بداية حلم و حب

34 3 2
                                    

حافظت على موهبتِي و رضيت بحياتِي غير مُجبر تمامًا.
أدرس تارة ثم أعمل لأُساعد والدتي و فى الليلِ أُشاهد التلفاز باحثًا عن مشهدٍ يُريقني لأدونه فى كراسةٍ خصصتها لذلك.
أظل لساعتين أو أكثر أتمرن عليه بعدما أراه من مُمثلِه و أُركز جيدًا.
عندما أتأكد من كونِي تدربتُ بالكاملِ أخلد للنومِ لبضعةِ ساعاتٍ و أستيقظ فى الصباحِ الباكرِ و أُعاود الكرة.
يومٌ شاقٌ يبدأ بالدراسةِ يليها عملٌ و من ثم التدرب على موهبتِي.
بقيت هكذا لخمسِ سنواتٍ،
عملتُ فى عدةِ أماكنِ و رمت بي الأقدارُ على أشياءٍ كثيرةٍ قلةٌ منها سعيدٌ و الغالب هو الحزن.

مرضُ أمى و من ثم موت أبي فإشتد مرض امي عقب ميلادِ أختي.
لذا ما كان أمامى الا العمل لجلبِ الطعامِ و الدواءِ.
لم أكن أشعر بالعبءِ و لا كنتُ ماقطًا على حياتِي بقدر ما آمنت أن مستقبلي مُشرق و أن موهبتي ستُشرق حياتي و تخرج للنورِ و تتألق.
كان لأبي أموال قليلة نستلمها كمعاشٍ له و بها كانت تكفي مصاريف الدراسة لى و لأختي.
أكثر ما أفتخر به من حياتِي هو تشبثي بحلمي.. حلمى الذي أصبح أغلى ما عندى منذ أن أكتشفته.
لم أنسى هذا المعلم حينما ركضت نحوه فى يومٍ بعدما انتهت تلك الضجة التى حدثت حولي،
كان جالسًا يقرأ كتابًا ما،
وقفتُ أمامه فرفع عينيه نحوي و أغلق الكتابَ مُبتسمًا.
سألته مُتعجبًا:
-كيف علمتُ عني مالا أعلمه أنا.. رغم كوني لم أُظهر أبدًا أننى أُجيد التمثيل؟
ضحك عاليًا ثم قال و هو يُربط على كتفي:
-و من أخبرك أنك لم تُظهر ذلك؟
نظرت إليه بعدمِ فهمٍ فأكمل و هو ينظر فى عيني:
-أنا أعلم عنك كلَ شئٍ كونى أخصائي إجتماعي هُنا،
لطالما رأيتك قويًا.. تبتسم و تُحارب و تُخفي ببراعةٍ لم أعهدها فى طفلٍ!
لطالما وجدتك تتفوق و تنجح و تعلى و وجدتك أيضًا تعمل و تمسح قطراتَ العرقِ من على جبهتِك،
أنت موهوبٌ فى الإخفاءِ و التقمصِ،
و أنا فخورٌ بك!

لم أدرِ ما الذي يجب عليّ قوله فظللت أُحدق فى عينيه بعيني الدامعتين فوجدته يجذبني إلى أحضانِه و ظل يقول لي :
-لا تنساني.. أنا من اكتشفت ڤير العظيم!
ضحكت حينها و مسحت دموعى ثم ودعته و اتجهت إلى فصلِي.
عدتُ إلى منزلى فى هذا اليومِ و أنا سعيدٌ للغاية..
تمددت على السريرِ و حدقت إلى السقفِ و أنا أُردد كلمتين.." ڤير العظيم" هل حقًا سيصبح ڤير عظيمًا؟
سمعت صوتَ شباكِها يُفتح فوقفتُ فى شباكِ غرفتِي و ظللتُ ألوح لها و أنا مُبتسمٌ حتى لفتُ نظرَها فرفعت عينيها نحوي و ابتسمت بخجلٍ.
ظللت أُشير على نفسي و على صورةِ ممثلٍ مُعلقة على حائطِ غرفتي.
عقدت حاجبيها و لم تفهم فقلتُ أنا بصوتٍ تكاد تسمعه:
-سأُصبح ممثل!
ضحكت بدهشةٍ واضعة يديها على فمِها فضحكتُ أنا الآخر و ورسمت فى الهواءِ بيداي شكلَ قلبٍ فخجلت و شدت الستار لتُخبئ نفسها عنى و وجدتُ ظلها يبتعد عن النافذةِ.
التفتُ من النافذةِ و أنا أضحك ضاربًا كف بكفٍ لأحد أمى تقف خلفى متجهمةً.
نظرت إليها مصدومًا و أنا لا أعرف ماذا أفعل.. يبدو أننى سأُقتل!
تحدثت أمى بحنانٍ:
-أتُحب بيال؟
نظرتُ إليها غير مستوعبٍ لما تقوله ثم تمالكت نفسي و أومئت و انا أُخفض رأسي.
رفعت لى رأسي و قالت و قد جثت على ركبتيها أمامى:
-و أنا لن أوقفك عن حبِها لكن اثبت لى أنه ليس حبَ مراهقةٍ فقط!
نظرتُ إليها و قلتُ بعدمِ فهمٍ:
-كيف؟
-حسنًا تعالى إلى هنا.
"قالتها و هى تجذبني لتجعلنى أجلس على السريرِ و جلست هي بجانبي و بدأت فى الكلامِ قائلة:
-منذُ ولدتُ أنت ڤير و أنا أعلم أنك شخص مميز،
عاقلٌ.. مُتحكمٌ فى مشاعرِك،
بكاؤك و سعادتُك و كل ما تشعر به تُعبر عنه بعقلانيةِ.
حقًا إنك شخصٌ مميزٌ.. لكن ما تفعله الآن ليس من تصرفِ العُقلاء.
أنت رجلٌ فى الثالثةِ عشر من عمرِك و هى فتاةٌ فى نفسِ سنِك.. أنتما كبيران و لا يصح هكذا أن تُحدث عروسك عبر النافذةِ.

ضحكت حينها من كلمةِ عروسِك و أنا غير مستوعب...كيف أن من تتحدث الآن هى أمى؟
إننى أُحبها من قلبِي.. حقًا إنها تفهمني!
جذبت وجهي إليها من ذقني و قبلتني على خدي بحنانٍ ثم قالت:
-إن كنت تُحبها حقًا فلا تُضايقها هكذا.. إنها فتاة خجولة و أنت رجلٌ و الرجال لا يفعلون هذا..
إعمل و إبني نفسك و حدد طريقك و اعثر على ذاتِك ثم اذهب بعدها و عبر عن حبِك و ليس كما تفعل الآن.
الرجال وعودهم صادقة فاثبت لي أنك رجلٌ ڤير.

اقتنعتُ بكلامِها،
حقًا إنني أُضايق بيال كثيرًا منذُ رأيتها أول مرة و سكنت أمامى و أنا أسعى لها بطفوليةٍ شديدةٍ..
رجلٌ مع الجميعِ و فى كلِ وقتٍ عدا معها..مجردُ رؤيتها تجعل منى طفلًا أبلهًا.
منذُ هذا الوقت و أنا أتحاشى النظر لها حتى يومِ تقدمى لخطبتِها!

بلغتُ و صرتُ شابًا فى الثامنة عشر من عمرِه،
دخلتُ الجامعة بجانبِ أننى رسمتُ طريقي فى مجالِ التمثيلِ و بكلِ حبٍ ساعدنى هذا المُخرج.. أدوارٌ قليلةٌ فى بعضِ الأفلامِ.. و بإجتهادٍ كبيرٍ أصبحتُ بطلَ فيلمٍ عظيمٍ يتحدث عن حياةِ مراهقين.. كنتُ فى العشرينِ من عمرِي حينها.
أخفقتُ فى السنةِ الأولى من كليةِ الهندسةِ مرتين!
و لكن لا يهم... ما يهمنى حقًا أننى أصبحتُ ممثلًا و حققت حلمي.
نجح فيلمي الأول نجاحًا كبيرًا و أصبح إسمي على ألسنةِ الجميعِ و أصبح لي معجبين!
تلاشى الفقرُ و حلّت الأموال الطائلة محلِه و تقدمت لخطبتِها بشجاعةٍ فلم أجد سوى الرفضِ!
فى نظرِ العائلةِ أنا مُمثل.. كأنها وصمة عار،
و فى نظرِ الفتاة أنا أفقر من العجوزِ الذي سبقني فى التقدمِ لخطبتِها فتركتني ببرودٍ و تخلت عن حبِها لي و رفضتني.
لا يهمنى رفضها لي فمنذُ سمعتُ كلامَها و أنا مُعتبرٌ إياها مجردُ ذكرياتٍ و لم أفرح الا لسببٍ واحدٍ،
أننى أثبت لأمى أننى رجلٌ!

لا تنخدع بضحكاتى!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن