Main Veer

26 3 1
                                    

لم أعتاد كتابة مُذكراتي اليومية منذُ كنتُ طفلًا.
حتى أننى لم أعش طفولةً عاديةً،
منذُ لمست قدماى الأرضَ و أنا أجد حولى فقرًا و جوعًا و إهانةً.
بداية من مجتمعى الذي يتم التنمر عليه فى كلِ البلادِ و بلدى الفقيرة الواسعة،
بلدي الجميلة رغم كل شئٍ.

لم أكن أحلم بأن أكون ما أنا عليه،
وددتُ دومًا أن أكونَ شخصًا عاديًا يجلب المال ليُنفق على عائلتِه.. يشترون الخبزَ و يتعلمون و يتعالجون،
كنتُ أريدُ حياةً روتينيةً.
لكن ما حدث و أنا فى عامى الثالث عشر قد غيرّ حياتي.. هو نقطة التحول.

عندما كنت فى المدرسةِ الإعداديةِ و كان لدينا زوار.. كان الجميعُ يستعدُ لتأديةِ العروضِ و هناك من يُزين المدرسة و هُناك من يجلس فى ناحيةٍ وحده يُذاكر بنظارتِه الطبيةِ الغريبة التى تبوح عن مدى كونِه متفوق.
أما أنا فأُراقب الجميع بإبتسامةٍ حزينةٍ و نفسٍ مهمومة.

لا أُحب المشاركة فى تلك الأنشطةِ و برغمِ أننى طالبٌ ذكيٌ و مشهورٌ بتفوقي.

كان أبي قد ماتَ للتو و كنتُ أعمل بعد المدرسةِ،
طلبتُ منهم أن أُغادر بصفتِي لن آُشارك فى أي شئٍ من هذا القبيلِ و لأنها فرصة للعملِ ساعاتٍ أطول و جلب المال أكثر؛
لكنهم رفضوا و أجبروني على الجلوسِ.. فما بجعبتي من شئٍ سوى أن أجلس حزينًا أُشاهد.
توقف طلاب المسرح عن التحدثِ فجأةً و بدأوا ينظرون حولهم و كأنهم يبحثون عن شئٍ ما حتى وقع نظر أحد الطلابِ علّي.
أشار إليّ و بدأ بالتحدث مع زملائه الذين نظروا كلهم نحوي و أمائوا له موافقين بهمهماتٍ كثيرةٍ منهم جميعًا.

أدرتُ وجهي سريعًا و تظاهرت و كأننى لم ألحظهم حتى وجدتهم قادمين إليّ معًا كالجيشِ و التفوا حولى حتى خبوا عنى نورَ الشمسِ.

تكلم قائدهم -و الذي أشار عليّ من البدايةِ-
قائلًا بإبتسامةٍ:
-مرحبًا ڤير.

أمئت له مُبتسمًا فأكمل:
-مسرحيتُنا شيقةٌ للغايةِ،
وزعنا الأدوارَ لكن تبقى دورٌ ليس له من مؤدٍ!

-ماذا تعني؟
"قلتُ بتجهم"

-أن تؤدِ أنت هذا الدور.
"أجاب الولد بخوفٍ مما ظهر على وجهِي"

كدتُ أن أرفضَ لولا ظهر خلفي معلمٌ قال مُقاطعًا كلامنا:
-وافق ڤير،
أريهم الإبداع الحقيقي.

نظرت إليه بدهشةٍ مُختلطة بالسخرية وقلتُ:
-هل تمزح سيدي؟

-لا أمزح فالوقت لا يسمح بذلك..
أنت فنان و موهوب ڤير،
لا أعلم في ماذا لكننى أعلم أنك ذو مستقبل عظيم؛
جرب حظك ڤير علها تكون تلك هى موهبتك.

نظرتُ له بدهشةٍ و أنا لا أُصدق..
أنا أعلم أننى عاديٌ و تعايشت مع ذلك!
أومئت له و أنا أمدُّ يدي لزميلي الذي رشحني من البدايةِ فإبتسم الجميع و سمعتُ مُعلمى يضحك من خلفِي و هو يُربط على كتفي.
مرَّ اليومُ و أنا أتدرب معهم و كلما جاء مشهدي كانوا يفتحون ثغورَهم بدهشةٍ و يُصفقون لي بحرارةٍ!
عدتُ إلى منزلِي فى هذا اليومِ و أخبرتُ أمى و تقبلت بالأمرَ بسعادةٍ بالغةٍ.
حفظتُ دوري جيدًا و مثلت بين أيديها و بدأتُ فى التمثيلِ فلم أجد سوى دموع الفخرِ و العديد من القبلاتِ الدافئة.

حقًا إنني آُحبها.. و عُذرًا على هذه الدموعِ التى سقطت من عيني على الورقِ فتلك الذكريات تجعل قلبي يهتز فى مكانِه.
و عندما وقفت على مسرحِ مدرستي أغمضت عيني مُحاولًا التغلب على توترِي و بدأت فى التمثيلِ و أنا أبذل مجهودًا كبيرًا لأُخرج أفضل ما عندى.
كنتُ فى تلك المسرحيةِ سجينًا و مشهدي كنتُ آُناجى فيه ربي و من ثم مثلت أمام القاضي و بدأتُ فى التظاهرِ بالقوةِ لأننى لم أعتد أن آُذل لشخصٍ.
كان دورُ كبيرًا نسبةً لسني الصغير فكل كلمة هنا تُمثل بالنبرةِ و العينِ قبل أن يُنطق بها.
فُتحت عيناي على صوتِ تصفيقٍ حارٍ من الرجالِ المهمين الذين وقفوا جميعًا لي.
توجت بعدها بجائزةٍ من المدرسةِ عبارة عن ميدالية كُتبَ عليها "ڤير العظيم".
كنتُ أرتديها فى كلِ وقتٍ و أى مكان،
كنتُ سعيدًا كثيرًا بها.
ذاع صيتي بين كلِ الطلابِ و أحبوني بشدةٍ و كانوا يأتون بقمصانِهم و صورِهم و الكراساتِ لأمضي لهم عليها!
و فى الأسبوعِ التالى كنتُ جالسًا فى فصلي أستمع إلى شرحِ المُعلمِ بتركيزٍ حتى انقطع تركيز الجميع بصوتِ خبطٍ على البابِ و كان رجلًا علمت حالما رأيته أنه من الرجالِ الذين كانوا يجلسون يُشاهدون المسرحيةَ و الذي علمتُ فيما بعد أنه نائب الوزير.
نادى إسمي و استدعانى عند حجرةِ المديرِ.
استئذنت مُعلمى و ذهبتُ و قدماى تتخبطان خوفًا.
ظل يُهنئني على تأديتى للدورِ هكذا و على إكتشافِي لتلك الموهبةِ.
حتى انتهى من كلِ هذا قائلًا بجديةٍ:
-لك منا هديةٌ كُبرى.
نظرتُ له مُستفسرًا فأكمل:
-لى صديقٌ مُخرج سأجعلك تعمل معه بجانبِ الهدية الحالية و هى مبلغٌ و قدره من المالِ نظرًا لكونِك لم تعمل فى هذا اليوم لتُبهرنا.

كنتُ سعيدًا و عندما انتهى اليومُ ذهبتُ لأمى أعطيتها المال و أخيرتها بما قاله لى فلم تستقبله بسعادةٍ كما فعلت بل قالت بخوفٍ:
-ليس الوقتُ مُناسبًا لمثل هذه الأشياء،
إن كنت تُريدُ التمثيل فلن تبدأ هذا المشوار الإ و أنت فى الجامعةِ،
حينها فقط تستطيع.. لأنك ستكون قد اخترت مستقبلَك العلمى.. و هذا أكثر ما يهمني.

لم أُجادلها لأننى أؤمن أن الأمهاتَ تعلمنَّ ما لا نعلمه نحن أبدًا..
بل لم أفعل سوى أننى ذهبتُ فى اليومِ التالى و أخبرتُ مدير المدرسةِ بذلك و أنا مُبتسم و أخبر هو هذا الرجل و بالفعل اتفقنا على أننى سأعمل مع المخرج صديقه عندما أصل إلى المرحلة الجامعيةِ.. و اختُتِمت المكالمة بينهما بأنه كان يوصيني أن أعمل على تنمية تلك الموهبة كى لا تضيعُ و أندم.. و بالفعل هذا ما فعلته.

لا تنخدع بضحكاتى!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن