الفصل الثاني عشر (المنبوذة)

7.5K 275 6
                                    

ما إن أوقفت جودي سيارتها أمام المنزل حتى ارتفع رنين هاتفها بإلحاح .. شاهدت رقم هاتف طارق فأحست وكأنها قد ضبطت متلبسة بعد وداعها لتمام .. رفعت الهاتف بتردد إلى أذنها ثم أجابت :- نعم
:- كيف حالك يا حبيبتي ؟ أنا آسف لأنني تأخرت في الاتصال حتى الآن .. لقد كنت غاضب من نفسي لتلبد أحاسيسي معك وقررت منحك الفرصة لتهدأي ويخف غضبك مني
استمعت بألم إلى اعتذاراته الحارة .. طارق لم ينسها كما ظنت .. أو كما أوهمت نفسها كي تبرر تواجدها مع تمام .. أجابته بهدوء لتطمئنه بزوال غضبها السابق .. ثم تحدثت معه عن امتحانها وتواعدا على اللقاء ثم أنهت الاتصال
أمضت لحظات طويلة تفكر وتأنيب الضمير يكاد يأكلها .. طارق لا يستحق أن تعامله بهذه الطريقة .. إنه إنسان مثالي .. وسيم ورقيق .. متفهم ومناسب لها تماما .. لن يكون والدها مسرورا إذا عرف بأنها تتسكع مع شخص معدم وتكرارها لخطأ أماني
عندما تذكرت أماني .. لاحظت سيارتها القديمة مركونة أمام المنزل .. وسيارة صلاح المناقضة لها تماما تقف خلفها .. عرفت بان شيئا سيئا يحصل .. فوجود أماني وصلاح معا في مكان واحد دون رفيق يعني المشاكل .. أسرعت تدخل إلى البيت وقد أعماها القلق ... فوجدت صلاح يجلس وحيدا في الصالة يخفي وجهه بيديه وقد بدا عليه الارهاق ..فسألته :- ما الأمر ؟ هل تشاجرت مع أماني مجددا ؟.
أزاح يديه فلاحظت تجهم وجهه فازداد قلقها أضعافا فصاحت :- صلاح .. قل شيئا .. ما الذي حدث ؟
قال باقتضاب :- لقد كان المحامي هنا منذ نصف ساعة
شحب وجهها .. وسقطت الكتب من يدها .. ألقت نفسها على نقعد قريب وهي تقول باضطراب :- هل .. هل عرفت ؟
أومأ برأسه إيجابا فأحست بالغرفة تدور من حولها .. لم تتوقع أن يحدث هذا بهذه السرعة .. ليست مستعدة بعد لمواجهة أماني بالحقيقة
تمتمت :- كيف تقبلت الأمر ؟
وقف قائلا بخشونة :- ماذا تتخيلين ؟ لن تركع تحت قدمي متوسلة بالتأكيد .. إنها في غرفتها تجمع أغراضها
قفزت واقفة وهي تقول مصدومة :- تجمع أغراضها ؟ لماذا ؟ إلى أين ستذهب ؟ هل ستتركها تذهب يا صلاح ؟
نظر إليها ببرود لعدة ثواني ثم قال :- لن تستمع إلى ما أقول .. أنت تعرفينها جيدا
قالت بحدة :- ستستمع إلى إذن
قفزت فوق الدرج بسرعة إلى الطابق العلوي ..ودخلت عبر باب غرفة أماني المفتوح حيث وجدتها منهمكة برمي أغراضها الخاصة داخل حقيبة كبيرة بحركات عنيفة وغاضبة .. وكأنها تفرغ غضبها بعملها هذا .. هتفت بها جودي :- ما الذي تفعلينه ؟
اعتدلت أماني لتواجهها .. فأجفل جودي لرؤية الغضب والألم في عينيها .. عرفت بأن أماني مجروحة في الصميم وتشعر بالخيانة .. وأنها تقاوم دموعها بتصرفاتها الجافة :- قالت بغضب :- وما رأيك ؟ إنني أجمع أغراضي لأترك المنزل لكما يا عزيزتي هنيئا لكما به
قالت جودي بحدة :- ليس هناك منا من يريد رحيلك
اقتربت منها أماني ولهيب عنيف يتراقص في عينيها وقالت :- بالتأكيد ترغبان ببقائي .. كما رغب أبي مشترطا زواجي بذلك المتعجرف .. وعيشي ذليلة تحت ظله وهذا لن يحدث حتى لو بت في الشارع
أحست جودي بالعجز وهي تقول بلوعة :- أنا لا أريدك أن ترحلي يا أماني .. ماذا سأفعل وحدي في هذا المكان بدونك
قالت أماني بشراسة وهي تتابع توضيب أغراضها داخل الحقيبة :- كان عليك التفكير بالأمر جيدا قبل أن تتحالفي مع الشيطان
أقفلت الحقيبة بعنف وأنزلتها من السرير .. ثم نظرت إلى جودي لتظهر الدموع الحبيسة في عينيها :- كيف استطعت فعل هذا بي يا جودي .. من بين كل الناس ظننتك الوحيدة التي تهتم لأمري وتفهمني حقا .. كيف أقنعك أبي بفعل هذا ؟
سالت دموع جودي وهي تقول :- لا أعرف .. لم أفكر لقد بدا لي هذا صوابا عندما تحدث إلي .. كل ما أردته هو الجمع بينك وبين صلاح في النهاية .. ظننت ....
قاطعتها أماني بحدة :- لقد خاب ظنك إذن .. لانني لن اتزوج صلاح .. ولن أبقى في هذا البيت اللعين لحظة واحدة
أمسكت بمقبض الحقيبة الثقيلة .. وجرتها خلفها خارجة من الغرفة ..
لحقت بها جودي قائلة بانهيار :- استمعي إلي على الأقل قبل أن ترحلي
ولكن أماني الثائرة تابعت طريقها .. ودوى صوت سقوط الحقيبة من درجة إلى أخرى حتى وصلت إلى الطابق الأرضي حيث كان صلاح في انتظارها
كان يقف في منتصف الصالة .. مباعدا بين ساقيه .. وقد دس يديه داخل جيبي سرواله الأنيق يراقبها بهدوء .. وقفت أمامه وهي تلهث بانفعال .. ثم قالت ببغض :- لقد نجحت في مسعاك يا صلاح .. فرقت بيني وبين أبي .. وزرعت الكراهية داخله نحوي حتى مات على هذا .. وفي النهاية فعل ما رغبت به دائما .. وترك لك كل شيء
هز رأسه قائلا بهدوء :- الثروة لم تكن هدفي أبدا يا أماني .. تعلمين جيدا بأنني لست بحاجة إليها .. فلدي ما يكفي من أموالي الخاصة .. كما أنني أرث الجزء الأكبر من تركة عمي بحكم القانون .. أما الباقي .. بمعزل عما تركه لجودي .. ويتضمن نصف هذا المنزل فهو تحت عهدتي حتى تعودي إلى رشدك
نظرت إليه بجمود دون أن تقول شيئا فأكمل :- لقد سبق وتحدثنا في الأمر يا أماني .. في اليوم الذي سيعقد فيه قراننا سأعيد إليك حقوقك كاملة بالإضافة إلى المهر الذي تطلبينه
مطت شفتيها بازدراء قائلة :- أنت تقرفني
عادت تجر الحقيبة نحو الباب .. فصاح من خلفها بحدة وقد فقد هدوءه أخيرا :- ستعودين يا أماني عندما تكتشفين بأن الحياة في الخارج ليست مبهجة أو سهلة إلى الحد الذي تظنينه .. وأن امرأة وحيدة بدون رجل يحميها ويعيلها لن تستمر طويلا
وقفت للحظات دون أن تنظر إليه أو تعلق على كلماته .. ثم تابعت طريقها نحو الباب وغادرت بصمت .. عندها .. انفجرت جودي باكية .. أما صلاح فقد بدا غاضبا وهو يمسح وجهه بيده ثم يستدير نحو جودي قائلا بعصبية :- ستعود في النهاية .. لابد أن تعود
ثم غادر بدوره دون انتظار جواب جودي .. التي انهارت وقد اجتاحها إحساس كئيب للغاية بالوحدة
الوحدة الحقيقية هذه المرة

سيدة الشتاء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن