحنانه .. همس فجأة :- أنت تقتلينني .. لو تعلمين كم اشتقت إليك .. لما تجرأت على الانقطاع عني كل هذه المدة
فتحت عينيها لتجد غضبه قد اختفى .. وقد حل مكانه حنان فياض جعل قلبها يغرد سعادة .. ابتسم برقة قائلا :-
:- هل جربت يوما تناول المثلجات في قلب فبراير ؟
نظرت إليه بذهول .. فاتسعت ابتسامته وهو يوضح :- سأدعوك اتناول البوظة في مكان يبيع أشهى بوظة في المدينة .. سنجلس هناك .. ونتحدث .. حتى ينسى كل منا مرور الوقت
لم تعرف كيف تركته يقودها إلى سيارته .. ولكنها كانت متأكدة بأنها لم تكن يوما أكثر سعادة
أنت تقرأ
سيدة الشتاء
Romansaنظر إليها بتامل شعرها الأشقر الرطب الذي إلتصقت أطرافه بجبينها ووجنتيها . واسترخائها الكامل وكأنها قضت حياتها كاملة تحت المطر . . فقال - سيدة الشتاء . . ردت باضطراب : سيدة الشتاء ابتسم بغموض قائلا - كان لها حبيب يحمل قسوة في قلبه . تشاجرا ذات ليلة...