أبعدت جودي نظرها عن أوراقها مجبرة وهي تستجيب لثرثرة ريما التي لم تتوقف منذ الصباح وسألتها :-عم تتحدثين بالضبط؟
عبس وجه ريما الأسمر الدقيق القسمات وقالت بحدة :- عن معرض الفنون الذي تقيمه الجامعة بالتأكيد .. ألا تستمعين إلى ما أقوله منذ ساعة ؟
زفرت جودي قائلة بسأم :- لقد سبق وأخبرتك من قبل بأنني سأشارك في ذلك المعرض .. لماذا لا تسأمين من تكرار الموضوع ؟
أنقدهما من الشجار المراقب المسؤول عن قاعة المطالعة الملحقة بالكلية وهو يشير إليها بالصمت أو بمغادرة المكان .. ففضلتا مغادرة المكان عندما أيقنتا بأنهما لن تدرسا حرفا واحدا .. استقرتا أخيرا في كافيتريا الكلية الواسعة والمزدحمة على الدوام . . وقفتا لبضع دقائق حتى خلت لهما طاولة في الزاوية الى جانب النافذة
تابعتا حديثهما بأن قالت جودي :- أنا أجهز بعض الأعمال منذ أيام .. وقد بدأت بلوحة ليلة الأمس ..وأظنني سأنهيها اليوم
قالت ريما بصبر :- هنيئا لك .. ولكنني مهتمة بمعرفة إن كنت قد قمت بالإجراءات اللازمة للاشتراك في المعرض لقد تحدثت إلى دينا صباح الأمس وهي قريبة لأحد منظمي المعرض .. وأخبرتني بأن الأمر يحتاج إلى بعض الإجراءات .. آه .. هاهي قادمة .. سأناديها لتخبرك بنفسها
لوحت بيدها لدينا التي لفتت الأنظار فور دخولها الى الكافيتربا برفقة صديقتين .. بملابسها الأنيقة والمميزة .. وشعرها القصير الأجعد .. وشرارة الشقاوة المطلة من عينيها
كانت جودي تحب صحبة دينا للشبه الذي تجده في شخصيتها المرحة بالفتاة التي كانتها أماني قبل أن تتحول إلى المرأة المشبعة بالمرارة والسخرية التي هي الآن
ما أن رأتهما دينا حتى لوحت لهما وتركت صديقتيها لتنضم إليهما .. تحدثن طويلا حول التحضيرات للمعرض .. ليتجه الحديث بعد ذلك إلى الفتيان كالعادة كلما كانت دنيا موجودة .. كانت تتحدث عن حادث مضحك تعرضت له عندما حاول شاب غريب مضايقتها .. فقالت ريما معلقة :- ما الذي أصاب الرجال هذه الأيام ؟لماذا لا يتركوننا وشأننا ؟ فنحن لدينا ما يكفي من المشاكل
قال دينا ضاحكة :- من النموذجي أن تقول فتاة مخطوبة هذا الكلام .. فأنت لديك بالفعل رجل رائع كما هو الحال مع جودي .. في الواقع .. أظن مجرد وضعكما لخاتم الخطوبة يمنحكما الحماية من المضايقات
قالت ريما ساخرة :- لا تكوني متأكدة .. لو عرفت ما حدث مع جودي الأسبوع الماضي لسحبت كلماتك فورا
هتفت جودي بحذر :- لا أظن دينا مهتمة لسماع التفاصيل
ولكن اللهفة والفضول المطلين من عيني دينا جعلا ريما تتجاهل تحذيرات جودي وتبدأ بسرد ما حكته لها جودي عن لقائها بتمام وهو مالم يكن كثيرا
قالت دينا غير مصدقة :- أتقولين بأن عازف الجيتار قد ترك مقعده فوق المنصة وحاول الإيقاع بجودي بوجود خطيبها ؟ إنه أحمق بالتأكيد .. كان عليه اختيار فتاة أخرى ليست مخطوبة إلى طارق منصور .. لاأعتقد بأن فتاة عاقلة قد تترك أكثر شباب المدينة وسامة وثراء لأجل عازف جيتار
رفعت ريما حاجبيها بشكل معبر وهي تقول :- لا تستخفي بعازف الجيتار هذا .. فأقل ما يمكنني وصفه به هو أنه رجل مدمر .. لا أذكر أنني قابلت يوما رجلا بجماله وجاذبيته
نهضت جودي قائلة بانزعاج :- ستبدأ محاضرتنا التالية بعد دقائق يا ريما .. هلا ذهبنا ؟
تناولت كتبها وحقيبتها وغادرت دون أن تنظر إلى ريما التي لحقت بها قائلة :- ما الذي أزعجك الآن؟
هتفت جودي بحدة :- هلا توقفت عن التحدث عني أمام الآخرين وكأنني غير موجودة ..
قالت ريما بحيرة :- لا أظنني أخطأت .. دينا تحكي لنا دائما قصصا مشابهة
صاحت بها جودي :- تكلمي عن نفسك إذن .. ماذا إن وصلت القصة في النهاية إلى طارق ؟
:- لماذا قد يزعجه الأمر ؟ لم تكن المرة الأولى التي تتعرضين فيها للمضايقة .. أنت لم تبادلي ذلك الشاب الإعجاب أو ما شابه .. صحيح ؟
من حسن حظ جودي أن دوى رنين هاتفها المحمول من داخل حقيبتها فقالت لريما :-اسبقيني إلى القاعة وسألحق بك
أبطأت سيرها بينما تابعت ريما طريقها .. وأجابت على المكالمة التي لم تتعرف إلى مصدرها :- نعم
لم تدرك بأن صوتها قد عكس توترها حتى سمعت صوتا عميقا يقول :- هل قاطعتك عن شيء ما ؟
توقفت فجأة عن السير .. وتسارعت نبضات قلبها بشكل غريب وهي تقول باضطراب :- من .. من المتكلم؟
:- لا تقولي أنك قد نسيت صوتي
إنه هو .. هو دون غيره موضوع شجارها مع ريما .. همست دون أن تفكر :- تمام
ساد الصمت للحظات قبل أن يقول برقة :- يسرني أنك مازلت تذكرين اسمي
أغمضت عينيها وهي تشتم نفسها بصمت .. سارت عبر أحد الأروقة الجانبية بعيدا عن ازدحام الطلاب وقالت باضطراب :- ما الذي تريده ؟ لماذا تتصل بي ؟
:- ظننت بأن اتصالي بك كان متوقعا بعد حصولي على رقم هاتفك سابقا
وعندما مرت عدة لحظات من الصمت قال بلهجة غريبة :- لقد كنت في انتظاري .. أليس كذلك ؟
أسندت نفسها إلى الجدار بإعياء كان نتيجة ليالي من الأرق والخوف من اتصاله .. تمتمت :- ما الذي تريده مني ؟
:- أن أراك طبعا .. ظننت هذا واضحا
أذعرتها فكرة لقائه مجددا .. فاعتدلت وهي تقول بحدة :- هذا لن يحدث أبدا .. أرجو ألا تتصل بي مجددا .. لقد سبق وأخبرتك بأنني مخطوبة .. ولست مهتمة بمعرفة أي شيء عنك
قال بصرامة :- كاذبة
أجفلت من لهجته القاسية وصحة تخمينه .. أكمل بحزم :- لو أنك غير مهتمة حقا .. لما كنت تستمعين إلي الآن عوضا عن إقفال الخط في وجهي فور تعرفك إلى صوتي
فكرت بيأس .. لم أفعل لأنني غبية .. وحمقاء .. ولأنني كنت أتحرق شوقا لسماع صوتك
تمكن من أن تقول اخيرا بجفاف :- هذا ما سيحدث إن حاولت الإتصال بي مجددا
قال بهدوء وثقة :- في المرة القادمة التي سأتحدث فيها إليك .. أعدك بأن الهاتف لن يكون الوسيط بيننا
.. كانت قادرة على الإحساس بابتسامته الواثقة وكأنها تراها .. أكمل :- لن أؤخرك كي لا تبدأ المحاضرة بدونك .. أراك لاحقا يا جودي النجار
انتهت المكالمة فجأة .. فحدقت في الهاتف مذهولة .. كيف عرف اسمها الكامل ؟
كيف جمع كل هذه المعلومات عنها ؟
انتبهت فجأة إلى أنها قد استقطبت بعض الأنظار الفضولية .. فابتلعت ذهولها وأكملت طريقها نحو القاعة حيث تنتظرها ريما .. ولكنها لم تستطع ابتلاع الخوف الذي كان يتعاظم داخلها أكثر فأكثر
أنت تقرأ
سيدة الشتاء
Romanceنظر إليها بتامل شعرها الأشقر الرطب الذي إلتصقت أطرافه بجبينها ووجنتيها . واسترخائها الكامل وكأنها قضت حياتها كاملة تحت المطر . . فقال - سيدة الشتاء . . ردت باضطراب : سيدة الشتاء ابتسم بغموض قائلا - كان لها حبيب يحمل قسوة في قلبه . تشاجرا ذات ليلة...