(بمكتب كارما)
جلست على مقعدها وهى تتمتم غاضبة فعقلها يكاد ان ينفجر فهى لم يصور لها ان تصل قسوته الى ذلك الحد
أسندت وجنتيها على قبضتيها لتخرج تنهيدة حارة وهى تحرك راسها بيأس قائلة: دى الحيوانات اتظلمت لما شبهتك بيهم ياجدع دانا شكلى حشوف معاك العجب
لترتسم الحيرة على ملامحها فهى لا تستطيع ان تنفض ذلك السؤال الذى يدور بعقلها: بس حموت واعرف ايه حكاية الراجل اللى اسمه يوسف ده ومين فيروز دى كمان وانا ححير نفسى ليه وانا مالى
انتى ياانسة انتى
اجفلها من شرودها على ذلك الصوت الطفولى لتتسع حدقتيها بدهشة تتفحص ذلك القابع امامها بزهول وصدمة بالغة لتتمتم دون صوت وهى تحك راسها: ده بجد
فذلك الصغير ما هو سوى نسخة مصغرة من ذلك الداغر فهو يتسم بنفس هيئته يناظرها بتلك النظرة الغامضة اخذت تحرك راسها دون استيعاب قائلة: انت ابن مين ياحبيبى
تميم بصرامة لا تليق به: وانتى مالك انتى حتعمليلى بطاقة وبعدين شايفانى عيل ايه حبيبى دى
عقدت مابين حاجبيها بزهول لتردف بصوت ساخر:هو انا وقعت في فيلم كارتون ولا ايه انت تايه يابنى
توسعت عيناها بدهشة وهى تراه يضع يده في جيوبة ليهتف بحدة: انتى لمضة كدة ليه بلغى داغر انى عايزه ضرورى اتفضلى
عضت على شفتيها بغضب لتردف بصوت ساخر: لا ماشاء الله شوف مين اللى بيتكلم على اللماضة وبعدين انت عايزنى ادخل لمستر داغر ابلغه ايه مستر سنفور مستنيك برة
أشار لها باصبعه كى تصمت وتقف قبالته لتسير نحوه على مضض لتحملق به بنظرات غاضبة دون رد لتجده يشير لها ان تنخفض لمستواه لتنفذه على مضض قائلة : افندم عايز ايه يالمض
عقد ذراعيه يحدجها بحدة قائلا : هو انتى بقا سكرتيرة داغر الجديدة
اجابته بتهكم: اه انا السكرتيرة الجديدة ايه منفعش ولا شكلى فيه حاجة غلط
ضيق مابين عيناه ليتمعن بهيئتها قائلا بضيق: ليه حق على فكرة داغر يتخنق منك انتى خنيقة اوى
عضت على شفتيها بغضب لتضيق عيناها تتوعده بداخلها لتجذبه من تلاتيب حلته الحالكة التي تشبه حلة ذلك الداغر ترفعه من على سطح الأرض لتصيح به بحده: اه انا عرفت القطعية دى انتم شكلكم كدة كلكم عيلة لسانها محتاج قصه متتلم يلا في ايه طايح كدة ومش عامل حساب لحد انت مش شايف يا استاذ نملة انت فرق الحجم اللى بينى وبينك
اخذ يتلوى ويركل بساقيه يحاول جاهدا التخلص من قبضتها ليصك على اسنانه بغضب وهو يتوعدها بضيق: نزلينى يارخمة بقولك نزلينى
زفرت بملل وكانها لا تستمع اليه لتردف ببرود: عايزاك بقا تورينى دلوقتى مين حيجى يخلصك من تحت ايدى عشان تحرم تتلامض يا مستر سنفور
اخذ ينفخ بضيق شديد ليردف بضيق جلى: خلاص انا اسف ممكن تنزلينى بقا
ناظرته بشماته لتردف بتهكم: بقيت مؤدب دلوقتى تحب اناديلك مستر داغر يخلصك من تحت ايدى
ظهر الزعر على ملامحه ليردف بتوسل وهو يهز راسه برفض: لا لا داغر لا مينفعش يشوفنى بالمنظر ده انتى عايزاه يقول عليا ايه طب بصى نزلينى وانا حديلك شوكلاتايه
ناظرته بنصف عين قائلة: بالبندق ولا من غير
اجابها مسرعا: لا لا بالبندق وحجم كبير كمان
انزلته بلطف قائلة : خلاص سماح المرة دى يلا اعدل هدومك
مد يده اليها ليصافحها بعدما هندم ملابسه : صافية لبن
صافحته بتردد: حليب ياقشطة اتفضل اقعد يلا عشان نبتدى معاهدة السلام
جلست في المقعد المقابل له والحيرة مازالت ترتسم على ملامحها لتمد يدها تلتقط لوح الشيكولاتة قائلة بفضول: مش حتقولى بقا انت مين وتقرب ايه لمستر داغراللى جوة ده
تميم ببساطة شديدة وهو يمط شفتيه : انا تميم زيدان اخوه الصغير
مطت شفتيها بدهشة لتومئ براسها : اخوه اه مانا غبية برضو انى بسألك دا الاعمى يلاحظ دانت نسخة صغيرة منه انا افتكرتك ابنه والله في الأول طب هو انا عندى سؤال صغيربس هو انت مش صغير شوية على اللبس ده
عقد مابين حاجبيه ليزم شفتيه بعبوس :لا انا مش صغير على فكرة انا كبير داغر دايما بيقولى كدة
ارتسمت ملامح الحزن على وجهها لتردف قائلة:عندك حق الصراحة بقا في حد طبيعى يعيش مع البنى ادم ده وميعجزش
قاطعهم طرقات خافتة على الباب يعقبه دخول عمار
ارتسمت الدهشة على ملامحه وهو يتفاجئ بذلك الصغير قائلا: تميم وحشتنى عامل ايه
تميم بابتسامة وعيون لامعة : عمار وحشتنى اوى بقالى كتير مشوفتكش
اخذ عمار يعبث بخصلاته البنيه بمشاكسة ليزمجر الصغير بغضب : يوووه ياعمار قولتلك مليون مرة مبحبش الحركة دى
ضحك عمار بخفة ليردف بتساؤل : انت هنا من بدرى ولا ايه
اومئ تميم براسه قائلا: اه من شوية ( ليشير بسبابته اليها) واتعرفت على كارما كمان تخيل ياعمار مطلعتش رخمة زى مداغر كان بيقولك ( ليدرك ماتفوه به)
ضحك كلا من عمار وكارما بخفة لينظر اليها بأسف قائلا: اسف
لينتفض كلا منهم وهما يجدوا ذلك الداغر يفتح باب مكتبه ويدخل كالاعصار بملامح متهجمة ليهرول الصغير نحوه يحتضنه باشتياق قائلا: داغر وحشتنى اوى اوى
ابعده داغر بفتور قائلا: انا نبهتك كام مرة ان الاحضان دى مش للرجالة انت مبقتش صغير حتفضل تغلط كدة لغاية امتى
اخفض بصره بأسف يخالجه الحزن: انا اسف ياداغر مش حتتكرر
داغر بفتور وهو يستدير ينوى المغادرة: ابقى خلى السواق يوصلك بقا سلام
تنهدت بأسى وهى تناظر ذلك الصغير بشفقة لينتفخ وجهها بحنق من ذلك الداغر لتقترت منه بشفقة تضع يدها على خده بحنان قائلة: ايه رايك اوصلك انا
تميم بابتسامة واهنة : لا ياكارما انا حروح مع السواق شكرا مع السلامة
حاول عمار ظبط نفسه ليردف بنرة لينة وهو يربت على كتفه بحنو: طب يلا ياحبيبى اوصلك لبرة
كارما بابتسامة حزينة: حشوفك تانى
تميم بابتسامة واهنة : اكيد ياكارما انتى لطيفة اوى على فكرة مع السلامة
كارما وهى تلوح له بيدها : سلام ياحبيبى
خرج من المكتب برفقة عمار وهى تراقبه بحسرة لتمسح تلك الدمعة الهاربة من طرف عينيها لتنتفض كالملسوعة وهى تنظر الى ساعتها
كارما بفزع: يانهار ابيض كنت حنسى لما اروح بقا لحسن يقول خافت وسلمت من اول يوم
خرجت من مكتبها قاصدة مكتب ذلك المتطفل لتطرق باب المكتب قبل ان تدخل لتتفاجئ به خالى لتدخل بحزر وهى تتفحص المكان من حولها باشمئزار قائلة: حتى زوقه سمج شبهه
لتتفاجئ بصوت ذلك السمج التي تمقته ينبعث من خلف الباب لتنفخ بضيق ليصل الى مسامعها ذلك الحديث الذى اثار الريبة بداخلها لتقترب بحذر في محاولة ان تسترق السمع لتتسع حدقتيها بزهول وهى تستمع الى ذلك الحديث الذى بث الرعب بداخلها
مازن بتوتر: يامستر عدلى بقولك يوسف الراوى كان هنا النهاردة ...... لا فضل جوة فترة وبعد كدة تعب جامد والإسعاف جت شالته .....يامستر مفيش وقت بلغ هاشم باشا ان الورق ده لازم يخرج برة الشركة بأسرع مايمكن انا مرعوب ليكتشفوا اللعبة ويفضلوا يفتحوا في القديم لغاية ملاقى نفسى متكلبش......ماشى يامستر عدلى انا حستنى بس بلغ الباشا انى لو وقعت مش حقع لوحدى فاهم سلام
انتفضت كالملسوعة لتشعر وكأن الدماء هربت من اوصالها وهى تراقب مقبض ذلك الباب يدار حتى كاد ان ينفتح لتضع يدها فوق فمها تكتم تلك الشهقة المزعورة لتتنفس الصعداء بعد ان استمعت الى صوت ريهام السكرتيرة تبلغه بوجود اجتماع طارئ مع مستر عمار ليسير معها قاصدا مكتبه
تنهدت كارما براحة قائلة: دانا كنت حموت من الرعب دا ولا شغل العصابات(لتعقد مابين حاجبيها بحيرة)بس انا لازم أوصل للورق ده باى طريقة ولازم اعرف ايه حكاية يوسف ده
لتهرول الى الخارج قاصدة مكتب عمار وبداخلها إصرار ان تعرف خبايا الأمور
(في مكانه السرى)
كان ينظر بشرود الى أمواج البحر الثائرة وهو يهز ساقيه بعصبيه وتلك الزكرى السوداء تنهش بخلايا عقله من جديد
(فلاش باك)
شعر بغصة مؤلمة في حلقه قائلا بانهيار: انا ابويا مات ازاى (وبصراخ)متردو عليا ابويا مات ازاى
كانت والدته تنكس راسها بخزى تنتحب بمرارة بجسد مرتجف لاتقوى على تلك المواجهة لتتصاعد نبضات قلبه بعنف ليقبض على ذراعيها بقسوة واظافره تنغرس بجلدها صائحا بانفعال: متردى انتى ساكتة ليه كدة ردى حرام عليكى طب بصى اضربينى وفوقينى وقوليلى انه مجرد كابوس كابوس وحش ياامى ردى حرام عليكى انتى مبترديش ليه ردى بقا
ليتفاجئ بمن يربت على كتفه بقوة بصوت اجفله : داغر بيه ممكن كلمة
التفلت له داغر بعيون حمراء ليومئ براسه دون ان ينبس ببنت شفه ليستمع الى تلك الكلمات التي صعقته
المحامى بحرج : داغر بيه انا مقدر الموقف اللى انت فيه بس والدك كان عشرة عمر و كان موصينى انى اعرفك بالحقيقة كلها انا عارف ان الموضوع صعب بس سامحنى ضميرى مش مخلينى اقدر اسكت والد حضرتك حصله كدة بعد مجاله خبر ان يوسف بيه حما حضرتك لعب في الأوراق بتاعة الصفقة الجديدة وخدها لنفسه بعد مخلى شركتكم هي اللى تتكفل بكل المعاملات المالية وتتصدر للبنك يعنى حطكم في موقف حرج جدا (ليبتلع ريقه بصعوبة قائلا بحرج) والصدمة الكبيرة ليه لما عرف ان والدة حضرتك هي اللى ساعدته في كدة وانهم يعنى (المحامى بحرج)داغر بيه اعفينى مقدرش أتكلم اكتر من كدة
داغر بصدمة : انهم ايه أتكلم
المحامى باسف : انهم يعنى كانوا على علاقة انا اسف طبعا بس المرحوم هو اللى طلب انى منى لازم اعرفك
كان يستمع الى كلماته ليشعر بها كالصفعات المتتالية ليقبض على راسه بعنف وبداخله رغبة قوية ترفض كل مايتفوه به ليصيح كالطفل التائه: لا لا مستحيل يعنى انا اللى قتلت ابويا بايدى ايوة انا اللى قتلت ابويا انا السبب انا السبب لولايا مكنتش حاجة من دى حتحصل
داغر
اجفله صوت تلك الخائنة ليندفع نحوها يهجم عليها ليخنقها واظافره تنغرس برقبتها بعنف حتى كادت رقبتها ان تنخلع بيده وسط محاولتها ان تبعده ليبعده ايدى الموظفين بصعوبة وهو متشبث بها كالصخر
داغر بصراخ : متنطقيش اسمى على لسانك انا ابويا مات بسببك بسبب خيانتك عملك ايه وحش عشان تخونيه كنتى سبيه كنتى طلبتى الطلاق بدل مانتى طعنتيه في ضهره وخلتيه مات مقهور
الام برفض وانهيار وهى تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة: لا ياداغر انت ابنى متظلمنيش زيهم حرام عليك انا امك ازاى تصدق فيا كدة دول لو كلهم صدقوا انت مينفعش تصدق متحكمش عليا بالاعدام حرام عليك والله عمرى مخونته والله عمرى مخونته
داغر بصراخ وقسوة وهو ينفض يديهم: اخرسى صوتك مقرف ورحمة ابويا اللى مات بحسرته محسيبكم ومش حرتاح غير لما انتقم من كل واحد فيكم ومن النهارده عايزك تنسى اى علاقة تربطك بيا انا واخويا ومتحلميش انك تاخدى مليم واحد من فلوس ابويا طول مانا عايش
ليخرج كالعاصفة وبداخله براكين من الغضب
(نهاية الفلاش باك)
داغر بجمود: ورحمة ابويا اللى موته بحسرته حندمك على كل لحظة و حاخد منك كل حاجة وحقهرك زى مقهرت ابويا مبقاش داغر زيدان لو مخدتش تارى منك انت (وبغموض) وبنتك