الفصل السادس والثلاثون (لا. بعد فوات الآوان)

8.3K 280 4
                                    

تسلل ضوء الفجر الخافت بخجل من خلال الستائر الحريرية المنسدلة مبددا شيئا من ظلام الغرفة .. مما أتاح لهشام الفرصة لتأمل وجه أماني النائم بسلام
لا .. لم يكن السلام هو المرتسم على الملامح الناعمة للوجه الجميل .. مازال يذكر تجاوبها الفطري مع لمساته خلال الليلة الماضية .. اللون الداكن الذي كسا عينيها التين فاضتا بالعاطفة والشوق .. قبل ان تسيل دموعها مترافقة مع نشيج مكبوت لم يعرف إن كان ناتجا عن العاطفة أو الندم
أماني التي أصبحت زوجته منذ ساعات قليلة .. كانت كما توقع تماما .. تحت الواجهة الباردة و المتماسكة .. كانت امرأة حساسة جائعة إلى الحب والحنان .. إلا ان أشباحها الخاصة ما زالت تطاردها .. تساءل إن كان سيتمكن يوما من تحريرها أخيرا من عقدها ومخاوفها
تململت بين ذراعيه .. فقربها منه أكثر وكأنه أراد الشعور بقربها .. وبدفء جسدها ونعومته قبل أن تستيقظ .. وتستعيد قوقعتها الصلبة التي تحجب جوهرها الحقيقي عن الناس .. جوهرها الذي اكتشفه بنفسه بعد أشهر من معرفتها عن قرب .. وبعد ليلة الأمس
أفاقت اماني من نومها بقلق مع إحساس بثقل يجثم فوق خصرها .. فتحت عينيها بخوف لتجد نفسها بين احضان هشام المستغرق في النوم إلى جانبها .. قريبا منها إلى حد شعورها بدفء أنفاسه .. نظرت إليه بعينين واسعتين وقد حبست انفاسها خشية إيقاظه .. بدا وسيما للغاية وقد استرخت ملامحه القاسية لأول مرة .. لاحظت عن قرب طول وكثافة رموشه الداكنة .. فمه القاسي كان مسترخيا .. فتذكرت ليلة الأمس .. تذكرت قبلاته ولمساته الحارة .. تذكرت إحساسها بانها محبوبة ومرغوبة .. وكيف غلبها إحساسها بالحب نحوه حتى فاضت دموعها
والآن وهي تنظر إليه .. وتشعر بنبضات قلبه قريبة من قلبها .. أحست بحبها نحوه يخنقها .. وكادت دموعها تفيض مجددا لو لم تتماسك حتى لا توقظه .. فهي ليست جاهزة لمواجهته .. ولن تكون حتى تتمالك نفسها كي لا يكتشف حبها العميق له .. إن لم يكن قد اكتشفه بعد
تصلب جسد اماني واتسعت عيناها ذعرا .. يا إلهي كم هي حمقاء .. ألن يكتشف مقدار حبها له بعد ما حدث ليلة الأمس ؟
عندما لمسها وقبلها .. لم تقاومه على الاطلاق .. لم تقل حتى كلمة لا التي تعهدت بترديدها كلما نظر إليها
لقد استسلمت له وكأنها كانت في انتظار لمساته
لقد عرف بحبها له .. فما الذي سيفعله بعد ذلك ؟
هل ستسمح له بأن يستغل حبها ويستمتع بجسدها كما فعل ليلة الأمس حتى يقرر بأن الوقت قد حان ليتحرر منها .. ويتزوج بأخرى يكن لها مشاعر حقيقية هذه المرة ؟
كيف سيحتمل قلبها فراقه بعد أشهر من الحياة في الجنة معه ؟ أي امرأة ستكون في نظره إن تركته يستخدمها كما يشاء قبل أن يصرفها في النهاية ؟.. هل ستتمكن من خسارة احترامه لها فوق خسارتها له هو ؟
عند هذه الفكرة .. تحركت لا إراديا منتزعة نفسها من بين أحضانه .. مما أجفله وأيقظه .. فتح عينيه الناعستين ونظر إليها وهي تعقد الروب حول جسدها إلى جانب السرير .. وقد بدا عليها الاضطراب .. سألها بقلق :- ما الأمر ؟ ما الذي حدث ؟
نظرت إليه قائلة انفعال :- ما الذي حدث ؟ هذا ما حدث بالضبط
تقلص وجهها باشمئزاز وهي تشير نحو السرير .. فاعتدل جالسا وهو يقول بتوتر :- اهدئي يا أماني .. أهو كابوس جديد
مرأى النصف العلوي من جسده عاريا جعل الذكريات الساخنة تنساب داخل عقلها بغزارة .. جف فمها .. وسرت الحرارة داخل جسدها وهي تبعد عينيها عن كتفيه العريضين وعضلاته المفتولة .. وصاحت يثورة :- وهل هناك كابوس أبشع مما حدث بيننا .. أنت تعرف بأنني لم أرغب بهذا .. لم يكن هذا أبدا ضمن اتفاقنا
اختفى قلقه بلمح البصر .. وحل محله البرود الشديد .. عيناه الداكنتين قستا وخلتا من العاطفة التي أحرقتها ليلة الأمس .. قال ببرود :- لم ترغبي به .. ولكنني لا أذكر أنني سمعت منك كلمة لا في أي مرحلة خلال الليلة الماضية .. أما عن اتفاقنا ..
أزاح البطانية لينهض .. فأشاحت بوجهها بعيدا وقلبها يخفق بدوي أشبه بقرع الطبول .. سمعت حفيف ثيابه فعرفت بأنه يرتديها على عجل .. بينما يقول بلهجته القاسية :- لقد كنت واضحا معك يا أماني .. أنا لم أعدك بزواج عذري .. لقد شرطت أي تطور قد يحدث في علاقتنا بقبولك .. وأنت كنت أكثر من راضية عندما لمستك
احمر وجهها .. واشتعل غضبها من نفسها ومن ضعفها .. ومن سقوطها في هذا المأزق .. نظرت إليه فوجدته قد أنهى ارتداء سرواله الأسود .. ووضع قميصه على كتفيه دون أن يغلق أزراره .. هيئته الفوضوية .. والغير مألوفة .. منحته جاذبية بدائية صارخة .. عززتها ذكرياتها عن علاقتهما الملتهبة ليلة الأمس .. تفجر التوق إليه داخلها عنيفا بحيث دفعها للصراخ بدفاعية :- فلتعلم إذن بأن ما حدث ليلة الأمس .. لن يتكرر مجددا على الإطلاق
رمقها طويلا بنظراته الباردة .. التي شملتها من رأسها حتى أخمص قدميها مستخدما ما لديه من تأثير وسلطة في تقليص ثقتها بنفسها .. وتعزيز إحساسها بالدونية
تكلم أخيرا بهدوء شديد ..:- لقد حصلت في النهاية على ما أريد .. صحيح ؟ .. فلماذا قد أرغب بتكراره ثانية
تحركت أصابعه لتغلق أزرار قميصه ببطء .. بينما علت فمه ابتسامة قاسية وهو يقول بازدراء :- عودي إلى شرنقتك يا أماني .. أنا لن ألمسك مجددا حتى لو توسلت إلي أن أفعل
غادر الغرفة تاركا إياها وحدها ... تتخبط شبه باكية بين مشاعر الصدمة .. والألم .. والغضب .. والندم العميق

سيدة الشتاء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن