تزامنت آخر جملة مع طلوع أول شعاع من الشمسِ فداعب وجهه و كشفت عن دموعِه.. نظر بإتجاهِ النافذةِ و قام سريعًا و هو يُغلق الكتاب.
رماه على الكرسِي بإهمالٍ و خرج ليبحث عنها بجنونٍ.. كل ما يُفكر به فى تلك اللحظة هو إحتضانها والبكاء كثيرًا بين ذراعيها.
غيرَّ ملابسَه سريعًا و ارتدى جوربين مختلفين و لم يأبه بتسريحِ شعرِه ثم خرج من غرفتِه ركضًا و قد لاحظه جورج و هو فى تلك الحالةِ المجنونةِ.
ظل ينادى عليه و هو يراه أمامه يرتدى الحذاء و يخرج بسرعةٍ مُرعبةٍ،
حتى أن ملابسَه و شعره لا يليقان ببشريٍ و ليس بممثلٍ حتى!
و لِمَ وجهه يبدو هكذا؟
-يبدو أن عقلَه طار!
قالها جورج بسخريةٍ و هو يرفع كتفيه بعدمِ حيلة ثم اتجه إلى المطبخِ ليُحضر فطورَه اللطيف خيرٌ له من مراقبةِ ڤير المُختل.
-----------------------------------------------------------
ركب سيارتَه و قادها بسرعةٍ مُميتة و ظل يعدل شعرَه و يمسح عينيه بين الحينِ و الآخر.. كان يتجه إلى منزلِها و هو يعلم أنه سيجدها فى مكانٍ ما،
مكان يعرفه جيدًا..
مكان مميز بشدة.
وصل أمام منزلِها فنزل من سيارتِه و دخل من البابِ الرئيسي و ظل يجري و هو غير آبه بنداءِ الحارسِ له و لا فزعه من شكلِ ڤير.
وقف ڤير على بُعدِ أمتار قليلة من مكانِها.. ظل يتنفس بعمقٍ و يمسح دموعَه حتى بدا إنسانًا طبيعيًا بغض النظر عن منظرِه الغير مُهندم بالمرة!
لكنه لم يكترث بشكلِه.. حتى هى لن تكترث بشكلِه،
هى لا تُحب شكل ڤير.. هى تُحب ڤير.
ظل يقترب ببطءٍ من الغرفةِ،
غرفة الذكريات كما أطلق عليها.
كانت الابتسامة الواسعة تُرسم على شفتيه بكلِ تلقائيةٍ و هو يقترب و يسمع صوتًا بالداخلِ حتى تأكد أنها هُنا.
فتح البابَ سريعًا فالتفتت هى ناظرةً له و ما إن رأته حتى جرت عليه و قفزت إلى أحضانِه قائلةً من وسطِ دموعِها:
-كنت أعلم أنك ستجدنى.. كنت أعلم أنك لن تنسى تلك الغرفة.
-و كيف أنساها؟
كيف لى أن أنسى الغرفة التى تحمل ذكرياتً ليست عاديةً بالنسبة لى و لكِ؟
إنها أجمل ما رأيتُ على الإطلاقِ و مهما تحدثت عن مدى سعادتِى بها و بإحتفاظك بكلِ صغيرةٍ و كبيرةٍ بعلاقتِنا من البداية.
أنا آُحبك.. بطريقة يصعب على أمهر الكُتّاب أن يصفها!
ارتفع صوتُ بُكائها و هى مازالت بين أحضانِه فقال بحنانٍ و هو يُربط على ظهرِها بيدٍ و على رأسِها بالأُخرى:
-كنت تؤمنين أننى سأعود،
كُنتِ تحاولين تخيلي فيه حتى تستطيعين العيش،
كنتِ تندمين كل يومٍ و تبكين على تضيعك لى و لحبي،
كانت النارُ تنشب فى قلبِك و تأكله حينما تريني معها..
ها أنا ذا،
أنا هُنا أضمك لى
لستِ بحاجةٍ إلى الإيمان بالعودة و لا التخيل و لا الندم ولا الغيرة.
فلتُلقي كل هذا دُبر أذنك.
أنا هنا حبيبتي.. هنا لكِ و بجوارِك.. قلبي لكِ و حضني لكِ و عقلي لا يُفكر الا بكِ..
و أقسم أنه لم يكن يُفكر إلا بكِ.
و قلبي لم تشغله إمرٱةٌ سواكِ.. أنتِ و طفلتى!
زادت من تشبثها بِه و هى تضحك بفرحةٍ و دموعها لم تكف عن النزولِ ثم ابتعدت عنه فجأةً قائلة بصدمةٍ:
-ما هذا الذي أفعله أنا؟
قطعت عهدًا على نفسِي الا أحضنك إلا عندما نُنفذ شيئًا ما..
حتى أننى قد جهزت نفسي سريعًا.. انظر إليّ.
"قالتها و هى تُشير إلى الفستانِ الأحمر الذي ترتديه"ظل ڤير يحدق بالفستانِ ثم قال بألم و هو يتذكر :
-هذا الفستان الذي رفضتيني به..
هذا الفستان الذي خرجتي به من غرفتِكِ و أنا و أمى كنا جالسين فى الصالةِ ننتظرك لتخرجي و توافقي على زواجكِ منى.. لكنكِ رفضتيني بطريقةٍ مُهينةٍ و حطمتي قلبي!أومئت له وهى مُبتسمة قائلة:
-حتى هذا لم تنساه؟-و ما الذي يخص ملكتى أستطيع نسيانه؟
ضحكت من ردِه المُفاجئ لها وقالت و هى تدفعه خارجًا:
-حسنًا أُخرج مرة آُخرى ثم اطرق البابَ و تحدث لي بخجلٍ عن أنك تُريد الزواج منى و أنا سأوافق تلك المرة.. لنُنهى تلك الذكرى السيئة المُرتبطة بهذا الفستان و نخلق ذكرياتٍ جديدةً سعيدةً،
و كأن ما حدث لم يحدث.ضحك من بلاهتِها قائلًا:
-لا تكونى تافهةً إلى هذا الحد حبيبتي!
انتهى الأمر لقد اخرجته من ذكرياتِي حبيبتي لا تكترثي للماضي.-حسنًا عُد إلى بيتِك ڤير لن آتى معك.
"ردت بجديةٍ"زفر ڤير قائلًا بنفاذِ صبرٍ:
-طفلتى كانت أكثر عقلانيةً منكِ!ضحكت بيال من طريقتِه و قالت:
-حسنًا لنُنفذ الأمر إذن.إبتسم ڤير إبتسامة صغيرة بلطافةٍ و خرج و أغلق خلفه البابَ.
عدلت شعرها و هى فى قمةِ سعادتِها و إنتظرت صوتَ طرقاتِه.
مرت حوالى خمسة دقائق و هو لم يطرق البابَ فبدأت كلُ الأفكارِ الحزينةِ فى إحتلالِ عقلِها.
فقدت الأمل و رست أفكارُها على كونِه قد غادر و تركها وحيدةً ظنًا منه أنه أمرًا تافهًا.
وضعت يدها على فمِها لتكتم بُكائها و رمت التاج الورى الطفولى الخاص بها من رأسِها على الأرضِ بخيبةٍ.
طرق البابَ فابتسمت و هى غير مُصدقة... إنه لم يُغادر كما توقعت!
ركضت و فتحت البابَ لكنها لم تجده،
جذبت نظرَها مجموعةٍ من الأزهارِ ملفوفةٍ بإتقانٍ بورقةٍ شجر كبيرةٍ ملفوفة.
و بين الورودِ ورقةٌ صغيرةٌ..
ابتسمت و التقطت الورقة ففتحتها و وجدت مكتوبًا بها:
-أُحبك أيتها الساحرة.. هل تتزوجيني؟تذكرت عندما قالها لها يومًا فى الفصلِ بنفسِ الصيغةِ و نفسِ الطريقةِ فضحكت وقالت بصوتٍ عالٍ:
-موافقة.ظهر أمامَها و هو مُبتسمٌ و ظل يقترب منها ببطءٍ فسارت نحوه و كاد أن يحتضنها لولا استوقفته قائلةً:
-لِمَ تنعتني بالساحرةِ؟-لأنكِ أوقعتي طفلًا فى حبِك منذُ رآكى و ظلت اللعنة به حتى كبر و بلغ و صار رجلًا!
و ما هذا اذن الإ سحر؟ضحكت و تركته يحتضنها و قال:
-لنترك هذا الماضي بيال..
لنعتبر ما حدث لم يكن و لم يحدث حبيبتي.. فليذهب الماضي للجحيمِ مادام ليس سعيدًا.