الفصل الثاني والعشرون(متسلط)

7.5K 283 2
                                    

بعد مرور أيام على انتشار خبر خطوبتهما اعتادت أماني على نظرات زملائها الفضولية وهمساتهم ذات المضمون الواضح .. فلا احد تقبل بسهولة خبر ارتباط مديرهم بموظفة كانت مضايقته هدف رئيسي لها .. وعندما كانت زميلاتها
تطرحن عليها الأسئلة الخبيثة حول المشاعر التي كانت مختبئة خلف العلاقة المتوترة .. كانت تكتفي بالصمت والابتسام بهدوء ..بينما هي تتآكل في داخلها من الإحباط والكآبة .. كانت قادرة على قراءة التساؤلات المستترة في الأعين المحدقة بها .. الكل في المدينة يعرف بقصتها .. بحرمان والدها لها من الميراث .. وصراعها مع صلاح .. وخطوبتها لهشام جعلت حياتها تبدو أمام الآخرين وكأنها مسلسل مكسيكي تقليدي ولكنه مسل
ليس ممتعا على الإطلاق أن يكون الإنسان موضوع حديث الألسن في جميع أنحاء المدينة
قاطع أفكارها اتصال من لندا سكرتيرة هشام .. تدعوها إلى مكتبه بطلب منه .. زفرت متسائلة عما يريده منها الآن .. ولكنها فكرت بأن ثلاثة أيام مرت منذ ارتدائها لخاتمه في شقتها .. وأن عدم زيارتها له في مكتبه مرة على الأقل في اليوم قد تثير الشكوك بين الموظفين
تأكدت من أناقة مظهرها .. وغادرت مكتبها .. استقبلتها لندا بعبارات التهنئة وقد بدا وجهها البشوش أشبه بقناع أخفى تساؤلات عدة وحيرة كبيرة .. فمنذ أسابيع فقط كانت أصوات شجار أماني ومديرها تصل إليها بوضوح من خلف الباب .. ولكنها كانت أذكى من أن تطرح أي سؤال على أماني التي أصبحت بين ليلة وضحاها خطيبة الرئيس
حاولت أماني تجاهل توترها الذي بدأ يتزايد عندما قرعت باب مكتبه وسمعت صوته يدعوها للدخول .. ذكرت نفسها بأنه لم يعد مجرد مدير صارم ومخيف .. بل خطيب لها .. وربما الشخص الوحيد القادر على حمايتها .. دخلت وأغلقت الباب ورائها بهدوء .. فلاحظت بانه لم يكن جالسا خلف مكتبه .. بل واقفا عند النافذة يتحدث بانزعاج إلى شخص ما عبر هاتفه المحمول
قارنت بحيرة بين هذا الرجل العملي الجاف .. والرجل الدافئ المتفهم الذي ألبسها خاتمه منذ أيام .. راقبت حركات يديه الكبيرتين وهو يتحدث فلاحظة رشاقة أصابعه الطويلة وتذكرت ملمسهما الخشن .. الدافئ والمتملك
أخذت نفسا عميقا لتعيد التوازن إلى أفكارها في اللحظة التي أنهى فيها المكالمة واستدار إليها قائلا :- تفضلي بالجلوس .. آسف لجعلك تنتظرين
ابتسمت وهي تجلس على مقعد مواجه لمكتبه وهي تتمعن في اعتذاره غير المألوف .. لم يكن هشام عطار يوما من النوع الذي يعتذر لموظف لديه عن فظاظته وتسلطه
نظر إليها باهتمام قائلا :- يبدو مزاجك حسنا وفقا لابتسامتك هذه
اختفت ابتسامتها وهي ترد بسرعة :- هذا يتوقف على سبب استدعائك لي
لوى فمه بابتسامة جانبية متهكمة قائلا :- كالعادة تشحن اماني النجار نفسها بكل طاقتها القتالية قبل حضورها إلى مكتبي
هزت كتفيها :- لم تستدعني يوما لأسباب سلمية .. فلماذا أفترض بان هذه المرة مختلفة ؟
خفت حدة صوته وهو يقول بهدوء :- هذه المرة انت خطيبتي يا اماني
قالت ساخرة :- هذا ما عرفه كل كائن حي يعمل في هذا المبنى
قال بحزم :- هذا ما يجب أن يعرفه كل مخلوق في المدينة .. أم تراك نسيت السبب الرئيسي للعبتنا هذه يا أماني ؟
شعرت بالضيق بسبب تذكيره لها باتفاقهما .. وردت باقتضاب :- لا .. لم أنس
:- على كل حال .. لقد طلبتك لأتحدث إليك في أمر الرحلة إلى العاصمة .. أظنك ستنضمين إليها
:- هذا ما أفعله كل سنة
في كل عام ينظم هشام رحلة لجميع موظفيه إلى العاصمة لحضور المعارض والمناسبات الثقافية التي تقام هناك .. وأماني كانت تحب هذه الفكرة .. وتنتظر كل سنة حضور معرض الكتاب الدولي السنوي ..
قال بهدوء :- هذا جيد .. سأمر عليك صباح الغد لننطلق معا
تصلبت وهي تحدق به مبغوتة .. ثم قالت بجمود :- لم أقل قط بأنني سأذهب معك
:- لا .. لم تفعلي .. ولكن كل موظف هنا سيجد صعودك في الباص المخصص للموظفين أمرا شاذا بدلا من مرافقتي في سيارتي
قالت بحرارة :- أستطيع الذهاب بسيارتي ولقاءك هناك .. ولن يعرف أحد بأننا سافرنا منفصلين
قال بصرامة :- لن أسمح لك بالسفر في تلك الخردة .. فهو أشبه بالانتحار
قالت بحدة :- لا عيب في سيارتي .. أستطيع السفر بها إلى أي مكان
قال ساخرا :- هذا صحيح .. رحلة بها إلى الجحيم لن تكون صعبة .. ولكنك مضطرة إلى تأجيل هذه الرحلة .. غدا صباحا سأنتظرك امام مبناك في تمام الثامنة
كانت لهجته قاطعة لا تحتمل النقاش .. فكرت على أسنانها بغيظ .. ونهضت قائلة :- هل من أوامر أخرى ... سيدي ؟
أضافت الكلمة الأخيرة لتعبر عن رفضها لتسلطه الغير مقبول .. ولكنه ابتسم وكأن غضبها قد أسعده .. وقال
:-:- لا شيء في الوقت الحاضر .. عودي إلى مكتبك
وأثناء خروجها من مكتبه .. أقفلت الباب بهدوء شديد أظهر بوضوح بأنها رغبت في صفعه بكل قوتها



سيدة الشتاء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن