الصفحة الثانية

176 19 10
                                    

أيقظتني جهاز الصدمات الكهربائي defibrillator  و عاد قلبي ينبض من جديد و استفقت من ذلك الموت القصير حولي تجمع من الأطباء و الممرضين .. كنت أرى أختي فيروز و أبي خلف الحائط الزجاجي يتابعون بترقب و دموع أختي تملأ عينيها .. بعد أن استقرت حالتي سمحو لهم بالدخول
كان موتاً قصيراً قد أصابني ، كنت أتعذب في دوامة ذلك الكابوس البغيض .. و تساءلت كيف سيكون الحال إذا لم يوقظني جهاز الصدمات ، هل كنت سأظل في عذابي للأبد .. هل هذا هو العذاب بعد الموت ، لربما ذلك سيكون أقل عذاب ولا يمكنني تحمله

كنت مستيقظاً و هذا أفضل ما في الأمر .. كان هناك ألم شديد في كل جسمي و تلك الخراطيم البلاستيكية تملأني بالسوائل والمحاليل .. كنت أتمتع ببعض القدرة علي إذالة جهاز التنفس

سألت فيروز " ماما عاملة إيه "

فيروز " كويسة يا سيف .."

عندما تنظر لأحد و تخبره أن الشمس إختفت من الوجود في وضح النهار و تنظر في عينيه جيدا و يراك تتكلم بكل ثقة و هو يراك بفعل الضوء المنعكس عليك من الشمس .. ذلك اليقين الذي نبذل جهداً ليبدو حقيقة لا ينجح
فقط عليك أن تنظر جيداً إلي العيون كأنك تنظر داخلها
حاولت دفع يدي في السرير لأجلس لأقترب من فيروز و نظرت في عينيها و أدركت
أدركت أنها تفقد النور .. إتضح أننا لا نرى فقط بنور الشمس فقط ، بل بنور من أمي أيضاً
أخبرتني فيروز أنني قد استفقت بعد غياب ثلاثة أيام عن الوعي .. حادث التصادم كان بالقرب من مدينة كفر الدوار ، تم نقلنا لمستشفي كفر الدوار العام و بعد أن تم التعرف علي من خلال بطاقتي و بياناتي و هاتفي اتصلوا بأهلي .. تم نقلي بعدها إلي مستشفي رأس التين العسكري تبعاً لتأمين أختي التي تعمل هناك ..
كانت أختي تجلس بجانبي ، بينما غادر أبي بعد أن إطمأن علي حالتي ،  لم يمر حتى الآن سوى أقل من يوم مستيقظاً
طرق الباب و دخل أحد الأطباء ، تذكرته هو كان من بين هؤلاء الذين قامو باسعافي
" سلام عليكم .. أخبارك إيه يا دكتور سيف ، يارب تكون أفضل دلوقتي .. أعرفك بنفسي . أنا دكتور يحي ، أنا متابع حالتك .. حالتك الحمد لله مستقرة ، إنت بسبب الحادثة .. كان عندك كسر في تلت ضلوع و نزيف من الطحال ، و إرتجاج في المخ ، كان في إشتباه بنزيف في المخ  لكن الحمد لله تمام "

" دكتور يحي ، أنا مش عايز أنام تاني .. لو نمت تاني قلبي هيقف و هموت "

" مينفعش لازم هتاخد راحة ، غير كدا أصلاً  إنت واخد كمية مورفين كبيرة "

خلعت تلك الخراطيم من جسدي المرتبطة بالمحلول و صحت " أنا مش عايز أنام هموت لو نمت إنت فاهمني "

جزعت فيروز و الدكتور يحي .. " اهدى يا سيف .. إهدى "
يحي " اهدى يا دكتور سيف ، مش هنديك مورفين و هكتبلك علي منبهات "

" أنا في واحد صديقي اسمه جاسر ، دكتور في مستشفى معهد الأمل 300 عايز أكلمه " ثم أدركت أنني أفقد هاتفي " فين موبايلي صحيح ، عايز موبايلي "

يحي " حاجتك كلها موجودة في الأمانات يا دكتور سيف متقلقكش أكيد أهلك استلموها "
فيروز " أيوة يا سيف معانا حاجتك كلها ، موبايلك معايا " ثم قامت و أحضرته من أحد الأدراج من ذلك الدولاب الصغير بجانب السرير .. أمسكت الموبايل ، بشاشة تكاد تكون مكسورة ، لكنها تعمل
تكلم د.يحي بينما أنا أتفقد الهاتف
" دكتور سيف ، في إحتمال إنك تعاني من فقدان بسيط في الذاكرة و صداع و شعور بغم النفس و آلام في البطن .. دي بعض الأعراض الناتجة عن إصابة دماغك   و إصابة طحالك اللي تسببت في نزيف داخلي "

استمعت لكلماته و تبنبهت لنفسي قليلاً .. فأكمل " فاكر إنت كنت طالع من البيت ولا من الشركة قبل الحادثة .."

حاولت أن أتذكر .. الشركة ... كنت قد تحركت بسيارتي .. كنت أراقب شخص ما .. كنت أقف تحت منزله أنتظر نزوله لكنه لم ينزل ، ثم انطلقت بسيارتي إلي مقر الشركة .. كان الوقت متأخراً ، لم يكن هناك سوى الأمن .. أتذكر دخولي المكتب و فتح الخزنة و إحضار مسدس ..
هل كان معي مسدساً ، هل قتلت أحداً ، بالتأكيد لا ، لايمكن للمرء نسيان أنه قتل شخصاً بعبثية هكذا
" تقريباً كنت راجع من الشركة .."

يحي " إنت مدير الشركة ؟ " لكنه كما لم يكن يسأل أما أنا فأجبت
" أنا بديرها لحد ما فتحي يطلع من المستشفى "
و بعد أن إرتاح د.يحي إرتسمت علي وجهه علامات التعجب هو و فيروز التي كانت تستمع للحوار ..

فيروز " انت مش فاكر إن دكتور فتحي مات "

دكتور فتحي سليمان صديق عمري مات ، لقد كانت الصدمة الثانية ليا في نفس اليوم ، صديقي المقرب و أمي .. إنهما صدمتان ثقيلتان علي دماغي

د.يحي " الموضوع صعب شوية كدا ، إنت نسيت حاجة بقالها أكتر من شهر و في نفس الوقت افتكرت حاجة قريبة ، لكن متقلقكش .. هتفتكر  كل حاجة ، بس لو محصلش تحسن هنتجه للفحوصات و العلاجات و إن شاء الله مش هنلجأ لحاجة زي دي "
و استأذن و غادر
بينما وجدت رقم جاسر ..
فيروز " مفيش حاجة ضاعت من العربية ، حتى الورق اللي كان في الطابلو ، الناس لما شافت المسدس في الطابلو إفتكروا العربية عربية ظابط و حافظوا علي كل حاجة .."
" المسدس كان بيعمل إيه معاك يا سيف "
"مش فاكر يا فيروز والله .. بس دا مسدس فتحي ، و معملتش بيه حاجة والله "
جاء اتصال إلي فيروز .. و تغير وجهها ثم نظرت إلي " في إتنين من الشرطة بيسألو عليك "
فجأة طرق الباب و دخل الرجلان

مخلوقات غريزيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن