Chapter 1

2.5K 119 72
                                    

"ناركس، لماذا لم تأتي قطع الغيار لمكتبي حتى الآن؟" صاحت أوار على ناركس فور اقتحامها مكتبه ذو الأساس الحديث، فهو يحب دائمًا مواكبة الموضة التي لا تنفك وتتغير بين لحظه وأخرى.

"اللعنة اوار! لقد أفزعتني، أقسم أنني سأغير قارئ الشفرات المعطوب هذا؛ لأمنعك من اقتحام مكتبي." تذمر ناركس بنفاذ صبر، فهي دائمًا ما تهب كالعاصفة عندما يزعجها شيئًا ما بالعمل.

ناركس صديق أوار كان شابًا ذو أصول آسيوية، يمتلك شعر أسود حالك كسواد الليل، ولكن كونه محب للتغيير جعله يصبغه بالأزرق، وقد كان يناسبه بطريقة ما، أيضًا طول قامته، وبنيته العضلية المميزة أضفوا عليه رونقًا جذابًا.

كان يرتدي بذلة العمل التي لا تخلو من التمزيق، فقد أصبح التمزيق موضة جنونية منتشرة في كل أنواع الملابس، حتى الرسمية منها، وأخيرًا لمساته المفضلة، الكحل الأسود ليعطيه مظهرًا حادًا، وطلاء الأظافر باللون الأزرق القاتم.

"لم أقصد إفزاعك، ولكن أقسم تلك القطع إن لم تكن على مكتبي خلال ساعتان من الآن، لن يحدث لكلينا خير!" تحدثت بعصبية وهي تضغط على أصابعها بتوتر حتى كادت تسحقهم.

بعدما حاول ناركس أن يهدأ من روعها، هدأت أخيرًا لتجلس على الأريكة التي تشبه حرف الW المغلق من الأعلى، ذات لون أسود مخملي.

كان ناركس يمتلك ذوق رفيع في اختيار أثاث مكتبه، حيث تكون من عناصر بسيطة، ولكن بذات الوقت يمكن اعتبار كل منها كقطعة فنية منفصلة، كمكتبه الزجاجي الشفاف، والأريكة التي يمكن تقليصها لحجم كرسي، وبضغطة واحدة تعود لحجمها الطبيعي، وأيضًا خزانة سوداء بداخل الحائط، ولكنها تبرز قليلًا عندما يفتحها.

بدأت أوار تشرح له أنها تحتاج تلك القطع؛ لإنهاء النموذج الملموس من أجدد اختراعاتها؛ وهو جيل جديد من الروبوتات صغيرة الحجم، والذي سيأتي مدير الشركة ليتفقد التقدم الذي أحرزته.

اوار قد عملت بجد لتصل لمنصبها الحالي، وتتوق شوقًا لتحصل على ترقيتها القادمة لتصبح نائبة المدير.

حاول ناركس أن يخفض من توترها البادئ عليها، وأخبارها بأن كل شيء سيكون بخير، وبأن تلك القطع ستكون على مكتبها في غضون خمسة عشر دقيقة.

انتهى بها الأمر لمعانقته، والاعتذار عن سلوكها، وشكره على تحمل نوبات غضبها التي تنتج عن قلقها المفرط معظم الوقت.

دخلت مكتبها تحاول دفع كل تلك الأفكار السلبية عن عقلها.
مكتبها كان أكثر اتساعٍ من خاصة ناركس، فقد احتوى على العديد من قطع الأثاث المميزة، كما أن أكثر شيء مميزًا به هو ذلك المعمل الصغير، الذي يقبع في الركن الأيمن من الغرفة؛ لتتمكن من متابعة عملها بطريقة متواصلة.

"ضع بعض الموسيقى الهادئة، نات." قالت مخاطبة حاسوبها؛ ليقوم بتخييرها بين عدة قوائم؛ لتختار قائمتها المفضلة من الأغاني الكلاسيكية.

ثم اتجهت للركن الأيمن؛ لتبدأ بالعمل على الروبوت الغير مكتمل، حتى تأتيها باقي القطع، وشرعت في تفكيك بعضها، وتعديل أماكنها وأشكالها، وتحاول التركيز بأقصى ما يمكن، فهي لا تضع أمام أعينها سوى الترقية.

"سيد ناركس يطلب الدخول." بصوت إلكتروني ثقيل اللكنة تحدث الحاسوب ذو الذكاء الاصطناعي.

"دعه يدخل." تحدثت، ولم ترفع عينيها عن الطاولة أمامها.

فُتح الباب ليدخل ناركس يحمل صندوق صغير من الزجاج يحتوي على ما تريده.

"لقد أحضرت لكي القطع التي تحتاجينها بنفسي، ولكن كيف حدثتي تقنية التعرف على الأشخاص؟ أنتِ الوحيدة هنا التي يطلب بابها بصمة العين للتعرف علينا! جميع الأبواب الأخرى تفتح لأي شخص ماعدا إن اغلقها صاحب المكتب." تعجب ناركس من قدرتها على تطوير الأشياء بسهولة، وإبداع، فهي تمتلك عبقرية فذة في مجالها.

"لا شيء يذكر! غيرت فقط بعض الدوائر الكهرومغناطيسية، وأدخلت بيانات جميع من بالشركة تقريبًا، ولكنه لا يسمح لأحد بالدخول، إلا إذا أذنت أنا بذلك بكل بساطة." قالت ورفعت كتفيها، وكأنها تخبره طريقة صنع شطيرة للفطور.

"والآن أعطني ذلك الصندوق." تحدثت مجددًا، وهي تدفع له مجسم الروبوت الذي صنعته ليطفو في الهواء أمام نظره، ويتحقق من تطابق قطع الغيار التي أحضرها مع تلك التي تنقصها، ثم يعطيها الصندوق.

ظل معها لمدة ساعتان، يساعدها حتى أتى المدير ليتحقق مما أحرزته، وقد أعجبه كثيرًا لتنسب هي بعض الفضل لناركس، حيث أنه ساعدها بالأمر.

"لم يكن عليك فعل ذلك." قال ناركس معاتبًا بعد أن خرج المدير.

"أصمت ناركس لقد ساعدتني حقًا، والآن يجب علي تركك، حتى لا أتأخر على ايرا." قالت وقد حملت حقيبتها مسبقًا، وحاسوبها لتطويه وتقود ناركس للخارج وخرجت معه من المكتب، ثم الشركة بأكملها.

سارت اوار في الشوارع المزدحمة بالبشر وروبوتاتهم؛ فقد أصبحت الروبوتات شيء أساسي في هذا الزمان، تراهم في كل بيت وفي كل مكان، لم يعُد من الممكن الاستغناء عنهم من قِبل البشر، فقد تم تطوير العديد من الأجيال منهم، حتى أصبحت الروبوتات قادرة على فعل تسعون بالمئة من وظائف البشر.

كانت الشركات كناطحات السحاب في علوها، وتتغير كل شركة عن الأخرى بتصميمها المختلف من الخارج والداخل أيضًا، أما عن البيوت فهي تنوعت من المباني السكنية العصرية، والبيوت الكبيرة.

حين تلتف لجوانب الطريق، لا ترى الأشجار بخضرتها الخلابة تصطف كما في السابق، بل ترى مجسمات الإعلانات تملأ الشوارع، ويمكن للمرء أن يمر من خلالها، وأيضًا مجسمات لسياسيين يلقون خطاباتهم، وتحذيرات أخرى حول الكوكب، وتدهور حالته، ولكن لا أحد يلقي بالًا لتلك الخطابات أو التحذيرات، فقط البشر وعادتهم المعروفة بمطاردة الزمن.

لقد اختفت تقريبًا جميع الأشجار والنباتات من على وجه الأرض، كما الحال مع معظم الحيوانات، وكمحاولة لإنقاذها بدأ البشر في صنع محميات طبيعية للنباتات والحيوانات، بعيدًا كل البعد عن أيادي وأنظار المؤذيين.

ذلك هو المستقبل الذي لطالما حاولوا تجسيده بالأفلام والروايات، الذي لطالما حاول البشر تخيله على مر القرون، بل أفضل بكثير، وتفوق على جميع التصورات.

هنا حيث كل شيء يعمل بالتكنولوجيا الحديثة، حيث أصبحت الهواتف والحواسيب موضة قديمة؛ ليحل محلها أساور يرتديها الأشخاص عند بلوغهم العشر أعوام، وكلما يكبرون عامًا يتم تحديثها لتشمل إمكانيات أخرى، وتم استبدال السيارات بخاصية النقل الآني التي تضاف لسوار الشخص عند بلوغه الثامنة عشر؛ لأنه في ذلك السن يصبح أنضج ومرن مِمَن هم أصغر منه، مما يمكنه من استخدامها بحذر، وتمكنه من التنقل من مكان لأخر دون سيارة، عبر البعد الزمكاني.

لكن كما توجد جميع تلك المميزات، يوجد أيضًا عيوب كثيرة وخطيرة لتلك التكنولوجيا، يحاولون إصلاحها بشتى الطرق، ولكنها لن تمر مرور الكرام، فلا يجوز إخماد النيران دون استنشاق دخانها.

وصلت أوار لأقرب نقطة تنقل، فالمدينة يوجد بها نقاط معينة يجب على الأفراد التواجد بها لتفعيل خاصية النقل الآني.

وقفت فوق المكان المحدد، وحركت يدها اليمنى فوق معصمها الأيسر، واختارت موقع النقطة الأقرب لبيتها لتصل لوجهتها في ثوانٍ معدودة.

وقفت أمام باب منزلها حتى أكتمل مسح عينيها؛ ليُفتح الباب وتدلف للداخل لتجد ايراكس يجلس أمام التلفاز، على وجهه إمارات الغضب والاستياء، رافعًا شعره الأشقر إلى أعلى لكي تظهر ملامح وجهه البريئة.

ووجهه يبدو محمرًا، فهو يمتلك بشره شديده البياض كالثلج، الذي بالمناسبة توقف عن الهطول تمامًا لما يقارب الخمس وعشرون عامًا.

"مرحبًا. أين أمي؟" سألته عندما لم تجد والدتهما، وبينما هو ما زال يحتفظ بذلك العبوس على وجهه.

"خرجت لتحضر بعض الأشياء التافهة، تظن إننا سنقيم بيات شتوي هنا، بسبب بعض الكلام الغبي الذي تتفوه به نشرات الأخبار، والنشرات الجوية الحمقاء، فليذهبوا للجحيم." تحدث ايراكس بغضب وهو يحرك يديه يسارًا، ويعاود الكرة لتتغير مع حركة يده القناة التي يشاهدها، ولا يزال العبوس على وجهه، وكأنه ملتصق به.

"ايرا أحفظ ألفاظك، ثم لمَ أنت غاضب هكذا؟!" سألته مجددًا واضعة يديها على جنبيها لينظر لها باستنكار.

"حقًا!! انسيتي أننا اتفقنا على الخروج غدًا؛ لتجربة المطعم الجديد! لأنني جديًا مللت الجلوس هنا، أشعر وكأنني كالكوالا." تحدث بنبرة صوت عالية ويبدو أنه غاضب منها كثيرا رغم أنه لم يتعد السادسة عشرة عامًا، إلا أنه يمتلك صوت صاخب دائمًا، ويفقد أعصابه بسهولة على أقل شيء.

"أهذا ما يغضبك؟" سألته أوار وهي تجلس بجانبه، ولكنه لم يجب عليها.

لتتحدث مجددًا: "حسنًا، سنخرج غدًا وإن تطلب هذا أن نهرب من أمي، رغم أنها ستغضب علي لهذا، ثم إن العلماء سينبهرون عندما يجدون كوالا مجددًا بعد أن انقرضت منذ أربعة قرون." سخرت منه في نهاية جملتها ليبتسم ابتسامه جانبية.

"لا تعطيني تلك الابتسامة المتكلفة، أريد أن أرى أسنانك هيا." قالت وقامت بمد يدها لتدغدغه ليقهقه قليلًا ويُبعدها عنه متمتمًا ب 'حسنًا.'

"تحرك هيا." قالت وهي تدفعه للجانب الأخر من الأريكة، لتستلقي بجانبه ويقوم هو بوضع ساقيه فوقها لتقهقه على طفولته.

جلسا يشاهدان فيلمًا ما، من اختيار ايراكس حتى غفيا على الاريكة.

وعندما أتت والدتهما من الخارج وضعت المشتريات بمكانها، وأرسلت كُلًا منهما لغرفته ليكمل نومه.

أغلقت بعدها التلفاز وتصفق بيدها مرتين ليرتفع لأعلى، وبعد ذلك يدخل إلى الفتحة المخصصة له في السقف، وتصفق بيدها مرة واحدة لينغلق النور، وتصعد هي الأخرى لغرفتها لتنام، ولم تعلم ما يخطط له أبنائها.

أشرقت شمس صباح اليوم التالي، ولكنها كانت حارقة أكثر من عادتها.
فالشمس على مر السنوات تشتد حرارتها أكثر فأكثر، وعلى مر التاريخ لم يعطي لها الناس بالًا.

"استيقظي اوار، هيا اوار، تبًا لكي! هيا استيقظي." كان ايراكس يهمس، وهو يهزها لتقوم بفرك عينيها بلطف، وتطالعه بملامح مشوشة.
"حسنًا، حسنًا، استيقظت." تذمرت وأبعدته عنها لتتجه للحمام.

خرجت بعد مده وجيزة لترتدي ملابسها، وقد كانت عبارة عن بنطال لا يخلو سنتيمترًا منه عن قطع، وقميص مصنوع من خامة غريبة تجعل ملمسه كحبات الرمل، ويحتوي على دوائر مصنوعة من الزجاج الشفاف منسجمة مع النسيج بحذر، حتى لا تجرح من يرتديها.

شعرها كان قصيرًا فلم تضطر لتمشيطه، واكتفت بتمرير يدها من خلاله، ثم نزلت إلى الطابق السفلى لتأخذ ايراكس للخارج.

