الصفحة السابعة

65 16 6
                                    

ركنت السيارة أمام العمارة .. نزلت و معي ذلك الكيس الصغير الذي أحضره جاسر لي يحمل علبتين من الكبتاجون و علبة سجائري .. لاحظت صيدلية الدكتور جلال و كأنني ممرت من هنا بالأمس القريب و اشتريت شيئاً منه .. أردت أن أدخل و أقوم بقياس الضغط و السكر لأنني كنت بدأت أشعر بالإرهاق و لكنني خشيت أن يلاحظ الكبتاجون في يدي
نزلت ، لم ألاحظ حتى وجود عوض البواب .. دخلت و أكملت إلي الشقة في الدور الثاني .. كانت الفوضى تملاً الشقة من الداخل ، ظللت أمشي مبتعداً عن أية وسائد أو أسرة .. رأيت غرفة المكتب و توجهت إليها .. جلست علي المكتب ، لم تكن مذكراتي عليه .. كنت أضعها هنا
سمعت حركة في الشقة .. لابد أنه كان سبع ، لقد نسيت أمر إطعامه ، وقفت و ذهبت إلي الثلاجة .. كانت بها علب البيڤ التي إعتدت إطعامه إياها ، اتى إلي كالعادة .. كنت مرهق جداً لدرجة أنني فكرت في بلع حبة أخرى ، لكن لم تمضي فترة معقولة علي الحبة الأولى .. كما أنني وضعت الكيس علي المكتب  .. مشيت بالعبة إلي المطبخ ، رغم أنها كانت سهلة الفتح لكنني لم ألاحظ ، فقد كنت أمسكها بالمقلوب و قمت بإحضار السكين و محاولة فتحها ..
ثم لاحظت علبة سم فئران علي رخامة المطبخ ، استدرت و نظرت إلي سبع  ، كان يكشر عن أنيابه ثم هجم عليّ و أسقطني أرضاً ، و فجأة وجدت نفسي محاصر أقاتل بين مئات الكلاب ، كانت الشقة مليئة بالكلاب كالنمل ، الكثير و الكثير من الأسنان الحادة التي غُرِست في جسدي .. كنت أحاول المقاومة لكن بلا فائدة .. كنت مدرك تماماً أن هذا كابوس و أن عقلي يخدعني و أن علي الوصول للمكتب لتناول حبة لأستفيق منه لكنني أيضاً رغم إدراكي هذا كنت أعاني أشد الألم ، خدعني اللاوعي و صدقت ذلك الألم و كأن هذه الكلاب المسعورة كلاب حقيقية ... لو دخل أحد علي الشقة لوجدني طريح الأرض أزحف نحو المكتب و أنا أصرخ و أتألم و أقاتل حيوانات لا يراها أحد غيري .. كنت بين الحلم و اليقظة و هذا أفضل ما في الأمر ، أنه يمكنني أن أصل للدواء و أستيقظ ، لكن إذا كان الأمر حلماٌ خالصاً  كنت سأظل أزحف ولم أكن سأصل حتى يتوقف قلبي من شدة الألم ..
أخيراً وصلت للمكتب و مزقت الكيس بأعجوبة و يدي بين براثن الكلاب و حصلت علي حبة و مضغتها بأسناني ... لم تمضي ثواني حتى بدأت الكلاب تتلاشى و تحررت
كنت أتصبب عرقاً ، جلست علي المكتب و أمسكت بشريط من علبة و أخرجت أربع حبات و بلعتها و لم أبالي بما يمكن أن يحدث لي .. أنا سأموت عاجلاً أم آجلاً لكنني لن أموت اليوم
خلعت عني ثيابي و رميتها و أسندت علي المكتب
بدأت أتذكر الكثير من الأحداث بفل نشاط دماغي الزائد
لقد حلمت بأول كابوس من هذه الكوابيس التي تراودني دائماً هنا .. أول كابوس بدأ هنا
كنت أجلس علي هذا المكتب و قبل أن أنام كنت قد دونت شيئاً مهماً جداً بالنسبة لي في مذكراتي ، تلك الأجندة الزرقاء الصغيرة و التي عنونتها بعنوان 
أخطائي و خطاياي
وقتها نمت بعد أن كتبت ما كتبت و حلمت بذلك الكابوس لأول مرة ، عندما استيقظت من نومتي كنت جالساً علي المكتب ، أيقظني سبع الذي فزعني هو الآخر لأن الكابوس كان مليئاً بالكلاب البوليسية و ليس بسببه فقد كان يحبني
لطالما صدقت أن الحيوانات لا تكره ، إنها تحب ، تخاف ، تدافع عن من تحب ، تهرب من ما يخيفها ، لكنها لا تكره ولا تحقد
لازلت أتذكر الأحداث .. وقتها نظرت إلي هاتفي كان التاريخ صبيحة اليوم الذي مات فيه فتحي ، كانت هناك عشرين مكالمة فائتة من بكر ، اتصلت برقمه لكنه  لا يجيب ، حاولت  مجددا و مجددا حتى رد
بكر " سيف ، في  حد يتصل بحد الساعة ٧ الصبح "
" آسف يا بكر مأخدتش بالي بس لقيتك رنيت عليا كتير فا إتفزعت ، خير "
بكر " جه إخطار من الكلية إمبارح ، إنذار باسم( آدم سليم) علي الشقة عندنا ، و قولناله إن مفيش حد بالاسم ده هنا ، بعدها افتكرت إن اسمك في البطاقة آدم
كدا الإخطار هيتحول علي عنوان والدك علي البلد "

" أنا كنت مسجل عنوان الشقة عنوان أول و عنوان البيت في البلد عنوان تاني ، كدا الإخطار هيروحلهم أكيد "
بكر " أنا اتصلت بيك عشان أعرفك و آسف يا سيف راحة من دماغي حتة آدم دي "
" لا ولا يهمك يا بكر ، أنا كدا كدا هقولهم إني بقالي تلت سنين بأجز من الكلية و مبحضرش و بأجل "

ثم أنهيت الاتصال ، أفزعني سبع مرة أخرى لأنه كان جائعاً ، فسقط مني الهاتف علي المكتب ، لكنه لم يتضرر ، أمسكت الموبايل و الأجندة معاً و وضعتهم في جيب البنطال ، ثم نظرت إلي سبع " حاضر حاضر ، هأكلك "

لم أحاول أن أتابع التذكر ، تحركت نحول الدولاب لأتفقد ثيابي بحثاً عن ذلك البنطال الجباردين الكحلي الذي وضعت فيه الأجندة ، لقد تذكرت ما كنت أرتديه ذلك الوقت ، بعد أن وضعت لسبع الأكل ، اتصلت بجاسر الذي كان وقتها بتابع حالة فتحي و أخبرته بقدومي للمستشفى لاستلام الجثة بعد أن أعلمني بوفاة فتحي و التي لم تكن خبراً صادماً للأسف الأخبار المتوقعة لا تناسبها الصدمات ، يناسبها الحزن العابر
كنت قد نمت وقتها بثياب الخروج ، قمت بتغيير قميصي فقط بتيشيرت خروجي .. غسلت وجهي ثم بللت شعري و قمت بتمشيطه
ثم أخذت مفاتيح السيارة و بطاقتي و جاكيت أسود و وضعت في جيوبه المفاتيح و بطاقتي و خرجت منطلقاً إلي المستشفى

لم أجد الأجندة في البنطال الجباردين الكحلي ، لكنني لم أجد ذلك الجاكيت الأسود مطلقاً

عدت أحاول أن أتذكر تتابع الأحداث ذلك اليوم
عندما انطلقت إلي المستشفى بسيارتي الصوني نيسان .. كان الهاتف يرن ، أخرجته و أخرجت قبله الأجندة الزرقاء و وضعتها في جيب الجاكيت الداخلي ثم تفقدت الموبايل ، كان سالم أمين
مدير مكتبي في الشركة ، كان يعمل مع فتحي في نفس المكان قبل قدومي و لازال مختفظاً به بعد أن أتيت للشركة  ، كان رجلاً في الخمسة و الأربعين من العمر لكنه كان يبدو و كأنه في الستين ، أصلع الرأس ، كثير القلق بشأن أبسط الأمور ، و لطالما تساءلت لماذا وثق فتحي فيّ في إدارة الشركة و لم يوكلها لسالم

مخلوقات غريزيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن