تساءلت كثيراً تلك الليلة عن سبب موت فتحي ، هل كان موتاً طبيعياً بسبب بكتريا الكلب أم أنه كان أمراً مفتعلاً .. هذا المجدي و لبنى .. هل كان وجودهم هذا طبيعياً .. هل كان يمكن اسعافه و إنقاذه أم أنها أدركت أن ما تبقى من حياته ليس في صالحها و ليس في صالح أي أحد ذكر اسمه في الوصية
أم أن هذه مجرد أفكار أحاول بها أن أزيح عني تأنيب الضمير بسبب كوني من دخل بالكلب له .. لماذا سمعت كلامه و أدخلت الكلب ، أعلم أنها لم تكن تلك المرة الأولى لذلك أمنت أنه لن يتأثر بشيء ، هل سأعيش مأنباً نفسي بذلك الذنب
أطعت صديقي في أمر كان سبباً في موته ، لا ليس هذا صحيحاً ، لم تكن تلك المرة الأولى التي أدخل له بالكلب ، فتحي تم قتله ، و سأكتشف الأمر
كنت أتذكر أنني كنت أراقب لبنى ، بالتأكيد هناك سبب وجيه
كان علي في الصباح أن أذهب لقسم الشرطة للإدلاء بأقوالي الكاملة عن لبني و كيف أفسر موتها بشقتي ... و الإدلاء بأقوالي عن حادثة السيارة السوزوكي التي إصطدمت بسيارتي و سببت الحادث
لكنني لاحت في دماغي ذكرى حول شقة المعادي التي امتلكها فتحي ، ذكرى كتلك الإشعارات التي تأتي علي تطبيقات التواصل ، ربما بقية الأحداث التي أفقدها موجودة هناك
لم أنتظر بزوغ الفجر ، خرجت بملابسي و إنطلقت إلي القاهرة
علي طريق القاهرة إسكندرية الصحراويذكرى تطرق أنسجة عقلي
اليوم التالي لموت فتحي ، المعادي .. عنوان تلك الشقة الذي أعطاني إياه جابر الديب
استوقفني البواب بينما أنا أهم بالدخول إلي العمارة و أنا كالتائه أشبه عليها من العنوان المكتوب ، البواب " حضرتك رايح فين كدا "
" دي عمارة سبعة و خمسين "
البواب " أيوة حضرتك جاي لمين "
" شقة دكتور فتحي سليمان ، في الدور الرابع ، دكتور فتحي ، فتحي بيه "
و دخلت العمارة و قفت أمام باب الشقة ، أخرجت تلك الميدالة التي وجدتها في جيب الشنطة ، جربت أحد المفتاحين .. نجح الأمر و فتحت الباب
الأمر الغريب أن الأنوار كانت مضاءة و الدخان كان يملاً الشقة ، إنني أميز رائحة الدخان تلك .. إنه الحشيش ، و في الريسيبشن كان مجدي ذلك الشخص الذي قابلته في عزاء فتحي ، يجلس علي كنبة الريسيبشن و أمامه طب مليئ بالحشيش و أوراق البفرةتعجبت و غضبت " انت جيت هنا إزاي "
مجدي " دا أنا لسة مخلصتش أول سيجارة ، التعميرة ملحقتش تشتغل"
" اطلع بره قبل ما أطلبلك البوليس "
مجدي " مش لما تبقي شقتك الأول يا دكتور "أعاد مجدي " مش لما تبقي شقتك يا دكتور ، اقعد كدا و اسمع مني ، متتجننش في مكان مش مكانك يا دكترة "
ثم أخرج من جيبه مطواه و وضعها علي تلك الطاولة الصغيرة بجانب أوراق البفرة
" انت بتهددني "
أمسك الموبايل و فتح معرض الصور
مجدي " اتفرج ، مش دا فتحي بيه صاحبك ... و صاحبي أنا كمان "أمسكت الهاتف المحمول و شاهدت تلك الصور ، لقد أثار إهتمامي
ثم أخرج من جيبه الآخر علبة سجاره الرخيصة و مدها إلي
نظرت إليه فقال " سجاير مش محشية "
تناولت واحدة من علبته و ولعتها و استكمل هو سيجارته التي كان قد لفها قبل دخولي ، أعاد إشعالها و أكمل
مجدي " إنت فاكر إن فتحي كان معاه مصباح سحري فركه فجابله كل فلوسه اللي كانت معاه ، ركز شوية يا دكتور ، فكر في الموضوع ، إنت في بلاد الرابش ... فتحي أهله كانوا عايشين في أمريكا ... أبوه كان وحيد و ورث أرض كتير ، المهم الأرض نسوها ، جده سفر أبوه يشتغل برا و عاش هناك .. فتحي عاش حياته كلها هناك .. بعد ما أبوه و أمه ماتو هناك رجع ، حب يموت في بلده مش زيهم برا .. عيال عم أبوه كانوا فاكرين إن جماعة أمريكا دول مش هيرجعوا خالص ، وضعوا إديهم علي الأرض و لما رجع عمك فتحي معرفش ياخد منهم حاجة بالذوق ... كان محتاج فلوس عشان مشروعه اللي هما الشركة و المصنع دلوقتي .. بالقانون ، القضايا أيامها سنين
كان محتاج حد بلطجي يعرف يتصرف في الشمال
عرفني صدفه ، ضربتله عقود أراضي في الصحرا أخد عليها قروض و رجعتله الأرض اللي كانت ضايعة منه بالبلطجة "" كل دا كان ببلاش كدا "
مجدي " مفيش حاجة ببلاش يا دكتور .. كان بفلوس وقتها ... بس محسوبك زي ما بيعرف يجيب القرش من الهوا ، كنت بضيعه في الهوا برضو .. كل مرة كنت بجيب بفلوسي حشيش و هروين و أفلس و أرجع علي مجدي آخد منه فلوس تاني ، في يوم عرض عليا إنه يكتبلي جزء من ميراثه ليا في وصيته و إنه هيكون جزء كبير و عرفني كمان كلمة السر .. كتاب مذكراته
كل ده على أساس إني محاولش أروحله في حتة تاني إلا في الضرورة القصوى و أسلّك نفسي بعيد عنه علي قد ما أقدر "
سكت قليلاً ثم ابتسم و نظر إليّ
" قرأت كتاب مذكرات صاحبك .. فيه كل بلاويه السودة و أسماء الناس اللي وقفوا في طريقه و أخدتله حقه منهم ، من أول الإصابات الترهيبية و العاهات المستديمة و أبشع ، الوش التاني لصاحبك .. استنى هجيبهولك "
دخل الغرفة و خرج بذلك الكتاب ، تفقدت الخط و الصفحات ، كانت آخر صفحة كانت رقم 305 و هناك كانت تبدأ ب 307 ، كانت هناك ورقة ناقصة تم ترقيمها بجنب ب 306 و الصفحة الأخرى فارغة
" في ورقة ضايعة "مجدي " هتفرق في إيه يعني ، صفحة ، ورقة كتب في وشها و ساب ضهرها "
" لازم تكون المذكرات كاملة عشان الوصية تتفعل ، دا شرطه عشان نفتح الوصية "
تفقدت تلك الورقة الأخيرة قبل الغلاف ، وجدت مكان قطع و كأن أحدهم قطعها من هنامجدي " هو فتحي بيلاعبنا بس محلولة "
و حملتني إشعارات الذكريات إلي تلك اللحظة في مكتب جابر الديب ، أنا و مجدي و كتاب المذكرات معه و تبرز منه ورقة تبدو أنها مقطوعة .. تسلم جابر الديب الكتابين ، الكتاب الذي أحضرته أنا و الذي كان يسجل فيه فتحي مذكراته وقت المستشفى مني و تسلم من مجدي الكتاب الآخر الذي وجدناه في شقة المعادي الذي كانت تنقصه ورقة .. ولكن مجدي حل الأمر
لقد تحايل علي الموقف ، بحث عن ورقة تشبه أوراق الكتاب ، بل تطابق أوراق الكتاب و أحضر شخصاً تمكن من تقليد خط فتحي .. خط حكمة بسيطة بيد فتحي .. البقاء للأقوى .. تلك هي الحكمة التي كتبهاتفقد جابر الديب المذكرات و مرت عليه الخدعة ، و قام بفتح الوصية و كانت المفاجأة تنتظرنا
قام فتحي بتقسيم التركة علي أربعة ، أنا و مجدي و لبنى و الجزء الرابع يذهب إلي دار أيتام حدد عنوانها في الإسكندرية
في حالة موت أحد الأطراف الحية مثلي أو مجدي أو لبنى يؤول نصيبه إلي ورثته إلا في حالة تنازله عن نصيبه قبل موته في عقد منه بذلكو أعادني للوقت الحالي و قطع عليّ مواصلة التذكر رنين هاتفي
كان صديقاً قديماً أستاذ زين
أنت تقرأ
مخلوقات غريزية
Cerita Pendekالمبادئ لا تتجزأ إذا قررت القراءة عليك التركيز و الإنتباه لكل كلمة و كل حدث قصة غموض و تشويق و جريمة ما يجعلنا آدميين هي تلك الأخلاق و القواعد التي تقيدنا لكننا نملك الإختيارات و غير مقيدين عليك أن تفكر بطريقة واقعية و أيضاً أن توازن الشخصياات كما...