بعد عدة دقائق كانوا خارج المنزل؛ لتقوم اوار بتحريك يدها اليمنى فوق معصمها الأيسر بحركات معينة؛ لتظهر تلك الشاشة المجسمة على كف يدها، وتحدد أوار موقع المطعم وتمسك بيد ايراكس لينتقلوا سويًا، فهو لم يتم الثامنة عشر بعد لذلك تنقله معها.

"لقد وصلت لوجهتك." كتبت الجملة على اللوحة المجسمة على كفها؛ لتقوم اوار بتحريك يدها فوقها مرة أخرى، فتختفي داخل السوار مجددًا.
اتجهت هي وأخيها إلى المطعم، وجلسوا على طاولة قريبة من النافذة، ومن حسن حظهم كان المطعم ليس به الكثير من الزبائن.

ظهر لهم مجسم قائمة الطعام من منتصف الطاولة ليختار كلًا منهم وجبته، وتمر عدة دقائق ليحضرها لهم روبوت آلي.

"أليس هذا روبوت من الجيل الثالث؟" سألها مستغربًا لرؤيته روبوت متطور هو ما يقدم الطعام.

"أجل ايرا، ولكنه بعد إنتاج روبوتات الجيل الرابع والخامس، وجد الناس أن تقنياتهم أعلى، فانحدرت وظائف ذلك الجيل." شرحت له وهو ينصت لها باهتمام؛ لأنه يهوى هذا المجال، ويريد أن يعمل به مثلها تمامًا، فهو يتخذها كمثال يحتذى به بعد أن مات والده وهم صغار، والتهت والدتهم بما حدث، كانت اوار منذ لحظتها تمثل له كل شيء فأرتبط بها كثيرًا.

"ايرا، أيمكنك إحضار كأس أخر من الصودا من فضلك؟" سألته بلطف ليومئ لها ويذهب لإحضاره.

"تفضلي." قال وهو يناوله لها، ولكنه تعثر ليختل توازنه مما تسبب بسكب بعض الصودا علي ملابس أخته، ولكنها انزلقت بانسيابية فملابسهم لا تتأثر بالأتربة أو الماء، لقد طوروا الأنسجة بطريقة جعلتها منيعة ضد البقع من أي نوع، ولا تحتاج حتى لغسلها.

"لولا أن الملابس لا تتأثر لكنت ميت ايرا." داعبته وهي تهز أصبع سبابتها أمامه ليضحكا سويًا.

أخذا يتبادلان الحديث حتى أنهيا الطعام وقامت اوار بدفع الحساب.

"على كل المواطنين التوجه لمنازلهم حالًا، بلغنا أن حالة الغلاف الجوي تدهور، وأن التواجد خارجًا سيشكل خطرًا على حيواتكم." دوت صافرات الإنذار في المدينة، وتلك الجملة التحذيرية تتكرر، ولا تتوقف وكأن هناك كارثة حلت عليهم.

"هيا ايراكس يجب علينا الذهاب." قالت اوار وبدأت في سحبه بسرعة خارج المطعم لكي يذهبوا إلى المنزل.

لكن فجأة سمعت صوت يشبه الانفجار، والأشخاص من حولها يسقطون على الأرض تباعًا محترقين، بعضهم يصرخ والبعض مصدوم تمامًا، والبعض الآخر على حافة الموت.

في لحظتها شعرت بألم رهيب يحتاج جسدها فجأة لتجثو على ركبتيها وتصرخ، ثم تنتبه لأيراكس الذي سقط بجانبها ممسكًا برأسه ويصرخ بلا توقف من شدة الألم الذي حل به كالصاعقة، وبدأ جلده في الاحتراق من تلقاء نفسه، وكأن هناك نيران خفية لا يمكن لأوار رؤيتها.

كل هذا حدث خلال ثوانٍ، ليفقد ايراكس الوعي في أقل من دقيقة بينما اوار تحاول أن توقظه، ولكنها لم تعد تستطيع أن تقاوم ذلك الألم المريع لتسقط مغشيًا عليها بجانبه.

.....................................................

اهلا احنا مش عارفين نقول ايه بس دي اول روايه لينا او بالنسبه ليا يعني بس نتمني ان الروايه تعجبكم ☺️
اول حاجه البارتات مش هتعدي ال2000 كلمه الصراحه😂
تاني حاجه أنشأ الله كل يوم اتنين وخميس
هينزل بارت بإستثناء الاسبوع ده هنزل تلاته

تالت حاجه متخفوش احنا كاتبين نص الروايه والروايه مش طويله  فلا تقلقوا 😊

متنسوش بقي الكومنت وحياه عيالكم بقى ولو فيه نقد يااااه يبقي كتر خيركم فعلا 😂😂
اوياسمي بقى🥺

Collapsing | انهيار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن