الصفحة الثامنة

48 15 1
                                    

جلست علي الأرض بجانب طبق الأكل الخاص بسبع ، وجدت آخر ما تبقي من أكله يملأه النمل ، لاحظت أنه مخلوط بسم الفئران .. و تعجبت من نفسي لماذا فعلت هذا .. كل هذا بسبب خوفي من ذلك الكابوس الذي يطارد مناماتي
في نفس اليوم الذي أُعلمتُ فيه بموت فتحي و قبل ذهابي للمستشفى لإستلام جثته .. قبل خروجي من تلك الشقة
كنت قد جرحت إصبعي و أنا أفتح له علبة البيفي .. نزلت للصيدلية لأشتري لاصقة طبية
كنت أحمل معي علبة سجائري ، أتذكر وقتها أن المصعد كان متوقفاً للصيانة و نزلت من السلالم
" دكتور جلال ، أخبارك إيه " ليجيبني كما يجيب الجميع بالحمد لله
جلال " خير يا دكتور سيف ، انت بتشرب سجائر ، أنا أول مرة أشوفك بتدخن .. بتدخن من إمتى ؟"

" من إمبارح ، دكتور كن عايز لزق طبي "
جلال" فتحي بيه أخباره إيه دلوقتي "
" للأسف إتوفى إمبارح بليل "
جلال " آسف جداً .. الله يرحمه ، ربنا ريحه من مرضه "
سكت قليلاً ثم استطرد " العزا هيبقي إمتى كدا "

" بكرة إن شاء الله ، هستلم الجثة النهاردة و هنزل نعي في الجريدة " توقفت لثواني قلية ثم سألت " دكتور جلال عندك سم فران ؟ "

جلال " سم فران .. هي حاجة مش بتبقي موجودة عادي في الصيدليات ... بس أنا عندي " ذهب و أحضر العلبة بينما فتحت اللزق الطبي و وضعته علي إصبعي

جلال " خلي بالك من السم لأنه ممكن يأذي الحيوانات الأليفة ، و الكبيرة .. زي سبع مثلاً ". ثم أكمل " انت عارف طبعاً "
" عارف أكيد ، أنا صيدلة يا دكتور ، و دي معلومة مش محتاجة صيدلي يفهمها .. بس في فار في الشقة مش عارف وصل إزاي .. و السم أسرع من المصيدة"

ربما كان السم أفضل كثيراً من مصيدة الفئران ، لأنك لا تحتاج إلي أن تقتل الفأر بيدك مباشرة .. لن تتضطر إلي جعله يهرب أو إلي إغراقه في الماء .. سيموت و فقط بدون أن يجعلك تقلق بشأن الأمر ولن يأنبك ضميرك
و في الشقة خلطت السم بالبيف و وضعته في طبق سبع المسكين ، ثم خرجت
ذهبت للمستشفى لاستلام جثة فتحي .. حينما قابلت وقتها جاسر ، تحدثت معه عن الإجراءات لأنني كنت الوكيل علي أملاك فتحي بمجب توكيله العام الذي أعطاني إياه  لأتابع ممتلكاته أثناء مرضه و حتى تطبيق وصيته بعد وفاته و هو توكيل محدد بوقت معين

جاسر " إحنا آسفين للخبر ده ، دكتور فتحي كان شخص جميل ، ترك أثر جميل جوه كل واحد اتعامل معاه "
" ربنا يرحمه ، اتعذب كتير بسبب مرضه وربنا يجعله في حسناته ، فتحي كان بالنسبالي أكتر من أخ ، كان أخ و صديق و صاحب فضل ..."
جاسر " إحنا عملنا تقرير ، هطلع شهادة الوفاة و تصريح الدفن .. الجثة محفوظة في التلاجة تحت "
سألت " ممكن أشوفه " و أجابني مؤكداً .. تحركنا لثلاجة الموتى بينما كان يخبرني جاسر عن موت فتحي " سبب الموت بكتريا عقدية انتقلتله من الكلب و لمجرى الدم .. اتنقل للعناية بسببها و مات بسبب بكتريميا "

" حذرته كتير من الكلب ، كانو دايماً بيحاولو يمنعوني أدخل بيه ، لكنه كان بينشف دماغه كل مرة .... "
قاطعني رنين هاتفي  و كانت فيروز أختي من تتصل
فيروز " خالك منصور ، مات هو و مراته و عياله "
" إنتي بتقولي إيه !! "
فيروز " كان جايب مبيد للفيران  لمزرعته و كانت المادة السامة بتنتشر في الهوا  و سابها في البيت مكنش يعرف .. هشرحلك لما تروح  .. الدفنة و العزا النهاردة  "
"فتحي مات إمبارح بليل ، مش هقدر آجي دلوقتي خالص "
فيروز " انت عارف لو مجيتش يا سيف هتبقى دي نهايتها .. لو مجيتش النهاردة أمك مش هتسامحك أبداً ، أمك منهارة يا سيف و انت عارف هي كانت زعلانة منك قبل كدا "

فتحي ، أخي الأكبر ، و كنت صديقه الوحيد بل أخوه ، فرد من أفراد عائلته التي تساقطت جميع أوراقها ، عاش وحده أغلب حياته و دخل العالم الأرستقراطي حبواً .. تخرج من كلية العلوم و أنشأ شركة مبيدات ضخمة و مصنع ..
لم أستطع تمالك نفسي من البكاء وقتها عندما رأيت جثته ، ذلك البكاء الهيستيري
و الآن أنا أتذكر ذلك الموقف في الشقة و الدموع تنهمر مني ، أكاد أصرخ ناعياً إياك يا صديقي

مخلوقات غريزيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن