أقيم حفل خطوبة دنيا في أحد المطاعم الراقية المعروفة في المدينة ... نعم .. لقد كان أحد فروع ذلك المطعم الذي قابلت فيه جودي تمام أول مرة
رغم اختلاف المكان .. وجدت هي في تشابه الديكور الأنيق والمميز للمطعم تحفيزا قاسيا لذاكرتها .. حاولت جاهدة تجاهل ذكرياتها وآلامها الخاصة .. وتذكير نفسها بأن المطعم محجوز بأكمله هذه الليلة لإقامة حفل الخطوبة .. وأنها لن ترى تمام فجأة جالسا على المنصة .. يحتضن غيتاره بحزن مؤديا أروع الألحان .. لا ..لن تراه الليلة وإلا ما جرؤت على حضور حفل خطوبة إحدى أقرب صديقاتها
ركزت انتباهها على نجمة الحفلة التي رأتها فور دخولها فتركت خطيبها الوسيم وأسرعت نحوها وهي تجر ورائها فستانها البنفسجي الطويل لترحب بها قائلة بحرارة :- أهلا بك يا جودي .. لقد خشيت أن تتخلفي عن الحضور . تبدين رائعة الجمال هذه الليلة
لم يفت جودي وميض الشفقة الظاهر في عيني دنيا .. لقد شاع خبر خطوبتها المفسوخة في كل مكان .. والجميع ينظر إليها بعين الشفقة وكأن طارق هو من أنهى الخطوبة لا هي
الحقيقة أنها كانت تبدو جميلة بالفعل .. بفستانها الأبيض المطرز بنعومة .. والذي لائم جسدها الرشيق وكأنه قد فصل خصيصا له .. وشعرها الكستنائي المرفوع فوق رأسها بتسريحة بسيطة إنما أنيقة .. أظهرت تقاسيم وجهها الجميلة
دنيا أيضا بدت مدهشة وقد سبغ الحب والسعادة عليها جمالا إضافيا .. قالت جودي باسمة :- ما كنت لأفوت على نفسي مناسبة كهذه .. أنت أيضا تبدين رائعة
أمسكت دينا بيدها قائلة :- تعالي لأعرفك بوالدي وبرامز .. وأحذرك بأنني أنتظر سماع رأيك الصريح بكل شيء في الحفلة
قالت جودي بخبث وهي تسير خلفها :- تريدين رأيي بالحفلة أم في زوج المستقبل ؟
ضحكت دنيا دون أن تعلق .. وسرعان ما وجدت جودي نفسها تندمج مع باقي المدعوين .. وتستمتع بوقتها برفقة مجموعة من زملاءها في الكلية .. من ضمنهم كانت ريما موجودة برفقة بشار .. وقد بديا في غاية السعادة معا .. وكأن تبرؤ والدها وامتعاض المجتمع من هروبهما وزواجهما لا يؤثر بحياتهما الزوجية الجديدة على الإطلاق
لم تنقطع الاتصالات بين جودي وريما بعد زواجها .. ولكن حديثها الدائم عن مدى سعادتها مع بشار كان يسبب الغيرة القاسية لجودي .. ورغم محاولات ريما الدائمة لمراعاة شعورها بعد تركها لطارق .. كانت تنزلق أحيانا بالكلام فتندفع في حديث متحمس عن حياتها الجديدة الرائعة
لدقائق طويلة نسيت جودي كل همومها .. وتركت نفسها تنقاد خلف عبث أصدقائها البريء وتضحك من قلبها على نكاتهم المرحة .. حتى عادت دنيا لتجذبها من مرفقها وتسحبها من مجموعتها قائلة :- لا تضيعي الوقت مع هؤلاء البلهاء .. تعالي أعرفك بعزاب عائلتي .. أعدك بأنك لن تخرجي من هذه الحفلة إلا وقد نسيت أمر طارق تماما .. مع ثقتي بأن كل من سيراك سيقع فورا في هواك .. هه .. ابن عمي أحمد يقف هناك مع بعض أفراد العائلة .. تعالي وتعرفي إليه .. إنه طبيب أسنان ناجح .. ووسامته غير عادية
قاومتها جودي قائلة بانزعاج :- دنيا .. أنا لست مهتمة باصطياد عريس .. فتوقفي عن معاملتي كعانس ترغب بالزواج قبل أن يفوتها القطار
تجاهلت دنيا اعتراضها ودفعتها دون إنذار نجو المجموعة التي وقفت في منتصف الصالة
سمعت دنيا تقول ببشاشة :- مساء الخير .. هل تقضون وقتا ممتعا يا جماعة ؟.. آه .. أحمد .. أقدم لك صديقتي جودي .. لقد كانت تسألني لتوها عن طبيب أسنان جيد تستطيع أن ...
تابعت دنيا محاولتها المكشوفة للتوفيق بين جودي و الطبيب المرتبك .. بينما أشاحت جودي بوجهها المتورد بعيدا لتصطدم عيناها بعينين بنيتين بلون الشوكولا .. تعرفهما جيدا .. بل هما لم تفارقا أفكارها منذ فترة طويلة
كانتا تنظران نحوها بقسوة على بعد خطوات منها ضمن نفس المجموعة التي دفعتها دنيا إليها .. ارتجفت وتخبطت أحشاءها وهي تحاول التراجع تلقائيا .. ما الذي يفعله تمام هنا ؟
كان يبدو مختلفا بحلة سوداء في غاية الأناقة .. لاءمت جسده الطويل والنحيل .. شعره الأسود كان مصففا بعناية على غير العادة .. ووجهه الحليق كان شاحبا ونحيلا كآخر مرة رأته فيها
جاذبيته اكتسحتها على الفور .. وجعلت ركبتيها ترتعشان حتى أحست وكأنها ستسقط .. ذكرى لقائهما الأخير جعلها تتمنى أن تختفي من أمامه بمعجزة
هو أيضا كان مصدوما لرؤيتها .. ينظر إليها وكأنه يراها للمرة الأولى بمظهرها الرسمي الجميل .. وفي عينيه الجميلتين شيء من السخرية و البغض
لم يدرك أحدهما بأن جميع الموجودين حولهما قد لاحظوا ردة فعل كل منهما اتجاه الآخر .. نقلت دنيا بصرها بين جودي وتمام .. ثم قالت باهتمام :- جودي .. هل سبق وقابلت ابن خالتي تمام ؟
أجاب تمام ببرود :- أنا وجودي نعرف بعضنا جيدا
احمر وجه جودي بغضب من بروده .. ومن المعنى الذي تضمنه كلامه ..أما دنيا فقد عادت تنظر إليها حائرة وهي تقول :- حقا .. هذا غريب .. وكيف تعرفتما إلى بعضكما ؟
أحست جودي بالدماء تكاد تنفجر من وجهها .. وتمنت لو تتمكن من الركض هاربة من هذا الموقف .. لولا خوفها من ثرثرة الناس التي ستلتهم القصة التهاما وتنسج حولها الفضائح
لقد ظنت نفسها حقا في وسط الطريق نحو نسيانه .. لقد عادت تأكل أخيرا وتضحك .. بل وتنام في الليل دون أن تغزو عيناه أحلامها
ظهرت بوادر الفهم على وجه دنيا وهي تقول بفرح :- آه .. لابد أنكما التقيتما في أحد مطاعم تمام .. أذكر أن طارق كان يحب تناول طعامه هناك
رمشت عينا جودي وهي تحاول استيعاب كلمات دنيا .. متجاهلة جمود نظراته ورددت بارتباك :- مطاعمه ؟
نظرت دنيا بعتاب نحو ابن خالتها قائلة :- هل مارست مع جودي إحدى ألاعيبك القديمة يا تمام ؟ هل تظاهرت مجددا بأنك موظف بسيط .. أو نادل معدم في أحد مطاعمك الخاصة ؟
التفتت نحو جودي موضحة غير مدركة للصدمة التي اكتسحتها :- تمام يا عزيزتي يمتلك سلسلة المطاعم هذه .. ومن ضمنها هذا المكان الذي يقف فيه .. لقد أسس نفسه من الصفر وبنى أول مطاعمه حين عاد من الولايات المتحدة قبل سنوات متبعا خطوات أبيه الذي حقق نجاحا باهرا هناك بمطاعمه المعروفة والمتخصصة بالطعام الشرقي .. شيئا فشئا ومع نجاحه الباهر توسعت اعماله لتشمل عدة فروع في البلاد بالإضافة إلى استثماراته في مجالات اخرى متعددة .. إنه متواضع إلى حد رفضه إظهار نجاحه كما يفعل الآخرون ... فهو يكره أن يتزلف الناس إليه بسبب ما يملك .. ويفضل ان يتعرفوا إلى الإنسان داخله أولا
نظرات الجميع تركزت عليها بينما بدت هي تائهة كالطفل الضائع .. تنظر إلى دنيا تارة .. وإلى تمام تارة أخرى وكأنها قد أصيبت بالخرس
تمام ليس ذلك الشاب المعدم الذي ظنته في البداية .. لقد كذب عليها وسخر منها وعذبها لأشهر طويلة كي يسلي نفسه فقط .. يا إلهي كم كانت غبية ..
كان عليها التماسك .. وإخفاء صدمتها حتى لا تجعل من نفسها أضحوكة امام أقرباءه .. ولكنه لم يرحمها إذ سمعته يقول ببرود :- ماذا عن خطيبك المحترم ؟ لماذا ليس موجودا معك في مناسبة كهذه ؟ أم أنه ينتظر زواجكما حتى يرافقك في المناسبات الرسمية خوفا على سمعته
امتقع وجه جودي .. فالتفتت دنيا نحو تمام وقد أغضبته كلماته الجارحة .. قالت بحدة :- تمام .. لماذا تحدث جودي بهذه الطريقة ؟.. لقد فسخت خطوبتها منذ أسابيع وسأكون ممتنة لو احترمت مشاعرها
همست جودي وقد فقدت قدرتها على الاحتمال :- بالإذن
اندفعت تشق الزحام نحو المخرج غير عابئة بنظرات الآخرين لها .. سمعت صوت تمام يناديها :- جودي
أسرعت في سيرا حتى كادت تجري .. نزلت الدرج المؤدي إلى الشارع .. فلم تشعر حتى بقطرات المطر الكبيرة التي تساقطت فوق رأسها وبللت فستانها .. ما إن وصلت إلى الموقف الخاص بالمطعم .. حتى أمسك تمام بذراعها وأوقفها مديرا إياها نحوه فقاومته بشراسة ونظرات البغض تطل من عينيها قائلة :-
:- اتركني أذهب أيها المنافق المخادع .. لقد تسليت كثيرا على حسابي .. وآن لتسليك أن تنتهي
حاول إيقاف مقاومتها صائحا بحدة :- اهدئي قليلا
ركلته بكل قوتها على قصبة ساقه فتركها متأوها .. اندفعت راكضة نحو سيارتها .. وجاهدت لتتمكن من التقاط المفتاح من حقيبة يدها الصغيرة .. ما إن فتحت الباب حتى أغلقته يد تمام بقوة .. ثم أجبرها على النظر إليه ..أمسك بذراعيها وأسندها إلى السيارة قائلا بحدة :- هل ستسمعينني الآن ؟
قالت بشراسة :- لا أريد أن أسمع منك شيئا .. أي شيء .. لا أريد أن أراك مجددا على الإطلاق
حاولت ركله مجددا ولكنه منعها بتكبيله التام لحركتها وهو يقول بغضب :- لن تتحركي من هنا حتى تجيبين عن سؤالي يا جودي .. متى فسخت خطبتك بالضبط ؟
هتفت بثورة :- هذا ليس من شأنك
تجاهل ثورتها وهو يكرر سؤاله بتوتر :- عندما جئت إلى شقتي ذلك المساء .. هل كان هذا قبل أم بعد فسخك لخطوبتك .. أجيبي يا جودي
هزت رأسها مانعة محاولة منع دموعها من الانهمار :- لم يعد هذا مهما بعد الآن
هزها بقوة قائلا بغضب :- أجيبيني عليك اللعنة .. هل كنت مخطوبة عندما طرقت بابي ذلك المساء
صرخت به وقد فقدت اعصابها :- لا .. لم أكن مخطوبة .. هل ارتحت الآن .. كنت قد فسخت خطوبتي منذ فترة طويلة عندما جئت إلى شقتك كالبلهاء وأهنت نفسي مجددا كما كنت أفعل منذ عرفتك .. أيها الكاذب المخادع
قال بتوتر :- لماذا لم تخبريني بذلك إذن ؟ لماذا تركتني أسيء إليك بالقول والفعل ؟ لماذا لم تخبريني بسبب زيارتك لي ؟
قالت بمرارة :- ما الذي توقعته مني يا تمام ؟ لقد طرحت عليك سؤالا واضحا وقد أجبتني عنه بكل صراحة .. كنت تنتظر أن آتي إليك معلنة فسخي للخطوبة مع اعتراف بحب لا يموت وأرمي نفسي بين ذراعيك بدون ضمانات ..هل كنت تتوقع مني أن أركض وأمنح نفسي لرجل لم يتحدث ولو لمرة عن رغبنه بالزواج بي ؟ .. لرجل كذب علي وأوهمني بأنه بالكاد قادر على إعالة نفسه في حين أنه قادر على إعالة عائلات بأكملها
قال بتوتر :- ما الذي كنت تريدين مني فعله يا جودي ؟ عندما عرفتك كنت مخطوبة إلى رجل ثري وذي مركز مرموق .. إن عرفتك بنفسي على أنني تمام محفوظ صاحب سلسلة المطاعم الشهيرة .. والذي لا يقل عن خطيبك ثراءا .. لما وجدت بي أكثر من بديل له .. كنت ستتخلين عن رجل ثري لأجل رجل ثري آخر قادر على منحك نفس الحياة المخملية التي تنشدينها .. وأنا أردتك أن تري بي أكثر من محفظة وضمانة لحياة مريحة .. أردتك أن تحبيني أنا .. تمام الشاب الذي يحب المتع البسيطة في الحياة .. أن تحبي الشخص الذي أكونه قبل أن تعجبي بما أمتلكه .. وأنت لم تتمكني من اتخاذ قرار نهائي حتى بعد أن أحببتني واكتشفت عقم مشاعرك اتجاه خطيبك .. للقد فضلت حياة باردة خالية من المشاعر مع رجل لا تحبينه لأجل المادة فقط
هتفت من بين أسنانها بغل :- عليك اللعنة يا تمام .. أنا لم أفتقر يوما إلى المال ... بل أنا أكثر ثراءا منكما معا .. ما كنت أطلبه بالإضافة إلى الحب هو الاحساس بالأمان .. وهو ما كان طارق قادرا على منحي إياه .. أما أنت .. فمنذ عرفتك .. لم تتحدث إطلاقا عن الزواج أو المستقبل .. كنت لأرمي طارق وراء ظهري خلال لحظة وأركض نحوك بلا أي تردد لو أنك منحتني ولو لمحة عن جديتك نحوي .. أما عن إخفاءك لثراءك ومركزك عني .. فقد كنت محقا .. أنا ماكنت لأحبك بنفس الطريقة لو أنك أظهرت لي ما لديك من مال في لقاءنا الأول .. ما جذبني إليك هو الطريقة التي سحبتني فيها من العالم المزيف والفارغ الذي كنت أعيش فيه .. العالم البارد القائم على المظاهر الخادعة والقيم البالية ..علمتني كيف يمكن للإنسان أن يكون سعيدا فقط بكونه الشخص الذي هو عليه .. وليس ما يريده المجتمع .. سمعتني وفهمتني .. ومنحتني ما لم أجده لدى أقرب الناس إلي .. ولكنك لم تستطع منحي الشيء الوحيد الذي احتجته أكثر من أي شيء آخر .. وهو الأمان و الثقة .. بعكس طارق الذي تزدريه فقد كان رجلا صادقا جديرا بالثقة كما لن تكون أبدا
اشتعلت عيناه غضبا بينما ازدادت الامطار غزارة فور رأسيهما .. هتف بها غاضبا :- لماذا فسخت خطوبتك إذن مادام يمثل كل ما تحلمين به في الرجل
ابعدت خصلات شعرها المبتلة عن وجهها وهي تقول بمرارة :- لأنني أحببتك أنت يا تمام .. لا أستطيع الزواج منه وقلبي معلق بغيره .. حتى لو لم أحصل عليك .. فعلاقتي بطارق ما كانت لتستمر
أمسك بكتفيها ونظر إلى عينيها قائلا :- مازلت قادرة على الحصول علي يا جودي .. أنا ما زلت متاحا لك ولن أكون لغيرك أبدا
مطت شفتيها قائلة بازدراء وهي تقول :- للأسف .. أنا لم أعد أريدك يا تمام.. فلتهدي نفسك لأي مغفلة أخرى ترضى باستغفالك لها وسخريتك منها
هزها بقوة قائلا بإصرار :- ما تقولينه غير صحيح .. لقد قلت بنفسك بأنك قد أحببتني .. لا يمكن أن تتحول مشاعرك بهذه السهولة
هتفت بانهيار :- لا .. أنا لم أحببك أنت .. أنا أحببت تمام الآخر .. الشاب الجريء والفقير والبسيط.. الصادق الحنون .. أحببت الرجل الذي علمني ما هو الحب الحقيقي .. أما أنت فأنا لا أعرفك .. أنت رجل ثري عابث يلهو في فترات فراغه بالسخرية من النساء ولعب دور المستخدم المعدم فقط لتثبت لنفسك قدرتك على جذب الجنس الآخر بدون مالك وجاهك
صرخ بها وقد نفذ صبره :- أنا لم أكن أتسلى بك يا جودي .. لقد أحببتك منذ رأيتك أول مرة .. لقد عرفت لحظتها بأنك الانسانة التي أرغب بقضاء ما تبقى من حياتي معها
قالت بحدة :- ليس هذا ما قلته لي في شقتك يا تمام .. لقد أوضحت لي بكل صراحة بأنك لم ترغب أبدا بالزواج بي
هز رأسه محاولا إيقاف سيل كلماتها وهو يقول :- لا يا جودي .. لا .. أنا لم أقل هذا .. لقد أخبرتك بصراحة بأنني لن أكون بديلا لطارق .. أردتك أن تتركي طارق بنفسك بعد أن تدركي بأنك لا تحبينه .. أردتك أن تأتي إلي لأنك تحبينني أنا .. وليس لأنك تبحثين عن زوج بدلا عن آخر .. لهذا فقط أخفيت عنك حقيقتي .. لأنني أحبك .. أقسم على أنني أحبك .. وأنني أرغب في الزواج بك في أقرب فرصة
تلونت كلماته الأخيرة باليأس وهو يصرخ بها أمام دموع جودي التي تفجرت في عينيها بغزارة كي تندمج مع قطرات المطر الباردة وتكسو وجهها الطفولي المنهار
نتيجة يأس الأسابيع السابقة .. الحزن والألم والحيرة .. والشوق والسهر لليال متواصلة .. تفجرت الآن في لحظة واحدة .. لم تستطع الاستماع إليه أكثر .. لم ترغب حتى أن تشعر بقربه يعذبها .. أرادت أن تختبئ في جحر مظلم بعيد عن الأنظار تبكي مرارتها
كيف ستثق به بعد الآن ؟.. كيف ستصدق حبه ووعوده ؟ .. هتفت باكية :- لقد فات الأوان الآن .. فات الأوان
دفعته عنها في حركة مفاجئة .. جعلته يندفع إلى الخلف متعثرا حتى كاد يسقط على الأرض المبتلة ... فاستغلت الفرصة لتفتح سيارتها وتدخلها .. ثم تدير المحرك وتندفع بها كالمجنونة
صرخ من خلفها :- جودي انتظري
قادت دون أن ترى بين الطرقات المظلمة وهي تبكي بانهيار ..أحكمت وضع حزام الأمان تلقائيا بيدها المرتجفة .. مشاعرها الثائرة كانت مزيج من المرارة والحزن والغضب .. ما الذي ظنه تبا له ؟.. أنها ستجثو على ركبتيها شكرا له على عرضه الكريم ؟ على تنازله وقراره الزواج منها أخيرا ؟
لقد سخر منها وعذبها وأوهما بفقره كي لا تراه عريسا ملائما .. هل يظنها بهذه السطحية والتفاهة ؟ هل يظن التافه بأنها افتقرت إلى صفوف العرسان لتبحث عن واحد ؟ .. وهاهو بعد انكشاف الحقيقة يخبرها بكل وقاحة بأنه لطالما رغب بالزواج بها
لا والله لن تتزوج به لو كان آخر رجل على وجه الأرض ..
نفير عالي ومزعج صدر من سيارة رياضية حمراء اللون كانت تسير في أعقابها .. وعندما تحركت جانبا لتسمح لها بالعبور ... لمحت وجه السائق .. لقد كان تمام
وأين ذهبت الشاحنة القديمة المتسخة ؟ أم أنه ترك مستلزمات الخداع في البيت ظنا منه بأنه لن يحتاج إليها ؟
عاد يطلق النفير تلو الآخر وهو يشير لها بالتوقف جانبا .. فما كان منها إلا أن زادت السرعة يدفعها الغضب بدون أي تفكير في العواقب .. لقد أرادت فقط أن تبتعد عنه .. أن تفصل بينهما أكبر مسافة ممكنة
نظرت إلى المرآة لتجده قد خفف سرعته وكأنه قد فقد الرغبة في مطاردتها .. وعندما عادت تنظر إلى الطريق شهقت لمرأى رجل يحاول قطع الشارع حاسبا أنها تراه .. أدارت عجلة القيادة بسرعة محاولة تفاديه .. فانزلقت إطارات السيارة مع الحركة المفاجئة فوق الإسفلت الرطب .. وفقدت سيطرتها فجأة على السيارة التي اندفعت بسرعة مخيفة نحو عمود الإنارة الضخم .. واصطدمت به بعنف .. وكان هذا آخر ما رأته جودي قبل أن يلفها الظلام بشكل كامل
أنت تقرأ
سيدة الشتاء
Romanceنظر إليها بتامل شعرها الأشقر الرطب الذي إلتصقت أطرافه بجبينها ووجنتيها . واسترخائها الكامل وكأنها قضت حياتها كاملة تحت المطر . . فقال - سيدة الشتاء . . ردت باضطراب : سيدة الشتاء ابتسم بغموض قائلا - كان لها حبيب يحمل قسوة في قلبه . تشاجرا ذات ليلة...