لماذا نعتقد دائماً أن الموت بعيداً عنا ، لماذا نظن أنه سينتظرنا حتى نحقق أحلامنا و أهدافنا .. في الحقيقة قد تموت هباءاً .. قبل أن تحقق أي شيء
كل يوم يمر علينا و نحن أحياء هو هدية من الله لنا لنحاول الرجوع عن طرقنا الضالة .. قد تسرقك الثواني و يخدعك الزمن ولا تجد الوقت
قد تموت و أنت في منتصف الطريق حتى وليس قبل نهايته
الحياة الواقعية ليست كالقصص ، لا نموت في آخر و أفضل أجزائها .. قد نموت في منتصف الأحداث ، قد تموت قبل أن تنهي جملتك حتى
دائماً اقتنعت أن القصص تُكتَب فقط عن الأبطال الناجين ، عن الشخصيات التاريخية الناجية ، و عن الشخصيات الخيالية الناجحة
لكن كل يوم يمر عليك و أنت على قيد الحياة هو قصة نجاة ، هو هبة .. فرصة لنعيد تصحيح المسارات
لكنني كنت أتمتع بغريزة بقاء و حظ جيد فاقا توقعاتي
كان أبي في طريقه للخارج و وجدني علي البوابة ، أمسكني بين ذراعيه و كنت أسمع بكاءه لكنني لا أقوى علي الحراك حتى ، كل ما استطعت قوله هي كلمة آسف يا أبي ، لم يقوى علي حملي فسندني حتى أصعدني على السلم للدور الثاني حيث الشقة التي نتمركز فيها في ذلك البيت المكون من أربعة طوابق .. أدخلني و أراحني على كنبة الصالون حتى أسرع إلي المطبخ يقوم بتحضير كوب ماء بسكر
أحضرها إلي لأشربها .. تكلمت بصوت متقطع " عايز حاجة مالحة "
قام فأحضر لي قطعة مخلل ، بدأت وظائفي الحيوية تعمل من جديد و تعرقت بغزارة و لكنني كنت قد أفقت و إعتدلت في جلستي لألتقط أنفاسي أما أبي فقد إمتلأت عيناه بالدموع حتى فاضت من جديد و هو لا يعلم ماذا يقول لي
جلسنا صامتين ننظر إلي بعض في صمت مهيمن لدقائق حتى قطع الأمر رنين هاتف أبي ، كانت أختى فيروز .. أخبرها أنني في المنزل عنده ..
تكلمت " أنا طالع الشقة اللي فوق ، هجيب حاجة من دولابي " و خرجت ، صعدت إلي الأعلى ، دخلت ، تلك الغرفة التي قضيت بها وقت الثانوية العامة .. لازلت أحتفظ بتلك الذكريات السيئة عن معاناة الثانوي هنا خلف تلك الجدران ، فتحت الدولاب و وجدت ذلك الجاكيت الأسود
بحثت في جيبه و وجدت تلك الأجندة الزرقاء
أخطائي. كل أخطائي و أعظمها هنا
جلست علي سريري و أمسكت المذكرة بين يدي ، فتحت على آخر صفحة فيها
كانت صدمة بالنسبة لي عندما بدأت أقرأ ما كتبت" إنه أسوأ إعتراف لي في هذه المذكرة ، أخبرني جاسر أن فتحي يعاني من مرض الزهايمر ، تلك العلامات الواضحة عليه .. إذا تم تأكيد تشخيصه بالمرض ستصبح وصيته لاغية و ستضيع أمواله و تركته ، ذهبت ذلك اليوم و أخذت عينة من الكلب أرسلتها للمعمل في المصنع ليقوم أحدهم بفصل البكتريا من عينة الكلب و أخذت تلك العينة الصافية من البكتريا في أمبول
و دفعت لإحدى الممرضات لتقوم بحقنه في كيس المحلول الذي يتم تغييره لفتحي ليلاً
قتلت صديقي
لكنه كان الخيار الوحيد أمامي لأحفظ أمواله التي تعب و أضاع حياته في تحصيلها ، كان فتحي ميتاً ينتظر المعاد ، لم يكن في حياته أكثر مما مضى
الأمر منطقي جداً .. لكنها جريمة قتل
لا يعني هذا أنني أكره صديقي ، لا يعني الأمر أنني سأكون سعيداً بموته ، لكنه يعاني أمامي كل يوم من مرضه ، و ستضيع كل معاناته سُدى إذا ظللت أشاهد من بعيد
أنا آسف يا صديقي ، كنت أتمنى أن أكون صديقاً صالحاً مخلصاً كما كنت أنت لي "تذكرت الأمر كله الآن ، عندما أنهيت هذا و أنا جالس علي مكتب فتحي في غرفته في شقة الأنفوشي .. إنتبهت إلي كل تلك الذنوب و الآثام في مذكراتي
هكذا حياتنا .. تبدأ بذنوب بسيطة في صغرنا و تكبر الدائرة
كل ذنب لا تتوب منه يحملك إلي ذنب أكبر و أكبر ، حتى تصل للقتل
لاحظت تلك الورقة التي كتبتها ، الورقة الثانية في الأجندة
المبادئ لا تتجزأ ، و تذكرت أنني قد تخليت عن الأمر ، لم تعد تلك الجملة مناسبة .. لقد أصبحت التوبة بعيدة و المبادئ خلفها أبعد
وقتها قطعتها و رميتها في السلة الصغيرة تحت المكتب ، و استرحت علي المكتب لأكون على لقاء مع أول كوابيسي .
![](https://img.wattpad.com/cover/198823773-288-k509711.jpg)
أنت تقرأ
مخلوقات غريزية
Short Storyالمبادئ لا تتجزأ إذا قررت القراءة عليك التركيز و الإنتباه لكل كلمة و كل حدث قصة غموض و تشويق و جريمة ما يجعلنا آدميين هي تلك الأخلاق و القواعد التي تقيدنا لكننا نملك الإختيارات و غير مقيدين عليك أن تفكر بطريقة واقعية و أيضاً أن توازن الشخصياات كما...