كان سبع قد أصبح كتلة ساكنة من لحم الكلاب ، ذهبت إلي المطبخ بحثاً عن أكياس و أحضرت أحد أكياس الزبالة السوداء و وضعته به لكنه كان كبيراً علي الكيس فذهبت إلي غرفة النوم فتحت الدولاب بحثاً عن شنطة وجدت واحدة كبيرة تكفي لسبع .. بحثت في جيوبها فوجدت ماديليا بها مفتاحين موجودة في أحد جيوب الشنطة الأمامية .. احتفظت بالمفاتيح و وضعت سبع في الشنطة ثم خرجت به .. وضعته في شنطة السيارة و انطلقت به إلي ذلك المكان الذي ينشط نفسه في ذاكرتي دائماً ، إنه حيث كنا نصطاد كثيراً .. كان هذا مكاننا المفضل رغم أننا لم نخرج منه الكثير من الأسماك .. لكنه حيث أخرجنا الكثير من الأسرار .. هناك علي هذا الشط الذي تحدثنا عليه عن حيواتنا أكثر مما تكلمنا في غيره
أوقفت السيارة عند ذلك الشط ، ثم نزلت و أخرجت الشنطة التي تحمل سبع من شنطة السيارة و مشيت بها حتي رميتها في البحر .. أخرجت سجائري و أشعلت واحدة و عيني تحمل معها دموع الخذلان ، لقد خذلتك يا صديقي
لم استطع أن أصون كلبك الأليف .. كان يفقدني صوابي لكن العذر أقبح من الذنب
تحركت بالسيارة إلي مكتب جابر الديب المحامي الذي كان يتعامل معه فتحي و الذي ترك وصيته بين يديه
جابر " أنا عرفت الخبر من سالم النهاردة الصبح ، الله يرحمه فتحي و البقاء لله يا دكتور سيف "
" البقاء لله و الدوام .. سالم اتصل بيك ؟! "جابر" كان بيسأل علي إيه اللي هيحصل في الشركة و المصنع بعد كدا "
" و قولتله إيه "
جابر " قولتله معرفش لأني معرفش فعلاً الوصية لحد دلوقتي "
كنت في حالة من التعجب ، بينما جابر الديب ذلك الرجل العجوز محني الظهر و الذي يرتدي بدلة رمادية اللون .. قام و أخرج مفتاح من جيبه و تحرك ببطئ نحو خزنته ففتحها و أخرج ملفاً منها
و عاد إلي مكتبه
يكاد يكون هذا الرجل في التسعين من العمر وجه تملأه التجاعيد ورأس خالي من الشعر منذ عقود
جابر الديب " المرحوم كاتب إن وصيته لا تفتح و غير عاملة إلا في حالة وجود كتاب مذكراته الكامل و في حالة ضياعه أو ضياع جزء منه لا تفتح الوصية و تعتبر لاغية .. و في حالة إلغاء الوصية يتم تصريف التركة قانونياً بشرط احتفاظ موظفو الشركة في بأماكنهم لمدة لا تقل عن ثلاثة أعوام "" يعني إيه ، مش فاهم برضو "
جابر الديب " الكلام واضح ، شرط تحقيق الوصية وجود كتاب المذكرات الكامل بتاعه ، أستلمه منك لأنك الموكل بإدارة أملاكه ، لو مسلمتنيش الكتاب أو مكنش كامل ، تتلغي الوصية ، و تتوزع التركة قانونياً و في حالة عدم وجود ورثة زي كدا ، الحكومة بتتحفظ علي الأملاك و بيتعمل مزاد بالحاجة أو بتنضم للمال العام "
سألته علي تركة فتحي و أخبرني أنه لديه رصيد في البنك يقدر ب عشرين مليون و المصنع و شركة المبيدات و هما يقدران ب عشرين مليون آخرين حاليا بسبب ضعف قيمتها الإقتصادية حاليا و شقتين واحدة بالأنفوشي و هي تلك التي كنت أعرفها و أقيم بها .. و أخرى في المعادي و هي لم أسمع بها من قبللم أستطع فهم ما فعله فتحي ، لماذا جعل الأمور معقدة هكذا بموته ، كل ما عمل لأجله طيلة حياته و ثلاثة سنوات من العمل معه و إدارة الشركة و تأجيل دراستي جانباً كل هذا قد تأخذه الرياح
كنت قد استلمت متلقات فتحي الشخصية من المستشفى و من ضمنها كتاب مذكراته ، كنت أحتفظ به في السيارة ..
لكن فتحي كان دقيق جداً رغم كونه ذلك الشخص المرح الذي يلقي خلفه كل مشكلاته ، كان شخصاً متهورا يحب المجازفات ولا يفكر في عواقبها
وكان أيضاً شخصاً بالغ الدقة
كان يقوم بترقيم الصفحات في كتاب مذكراته و تحديد التاريخ و الوقت الدقيقين كل مرة يكتب فيها
و كانت المعضلة أن الأجندة الكبيرة التي معي و التي سجل فيها فتحي مذكراته كانت تبدأ من الصفحة ال 307 ، و هذا يعني أن هناك أجندة أخرى قد كتبها و كان عليّ إيجادهاو في جنازة خالي ليلاً ، تفاجأ أبي بقدومي فجأة إلي العزاء
أبي " جاي قبل ما يلموا الفراشة .. كنت خليتك مكانك أحسن "
" غصب عني يا أبويا .. كان معايا حالة وفاة ، صديق عمري و ..."
قاطعني أبي قبل أن أكمل " عدي علي أمك "
لم ينتظرني أن أكمل كلامي ، لم يقدر موقفي .. دائماً أنا سيئ في نظرهم
خرجت من الشادر ، ذهبت إلي سيارتي ، لم تعمل ، لاحظت أن مؤشر البنزين يخبرني بعدم وجود ما يكفي للمغادرة ..
كانت فيروز تقف علي نافذة باب السيارة و أنا لا أنتبه لها
فيروز " كنت عارفة إنك جبان و هتهرب "" فيروز .. كان عندي إحساس إنك هتظهري فجأة .."
فيروز " روح شوف أمك و عزيها .. "
" مش هقدر دلوقتي .. أول ما بتبص في عنيا بتعرف كل مشاكلي و أسراري اللي مخبيها عليها .. أنا دلوقتي في أصعب أوقات حياتي "
شعرت بالحر و القلق فخلعت الجاكيت و وضعته في سيارة فيروز
ثم سكت قليلاً و تأكدت من أني أحمل هاتفي و ذهبت إليهابمجرد أن رأيتها تسارعت دموعي ، أقبلت عليها و قبلت رأسها و بكيت علي صدرها كأنني عدت صغيراً .. علمت أنني لدي دلو مليء بالمشاكل و الهموم .. أخذتني و خرجنا خلف المنزل
أمي " مالك يا سيف " فأجبتها " شوية مشاكل صعبة كدا "
أمي " خلاص كبرت مش هتحكي لأمك "
" الحكايات مبتحلش المشاكل يا أمي "نظرت أمي إليّ ثم ابتسمت " عارف يا سيف أول ما اتولدت .. كان ليك أخ توأم هو اتولد عادي و انت اتحجزت في الحضانة ، سميناك سليم و هو آدم ، عملنا شهادة ميلاد واحدة لأن أبوك تصور أنك هتموت .. حصل العكس أخوك التوأم هو اللي مات و إنت عيشت و تبِّت في الدنيا .. مش هتقف قدامك مشاكل لإن إن عندك غريزة بقاء فريدة "
و عندما خرجت كانت فيروز في إنتظاري لتستمع مني
فيروز " قولتلها أي حاجة ، قولتلها إنك مأجل دراستك و إنك مش هتتخرج السنادي و لسة في تانية "
" لأ ، أنا خايف كمان يا فيروز إن الحاجة اللي تعبت كل ده عليها تروح ببلاش ، فتحي وصيته ممكن تضيع تعبي و تعبه "
فيروز " متقلقش يا سيف ، صاحبك أكيد حفظلك تعبك "
" فيروز عايزك تعرفيهم موضوع الكلية ده "
فيروز " أنا هرجع اسكندرية بعد بكرة ، هفضل مع أمك ، هعرفها كدا علي هدوء .. روح بالعربية بتاعتي "
" متقلقيش عليّ يا فيروز ، خلي عربيتك معاكي ، أنا هتصرف "كل تلك الذكريات كانت تدور و تدور في دماغي .. كنت أبحث داخل عقلي عن تلك اللحظة التي فقدت فيها أجندة مذكراتي .. لقد تركتها في سيارة فيروز ذلك اليوم .. كان الوقت متأخر جداً كانت الساعة الثالثة فجراً لكنني كنت مشوش التركيز ، امسكت هاتفي و بدأت أتصل بها .. كنت أدرك أنها لديها نبطشيات ٢٤ ساعة و أنها ستكون مستيقظة في ذلك الوقت
![](https://img.wattpad.com/cover/198823773-288-k509711.jpg)
أنت تقرأ
مخلوقات غريزية
Short Storyالمبادئ لا تتجزأ إذا قررت القراءة عليك التركيز و الإنتباه لكل كلمة و كل حدث قصة غموض و تشويق و جريمة ما يجعلنا آدميين هي تلك الأخلاق و القواعد التي تقيدنا لكننا نملك الإختيارات و غير مقيدين عليك أن تفكر بطريقة واقعية و أيضاً أن توازن الشخصياات كما...