لم تعرف جودي كم قضت من الوقت وهي تذرف الدموع فوق وسادتها .. ولكن صوت الخادمة نبهها إلى تأخر الوقت بقولها من خلف الباب :- جودي .. ألن تتناولي العشاء إنه جاهز منذ ساعة
رفعت رأسها لتصيح :- لست جائعة
استمعت إلى صوت خطوات الخادمة تبتعد ثم تنهدت مدركة أنها يجب أن تكون ممتنة لوجود من يهتم بها في هذا البيت الكبير الخالي .. حتى لو كان هذا الإهتمام مشروطا بأجر
رفعت هاتفها المحمول وقاومت رغبتها في معاودة الاتصال بأماني مدركة بانها سوف تتجاهلها كما تفعل منذ أسابيع .. مازالت غاضبة منها وهي محقة في غضبها .. فما فعلته جودي بالتواطؤ ضدها لا يغتفر .. اليوم بالذات بعد غدائها الفاشل مع طارق ازداد اكتئابها بعد أن تأكدت من مشاعره السلبية اتجاه أماني .. مالذي سيحدث بعد أن يتزوجا ؟ قد لا يسمح لها برؤية أماني بحدة قلقه من تأثيرها السيء عليها .. مجرد التفكير بأن طارق هو المسيطر تماما في علاقتهما تزعجها كثيرا .. خاصة إن أدت هذه السيطرة إلى التغيير من طباعها والتحكم حتى بمشاعرها .. وعلاقتها بأختها .. ولكنها لا تجرؤ على مصارحته بمخاوفها
ارتفع رنين هاتفها فاختطفته دون تفكير وأجابت بانفعال :- أماني ؟؟؟
ولكن الصوت الذي أجابها جعل جسدها يرتعش بردة فعل تلقائية عندما سمعته يقول :- آسف لتخييب أملك
أحست بمزيج من السعادة والإثارة والتوتر لسماع صوته فقالت بخفوت :- تمام
شعر باكتئابها وكأن سماع صوتها كافي ليقرأ سريرتها .. فقال :- هل أتصل في وقت غير مناسب .. ألديك رفقة ؟
اعتدلت جالسة فوق السرير وأسندت ظهرها إلى الوسائد الوثيرة وهي تجيب :- لا .. لقد كنت على وشك الخلود إلى النوم
ولكنها لم تخدعه .. إذ بدا قادرا على قياس مشاعرها عبر أسلاك الهاتف وكأنه يراها .. قال بهدوء :-
:- ما الذي حدث ؟ أهي ذكريات والدك مجددا ؟
تنهدت قائلة :- ليست هي هذه المرة
:- هل يتعلق الامر بالمكالمة التي كنت في انتظارها ؟ من تكون أماني ؟
أدركت بأن الأفكار المختلفة سوف تغزو رأسه فور أن قالت له :- أختي الكبرى
قال بدهشة :- ألا تقيم معك ؟ أهي متزوجة ؟
:- إنها قصة طويلة
:- ألا تستطيعين إخباري بها ؟ ليس لدي ما يشغلني سوى الاستماع إليك
صمتت للحظات تفكر بأن الوقت ما زال مبكرا على الثقة به .. فقالت وقد ظهر الإحباط والحزن في صوتها أكثر وضوحا هذه المرة :- لا .. لا أظن هذا
صمت بدوره قليلا.. فتسائلت إن كان قد غضب .. ولكنه قال فجأة بصوت يفيض بالعاطفة :- لقد اشتقت إليك
ردت ببرود :- حقا ؟
ارتفعت ضحكته الرجولية الرقيقة فدغدغت حواسها .. وجعلت قشعريرة باردة تجتاح جسدها
قال :- حسنا .. لا ألومك على غضبك مني .. ولكنني تعمدت التأخر في الاتصال بك حتى تنهي امتحاناتك .. لم أرغب بإلهائك عنها
لم ترغب في إظهار غضبها من تجاهله لها .. ولكن كلماته أرضتها .. كما أنه كان محقا .. فما كانت لتدرس حرفا إذا استمرت بسماع صوته ورؤيته
:- على ذكر الامتحان .. كيف أبليت ؟
:- ماذا تتصور ؟ سأكون محظوظة إن نجحت بمادة أو اثنتين
قال برفق:- لن يلومك أحد على هذا .. فظروفك هذا الفصل لم تكن جيدة
قالت ساخرة :- أنت الوحيد الذي يمنحني الأعذار .. فكل من حولي يتصيد لي الأخطاء ويتوقع مني متابعة حياتي كما كانت وأفضل بكل بساطة
:- أظنهم يتألمون لرؤيتك حزينة
تمتمت :- وعصبية أيضا هذه الأيام
:- بسبب القصة الحزينة التي ترفضين إخباري بها
قالت بضيق :- إنه حقا موضوع مزعج .. لقد خرجت لتوي من نقاش حوله لم يزدني إلا غما .. لست مزاج مناسب لأناقشه مجددا
غمغم مفكرا :- هممممم . إذن .. علي أن أعدل مزاجك كي تفتحي قلبك لي
قالت بحذر :- ماذا تعني ؟
قال فجأة :- إخرجي معي غدا .. وأعدك بأنك ستنسين كل همومك مع نهاية اليوم
ارتبكت لعرضه المفاجئ وقالت :- لا أظنني أستطيع الخروج معك
:- لماذا ؟ .. حسب ما أعلم .. ليس لديك ما يشغلك خلال الأسابيع المقبلة
بحثت داخل عقلها عن أي عذر ترفض به .. ولكن عقلها لم يستجب .. فقد كانت كل أفكارها وأحاسيسها مشوشة ومرتبكة شوقا لفكرة لقاءه
شعرت بابتسامة الانتصار على شفتيه الجميلتين دون أن تراه وهو يقول :-
:- من الواضح أنك لا تستطيعين إيجاد مانع .. سأراك غدا في تمام الساعة العاشرة صباحا .. سأمر لأخذك بسيارتي
قالت باضطراب :- أنت لا تعرف عنوان منزلي
:- أنت ستعطينني إياه
هتفت بعناد :- لن أفعل
قال وقد سره عنادها :- إذن سأجوب المدينة بسيارتي وأنا أحمل مكبر الصوت وأناديك صارخا في كل مكان أمر به حتى تظهري
هتفت بحدة :- أنت لن تفعل هذا
قال باستمتاع :- هل تراهنين ؟
زفرت بقوة ثم قالت بغيظ :- لا تزعج نفسك .. سأنتظرك أمام بوابة الجامعة
صمت للحظات وكأن عدم ثقتها به قد جرحته .. ولكنه قال بهدوء :- لا بأس .. سأراك هناك .. تصبحين على خير
وضعت جودي الهاتف مكانه .. وبالرغم من صوت العقل الذي أخذ يوبخها على استسلامها لعرضه
.. إلا أ، كل خلية في جسدها كانت تصرخ شوقا للقاءه .. انتصرت غريزتها على صوت العقل.. واستسلمت لسرورها الذي لم تشعر به منذ أسابيع طويلة .. وعندما نامت أخيرا كانت تبتسم هذه المرة
أنت تقرأ
سيدة الشتاء
Romanceنظر إليها بتامل شعرها الأشقر الرطب الذي إلتصقت أطرافه بجبينها ووجنتيها . واسترخائها الكامل وكأنها قضت حياتها كاملة تحت المطر . . فقال - سيدة الشتاء . . ردت باضطراب : سيدة الشتاء ابتسم بغموض قائلا - كان لها حبيب يحمل قسوة في قلبه . تشاجرا ذات ليلة...