أضواءُ خافتة،
أجواء هادئة،
فى وسط ساحة الرقص.. مُمسكًا كفها الصغير بيدٍ و الآُخرى ملفوفةٌ على خصرِها،
يتمايلان على لحنِ الموسيقى الهادئة معًا و هما يحدقان ببعضِهما.
نظرات ڤير المُشتعلة بنيرانِ الغضبِ و نظراتها الحزينة النادمة و كأنها تعتذر له بعينيها مرارًا.
اقتربت بوجهِها من أذنِه و همست بنبرة مكسورة:
-أنا آسفة!
توقف ڤير عن الرقص الوئيد و ترك كفها مصدومًا فالتقطته سريعًا و عادا للرقصِ و أكملت و قد دمعت عيناها:
-كنت طفلةً ڤير،
لا أعلم شيئًا!
مثلي مثلك كنتُ أحبك منذُ أن كنا اطفالًا لكننى غرني المال!
لم أفكر فى الحبِ و قلبي أو قلبك.
ما فكرت به هو المال،
هو أن هذا الرجل سيرفعني معه بمالِه و مكانتِه رغم أن عمرَه كان أضعافَ عمرى و رغم علمى أنه لن يُكمل معى حياتي بل سيموت قبل أن تبدأ!
آسفة على سخافتي الماضية ڤير..
لقد تغيرت و أقسم أننى أحترق بحبِّك..
معه و بدونه..
لنفتح صفحة بيضاء ڤير.كانت تتحدث بصوتٍ يكاد يُسمع و هو لم ينطق ببنت شفة..وضِعَ أمامِ أمرٍ أصعب مما يتخيل!
هل يُخرس هذا القلب المُحب و يسحقه إنتصارًا لكرامتِه أم تذهب الكرامة للجحيم و يحتضنها بشدةٍ و يؤكد لها أنه مازال يُحبها؟
اعتصر أفكارَه و شردَ على صوتِ الموسيقى ثم أفاقَ على صوتِ شهقة لها جعلت قلبه يؤلمه بشدة.
نظر إليها بحزنٍ و كادت عيناه أن تدمعَ لولا إختفاء صوت الموسيقى الهادئة و عودة الضوضاء من جديدٍ و قد عاد كل الحضور إلى أماكِنهم مرة أخرى فتمالك نفسَه و جلس فى مكانِه و عادت هى بجوارِه.
و طوال الجزء المتبقي من الحفلِ ظل يتحاشى النظر لها فنظر إليها مئة مرة عن طريقِ الخطأ،
تقابلت أعينهما فيهم حوالى تسعة وتسعين مرة.انتهى الحفلُ بخيرٍ على الجميعِ عدا كليهما.
هذا الحفل الذي أحيا الماضي و مشاعره،
هذا الحفل الذي جعل الغضب يچتاح ڤير من جديدِ ثم جعله حزينًا؛ حتى كاد أن يدمع لولا إنتهى قربهما.
ظل ڤير صامتًا يبدو الحزنُ على وجهِه لم يفتح فمه حتى عاد الجميع إلى منزلِه و لم يضغط چورچ عليه ليتحدث بل ظل ينظر إليه طوال طريق العودة و الحزن يأكل قلبه علئ حالِ.. لقد لاحظ كلَ شئٍ من البداية.
لقد رأى دموعها و صدمته وغضبه ثم حزنه و أنفه الذي صُبِغ بالأحمر ففهم أنه كاد أن يبكى.
وصلت السيارة أمام المنزلِ و لم ينتظر ڤير حتى أن يوقفها جورج بل أمسك الباب فتحه ثم نزل و هى مازالت تسير ببطءٍ.
جرى و صعد سُلم الڤيلا بأقصى سرعتِه و ظل يركض حتى وصل غرفته و أغلق البابَ عليه..
ظل يبكي بصوتٍ مرتفعٍ و هو يضع يديه على قلبِه.
وقف على قدميه و اتحه نحو حمامِ الغرفة و ظل يتأمل وجهَه الذي أصبح يبدو كبيرًا أضعاف عمره.
غسل وجهَه بالماءِ جيدًا مرارًا و تكرارًا حتى شعر بسخونيةِ وجهِه تتلاشى تدريجيًا.
------------------------------------------------------------
جالسٌ فى الصالةِ مستندًا برأسِه على كفيه لا يعلم ماذا يفعل!
يقوم ليركل بابَ غرفةِ ڤير و يحتضنه ليُسكته و يواسي قلبه،
أم يجلس هنا و يتركه فى الداخلِ مع نفسِه ليتعافى وحده كما يُفضل دائمًا؟
و الاختيار الثاني هو ما دلته عليه أفكارِه فهو يعلم ڤير جيدًا من الممكنِ أن يقتله لو لاحظ حزنًا فى عيني چورچ أو شفقةً على حالِه،
سمع چورچ صوتَ باب غرفة ڤير يُفتح فالتقط الريموت ليُشغل التلفاز سريعًا قبل أن يحضر ڤير.
ظل چورچ يأخذ أنفاسًا قوية وهو يُهدئ من نفسِه ظنًا منه أن ڤير يكاد أن يُقتل بحزنِه.
و على عكس ما توقع خرج ڤير و قد بدّل ملابسه إلى طقم بيتٍ و كان قد مشط شعره كالأطفالِ على عينيه و وجهه قد تبدل حتى تكاد تظن أنه ليس من كان فى السيارةِ!
صُدِمَ چورچ منه و قد لاحظ هو ذلك فتخطاه و هو يبتسم بسخريةٍ من ردات فعلِه التى لا يمكن ان يُخفيها أبدًا..-أبله!
"قالها ڤير و هو يجلس بجوارِه"-لِمَ تقول هذا؟
"رد مُتصنعًا الجدية"-سيطر على ردات أفعالك أكثر من ذلك و لا تحاول أن تتلونَ أمامى لأننى أفهمك جيدًا؛
أنتَ لى بابٌ مفتوحٌ!
"قالها ڤير و قد تبدلت نبرته الساخرة إلى نبرة حانية"دمعت عينا جورج بقوةٍ كإبن يتشبث بأبيه.
-لا تحزن ڤير!
"قالها جورج بنبرةٍ متحشرجةٍ"-هل تجدنى حزينًا؟
أنا لستُ حزينًا بتاتًا!رد ڤير ببساطةٍ ثم تنهد و أكمل و هو ما زال يحتضنه:
-إنها ردات الأفعال الأولية،
تحدث لنا عقب حدوث الموقف مباشرةً و ما إن نتخطاها حتى نضحك عليها و نسهزءُ ببلاهتِنا حينها!و الآن أنا بخيرٍ جدًا و تخطيت و لا ينقصني شيئًا سوى أن تكون أنت أيضًا بخيرٍ و بأفضلِ حالةً!