القبلة الاولي

3.1K 50 8
                                    


القبلة الأولى
الصعيد 1986
فى ظلام الليل الثقيل وتحت ضوء القمر الذي يخفى السحب المارة أمامه بسطوعه الشديد الذي ازداد وهو يتسلل داخل تلك الشرفة بطريقة عجيبة .
أبسبب تحقيق أمنية طال انتظارها ؟
علا صوت صياح فتاة فىى منتصف العقد الثاني تقبع فى الفراش فارغة القوي ودماء المخاض تغرق ملابسها .. . وبجانبها سيدة فى منتصف العقد الرابع .. تاكل فى شفتاها بتوتر .. وأمامهما الداية .. تسحب الجنين .
تنهمر الدموع من عينان الفتاة المراهقة كشلال عاصف ، فى ليلة رطبة مصاحبة بقطرات الندي أمام السرايا الضخمة بمشهد مهيب ، وصوت طائر البوم يعلو ويردد داخل أذنها وهى تترقب الولد .. فإن لم تأتى به سيكون حالها كالأخريات وإن أتت به ستكون هى الملكة المتربعة على العرش .
وضعت الداية فى فم الفتاة قطعة من القماش ، حتى تقوم الفتاة بالضغط عليها بأسنانها وهى تقوم بدفع الصغير من رحمها ،وفجأة ساد الصمت فى أرجاء المكان .. واختفى صوت الفتاة الصارخ بأوجاعها وبقي صوت ضربات قلب السيدة التي تترقب خروج الطفل .. يعلو ويطرق داخل اذناها .. وشفتاها تناجى ربها بأن يكون الطفل فتاة .
_ يابركة الله .. .. ولد .. ولد .. الله ماصلي على حبيبنا النبي ..
تهتف بها الداية .. بحماس . وعقلها يحدثها على أنها كانت بركة عليهم حتي أتى لهم الولد ،وأنها ستحصل على المال الوفير
.جحظت عين السيدة التى تنظر الى الصغير والرعب يضخ فى أوصالها ، وعقلها يرسم مستقبلا غير محمودًا بقدوم ذكر .
فقالت تلك السيدة بتوتر متحسر .
_ اخرسي يامرة .. هتودينا فى داهية .. چيبي الولد ده .
قامت السيدة بأخذ الطفل من يد الداية ، وذهبت إلى الفتاة الأم ، لترى أنها شاحبة الوجه بشدة وجسدها بارد كالثلج .
_ يلاهووى .. البت ماتت .. ياخرابي .. ياخرابي تهتف بها الداية وجسدها يرتعش بخوف خشية من أن يتهموها بموتها ...
_ بس ياولية .. إسكتى .. وإسمعيني زين چوي .. الولد ديه مااات .. إنت فاهِمه .. ولا لا .
تهمس بها تلك السيدة وهى تقترب من الداية وبياض عينها الواسعة المرسومة بالحكل الثقيل بها حمرة مخيفة .
شعرت الداية بالرعب ، فتلك السيدة ليست هينةً أبدًا ، فهى أرملة العمدة السابق ،و ابنة أسياد الصعيد . فخضعت الداية لها وأمالت رأسها بإيجاب والعرق يملأ جبينها ، وهى تقول بشفاه مرتعشة ..
_ ماشي اللى تچوليه هنفذه واصل . بس حب على يدك ياست الأُمرة تلطفى بينا .
_إمشي من إهنه عاد .. ومشفش خلچتك أبدا إنت فاهمِة.
إبتعدت الداية من السرايا تهرب بأقصي قوتها ... فهى تعلم إن لم تنفذ ماقيل لها ،سيكون حتما الموت هو قدرها .. فمن هى حتي تقف أمام أرملة العمدة السابق .
خطت السيدة الأرملة تنظر من شُباك الغرفة الكبيرة تراقب ماحول السرايا ....
فرأت أن السرايا بما يحيطها يعُمها الظلام وقطرات الندي تخفى الطريق بالكامل ..، ومن فوق الأشجار المرتفعة التى تحيط بالسرايا يتجمع طائر البوم ويصدرون صوتا مرعبا ويتردد بدون توقف كما ان صوت جناحيه لا تتوقف عن الرفرف بجانب الشرفة حتي تمازج مع صوت صرصرة الحشرات فى الليل .
ضحكت عندما رأت البومات يفتعلوا معاها كلام مبهم تعلم لغته جيدا
نظرت إلى الطفل مرة اخرى لتري عيناه مغمضتان فجثت نبضه فعجبت لأمره الغريب . فوضعته على الفراش بجانب والدته المفارقة للحياة .. وقامت بضغط على رقبته حتى يختنق وهى تقول ..
_لازم تموت يابن جبل ماناس إكتير يموتو بسببك .
فى تلك الأثناء علا صوت الطفل يدوى فى أرجاء المكان ، فكممت فمه ، ولم يشفع له بكائه ..
فساد الصمت من جديد بتوقف قلب الطفل، أخذت الأرملة الفتاة المفارق للحياة ساحبة إياها من قدمها حتى وقعت من الفراش على الأرض حتي وصلت إلى سلم السرايا الحلزوني وبدون قلبا مشفقا على عين الفتاة الأم الرطبة بالدموع والتى لم تجف بعد ولا على سحبها بتلك الطريقة المخيفة.
لم يهتز قلب الأرملة لثواني وهى تستمع الى صوت ارتطام رأس الفتاة بكل درجه بالسلم .. حتى وصلت الى خارج السرايا ..وقامت برفع الفتاة على الكارو مع الطفل .. وهى ترتدي ملبس رجلا بعمامة ، وتقود العربة إلى المقابر .
نظرت الأرملة طويلا إلى النهر الذي بجانب المقابر ،وإلى الأشجار التى يملأ فرعها البومات ..
ألقت الأرملة الفتاة الميتة فى النهر وهى شبه عارية .. و دماء النفاس منتشرة على جسدها .
ووقفت تشاهدها وهى تغرق فى النهر أمام عيناها بوجه بارد ثم قامت بحمل الصغير الذي توقف نبضه وذهبت به إلى المقابر التى كان الدخان يملأها بمنظر يقشر له الأبدان .
ألقت الصغير على الأرض وقامت بحفر تربة بأصابع يدها التى تصدر صوت خشخشة ذهبها .. ولم تعبئ الى جروح يدها حتى تمازج دم أصابعها مع التراب .
أمسكت الصغير وهو عارى تماما ومخطي بدماء ولادته ، وقامت بإخراج السكين من حقيبتها القماشية تمرره على جسده بشق فى صدره بعلامة X ، واخرجت حقيبة بلاستيكية بها مسحوق ذا رائحة قوية عفنة .
ثم وضعته على الجرح الذي بصدر الصغير وهى تهمس داخله بكلمات مبهمة غريبة ثم أزالت القلادة الفضية من رقبتها وأحطتها برقبته ،وقامت بإلقائه داخل حفرة صغيرة ودفنته داخلها ...
وذهبت فى طريقها على الكارو وصوت ضحكاتها يدوى فى المقابر يتمازج مع صوت البومات ..
........
فى تلك الأثناء وبعد ذهاب الأرملة
وصلت سيارة فارهة تدخل الى المقابر بحذر .. نزل منها سيدة يظهر عليها أنها عالية المقام رفيعة المستوي ترتدي فستانا أسودًا .. بقبعة يهرب منها شعراتها الشقراء ويصحبها رجل وقورا يرتدي بذله أنيقة يظهر عليهما أنهم أجنبيان .
قالت السيدة باللغة المصرية غير مشبعة لكل حرف بما يليق به ( عربي مكسر )
_ كان لازم يعني يابيبي .. نيجي هنا فى الوقت دا ..
_ معلشي ياحبيبتي .. لازم أحقق حلم بابا .. هو جالى فى الحلم وقالى شيل العمل من تحت قبري فى نص الليل ..
_ طب خليك جنبي ... أوعا تسبني
_أوك ..
خطى الإثنان وقلبها يطرق بعنف من شدة الرعب ومن رؤية المقابر .. بدخانها الذي يعوم فى الأجواء كالسحب فى السماء، وقف الرجل أمام قبر والده .. يبحث على المكان الذي أخبره عنه فى المنام، وما إن وجد المكان .. قام بوضع المسك الذي أتى به من بيت الله الحرام على كافة يده وعلى جانب صدره ..
وبدأ يحفر فى المكان .. حتى وجد كيسًا أسود .. قام بفتحه فصدر صوت صراخ قوى يئن من الألم بشدة ..
فاقتربت منه زوجته تعانق ذراعه من الخوف .. فربت عليها .. لكى تهدأ
علم أنه بالفعل عمل من فعل شياطين الإنس فرائحته قذرة للغاية .. وبداخله صورا له وعائلته يوجد بها طلاسيم ..وأن تلك الأصوات هما أرواح شريرة تستنجد من رائحة المسك .
ذهب إلى النهر الذي بجانب المقابر وقام بنثر الأشياء العفنة التى كانت بالكيس داخل البحر ومسح الطلاسيم وهو يقول أيات الله ( آيه الكرسي ) ( سورة الدخان ) (سورة الزلزلة ) بصوت خاشع للقلوب ..
تحت صراخ مبهم .. يأتى ويذهب حتى إختفى تدريجيا عنهما.
رجعل الإثنان الى سيارتها .. بتوجس .. وجسد السيدة يرتعش .. من الخوف ..
وفجأة علا صوت طفل فى أرجاء المكان ، وصوت هامس بهدوء يخبرهم .. ( ساعدني ...)
فوقف الإثنان بزعر .. والتفت الرجل يبحث من أين يأتي مصدر الصوت حتي يجده.. فهتفت السيدة الأجنبية
_ لا لا متروحش.. أنا خايفة دى أكيد روح شريرة ..
لم ينصت الرجل الوقور الى زوجته ، وخطى خطوتان ليجد صوتا يعلو اكثر ..
فجأة جاءت رياحة قوية .. تبعد الدخان حتى تلاشي من أمامهما .. و ترسم الرياح على التراب وتكتب( طفل ... يبكي .. ساعدني.. تحت قدمك ... إحفر )
جحظت عين الرجل .. وهو يري الكتابة ، وما إن وضع يده عليها .. شعر بأن الرياح تبتعد ..
فقام بحفر التراب .. حتى تألمت يداه لكن الحماس زاد قوة يده حتى تحفر أكثر .. وهو يستمع إلى صوت طفل ...
شعر بملمس غريب بيده فسحبه ليرى انه طفلا مليئ بالتراب .. فصاح بكلمة ..
_ الله أكبر ...
وظل يرددها .. حتى إقتربت منه زوجته .. والتى امرته أن يبعده عنه .. خوفا عليه ..
قام الرجل الوقور بنفض حبات التراب عن الطفل الصغير .. ليري عيناه مليئة بالدموع .. فتحطم قلب الرجل فى تلك اللحظة وإنهمرت عيناه الاخر بالدموع حزنا .. فقال ..
_ إزاى يرموا النعمة ... حد طايل طفل ..
نظرت السيدة الى الطفل ... فلان قلبها ... بحسرة
ذهب الرجل إلى السيارة .. وفى حجره الطفل ..وبجانبه زوجته ..
سحبت زوجته الطفل منه وهما بالسيارة لكى تمسح الدم الاسود الذي بصدره بمنديلها ..
فظهر فجأة روحا سوداء أمام السيارة .. فصاح الرجل والمرأة معا ووقفت السيارة ... وأقبل الرجل يردد آيات الله ..
وفجأة جاءة تلك الرياح ...وقامت بسحب تلك الروح السوداء المخيفة ..
أيقن الرجل أنه جند من جنود الله الصالحين ...( جن صالح )
_ متخفيش ياحبيبتي .. أنا معاكي .. يهتف بها الرجل الوقور لزوجته التى لا تتوقف شهقات بكائها ...من الخوف ..فقالت ردا عليه
_ والله لو مكنتش بحبك مكنتش جيت معاك .. ولولا إنى خايفة عليك ..
يلا بسرعة خلينا نمشي ...من المكان دا . قالتها بخوف .. وهى تردد دعاء السفر .. وجسدها ينتفض ..وهى تنظر الى الطفل ..
فانفتحت عين الصغير تنظر الى السيدة .. لترى أجمل ما رأت عيناها... طفلا بعيون واسعة .. دائري الوجه .. بانف صغيرة وشفاه لطيفة ..
دهشت وهى تنظر اليه حتى إبتسم لها ذلك الصغير ..بلمعة عيناه التى لم تجف من الدموع .. ليلمس قلبها بتلك للحظة .. وتبتسم له بقلبها ..
**
عاد من عمله مسرعا بسيارته فى ظلمات الليل حينما أخبره الغفير أن زوجته جاءها آلام المخاض ، ويقول .. وهو يقود سيارته .. ..
( يارب ولد .. يارب ولد )
فتلك أمنتيه الوحيدة ، لكى يحصل على القوة ، والإرث معا، حتى أنه قد تزوج الكثير من النساء حتى يأتى بالولد .. لكن يأتى له فقط الفتيات ..
يخشي أن يحصد أشقائه على كل ما قام ببنائه مع أبيه الراحل .. فقد تخلى عن تعليمه .. لكى يتبع خطي والده من الصغر ..
وفى الطريق رأى سيارة تقلب له ضوء حتي لا يسير فى خطها .. فأخذ الطريق الأخر لتقع عيناه من نافذة سيارته على السيارة الاخرى بنظرات خاطفة على تلك السيدة التى تحمل طفلا وترفعه أمامها بيدها تلاعبه ...
نظر اليها بعجب ... لكن لم يعطي بالا
وما إن وصلت السيارة الى السرايا .. دخل مسرعا الى والدته .. ويقول .. بأعلا صوته
_ يامه .. البت جابت إيه ؟؟
دخل على والدته التى كانت تجلس على الأرض وتقول بنواح وتضرب على رأسها .. بالتراب
_ ياعيني عليك يا ولدى ..
مراتك هربت .. مع عشيجها ..
ياعيني عليك ياولدى وعلى حظك ...
_ بتجولى إيه يامه .. فين سنية ..
_ بجولك هربت مع عشيجها ياولدى .. الخاينة ... مكنش إبنك ...
_ بتجولى إيييه ...والله لأخلص عليها بنت الصرمة...
يهتف بها بغضب .. وهو يرفع سلاحه أمامه .. ويخرج من السرايا. ليبحث عنها ..
***
القاهرة 2018
تخطوا على الرصيف بقوامها الرشيق ، وكأنها تتقافز على طريق السعادة ،وتجرى اليها نسمات الخريف تحتضن وجنتها التى ترتسم بعلامات الفرح.. وتقف الرياح أمام شعرها القصير المثبت بعناية حتى لا يطير فى مسارها
انعكس ضوء الشمس الوهج داخل نظارتها الكبيرة العصرية بلون الذهبى ..
وضحكاتها اللطيفة الناعمة تخرج من شفتاها وتظهر أسنانها اللؤلؤية الصارخه بالبياض الناصع ..
فاليوم سيكون نقطة تحول كبير فى حياتها المهنية بعد أربع سنوات من المرور على المحامين وتلقى التدريب المكثف .
لن تعمل بعد الأن فى النوادي أو مراكز التجميل أو فى مهنة تقلل من شأنها الذي أصبح رفيعًا .. فكم تحملت من القهر فى بيت أباها .. وكم كانت محظوظة أن القدر أعطها فرصة غالية بالمكوث بعيدا فى العاصمة بجانب شقيقتها .
إرتفع صوت الهاتف المحمول .. فى جيب بنطالها الجينز بلون الثلج ، أخرجته .. وهى ترى رقم شقيقتها يعلو على شاشته .. ..
فرفعته الى أذناها تجيب بحماس .
_ هنادى ..!! أنا ..
فصدر صوت شقيقتها مقاطعا ..
_ أمانى ...
_ مالك ياهنادى فيك حاجة ..صوتك ماله كدا
_ لا بطمن عليك .. أنت كويسة ؟
_ نجحت ياهنادي نجحت ياختى .. أنت متخيلة العميل ...
لم تتوقف أمانى عن التحدث مع شقيقتها بحماس وهى تقف فى الطريق تنتظر إشارة المرور لكى تمر..
ولم تنتبه الى ذلك الشاب الذى يتربص بها من الخلف ، و يمد يده خاطفا منها الهاتف ..
لتنظر اليه بصدمة وهو يهرب من أمامها ..
لم تشعر بنفسها وهى تهرول خلفه وتشير اليه ، وتهتف
_ حرامي ...
تابعته بالجرى مسرعة ، تحت أنفاسها المتقطعة .. وقدمها التى شُرخت بسبب حذاء الكعب العالى ولم تعبئ لذلك .
وإستمرت .. على الجرى وراءه
حتى سقطت نظارتها من أمام عينها على الأرض ، فتوقفت فجأة وهى ترى المارة أمامها ينظرون إليها بغرابة.
أغمضت عيناها بقوة .. وجثت على الأرض تتحسس بيدها لتجد أين وقعت ..
وما إن وجدتها حتى رفعتها مسرعة على عيناها .
ودموعها تهرب من تحت نظارتها وهى تشير الى سيارة أجرة...
** **
جلست على فراشها ببطنها الكبيرة تشعر بركلات طفلها الذي ينمو فى أحشائها ، وطفلها الصغير الأخر بين يديها وجسدها يرتعش بشدة ، فمعاد قدوم زوجها لم يبقي عليه الى القليل ، أسرعت الى سجادتها .. وبدأت فى إقامة الصلاة .. وتبقى ساجدة على فراش السجادة لنصف ساعة كاملة تبكي بحرقة ، وتدعو الله .
أن يخلصها من عذابها ، وأن تجد مخرج لكي تنهى من تلك المأساة .
_ يارب إهديه .. لتاخده .. يارب بيعذبني وانت اللى شايف وعالم .. إرحمني يارب ..
يارب يارب ميضربنيش النهاردة أنا بجد تعبانة .
إنتهت من الصلاة ، ولا تتوقف على مناجاة ربها .. بالرحمة .
ودموعها سيلان من دماء ينذفها قلبها .
سمعت صوت إغلاق الباب بعنف وراءه لينتفض جسدها بلوعة .. وتذهب الى الصغير تحمله وتقف فى زاوية الغرفة .
إقترب منها وعيناه مليئة بالشرارة ويقول بصوت هادئ مليئ بسم الأفعى التى تنتظر أن تنقض على فريستها .
_ راحة يابنت التيت تقولى لأمى إنى بضربك ، راحة تحكى على سر بيتك بره .
قالها وهو يمسك الصغير ويلقيه على الفراش .. ويقوم بإمساكها من شعرها الطويل الناعم ويحوطه حول زراعيه بالكامل ..
ويسحبها منه فى كامل البيت وهى زاحفة على الأرض ، تحت صرخاتها التى تخرج من أعماق قلبها ، وعيناها التى تذرف الدموع عليها وعلى طفلها الصغير الذي بداخل أحشائها ..
ويقذفها بداخل الجدران .. باقصي قوته .. تحت أذن أمه وأباه ..
ولم يعبؤا لها .. ولا لطفليها .. ولم يتذكروا أنها تحملهم جميعا على رأسها .. بطهو الطعام .. وكافه أعمال البيت .. كل ذلك وهى إمرأه تحمل جنينها ..الذي على وشك الخروج الى الحياة .
إبتعد عنها بعد أن شعر بالتعب ، وجلس على الفراش لكى يرتاح قليلا ..
وهى فقط تبكي ..على كل حياتها .. فهى لم تتمنى الثراء او أى شئ ، أرادت فقط أن تتزوج شخص يقدم لها الحب والأمان .. لها ولطفليها .. لم تتخيل أبدا أنه سيء عندما رأته اول مرة .. وإلى الأن تشعر أنها تعيش كبوسا أسود .. لا تعلم متى ستقوم بالإستيقاظ منه .
وإن إستيقظت ؟ هل سيكون على الموت .. أم بالعودة الى الماضي .
نزلت الى الشقة السفلية الخاصة بحماتها ، تطهو لها الطعام .. وعلى يدها طفلها الصغير يبكى من جوعه ..
...وبعد أن قامت بكافة الأمور التى وكلت بفعلها غصبا ..
صعدت الى شقتها وهى تدعو الله أن تدخل عليه وتراه جسدا بلا روح .
وفى كل مرة يخيب امالها .. ويبقي الخوف يسكن عيناها وقلبها ..
_ تعالى ..
_ حرام عليك .. أنا هولد قريب .. مينفعش . أبوس إيدك ..
لم يستمع الى كلامها ووسحبها غصبا والقاها على الفراش .. دون أدنى شفقة
. وما إن ينتهي .. حتى تطول يده على جسدها ضربا بقوة ..
ويبقي ليلها ونهارها سيد أوجاعها ، حتى أنها تساءلت فى نفسها ..
_ منين جبتي القوة دي ياهنادي ، قولى منين .. عشان تستحملى كل الهم ده ، ولا حتى عارفه تشكي همك لختك ولا أى حد من أهلك .. ياعيني على شبابي .. وياعيني عليك ياللي فى بطني .. هتخرج لدنيا السودة دي وتشوف أبوك اللى منعدوش رحمة ..
سامحني غصب عني .. ياضي عيني ، ابوك اللى أجبرني أجيبك ..
قالتها وهى تنام على الارض بحسرتها ودموعها تفترش من الأرض سريرًا باردًا لها ولطفلها .
وفى الصباح الباكر ..
تسللت اشعة الصباح تنبأ بجو بنسمات مريحة منتعشة ، لكن ،من أين تأتى الراحة والعيون تسكنها الخوف والألم .
قام من فراشه يخطو بقربها ، ليجعلها تستيقظ حتى يقوم بتعنيفها ، فاستسلمت لأمرها لكى لا تتلقى الضرب ، فيكفى... فلم يعد جسدها يتحمل أكثر.
ولم تعرف أن صاحب الطبع السيئ لا يتغير أبدا .. وإن أضيئت بأصابعها الشموع بالذهب .. سيبقي كما هو ..
وبعد أن نال منها .. لم يتركها الا وجعلها تبكي وتصيح من كثرة الضرب المبرح ..
_ هشش متعيطيش ... ...تاخدى الضرب وأنت ساكته ..إخرسي
ليمر اليوم كعادته الدائمة ، صباحا ومساءا مع الضرب المبرح .. والكلمات البذيئة.
أسرعت إلى الحمام بعد خروجه من المنزل ، وهى تحمل سكينا حادا ..
وقلبها يصرخ لها لكى تقتل نفسها وتستريح ، وعيناها تضئ لها بذكرياتها المُرة معه ..
جزت على اسنانها وهى تلعن كل شئ .. ومع أول خطوة ..وهى تمرر السكين على عروق يدها ، علا صوت صغيرها يدوى داخل اذناها بألم .. وركلات الصغير تركل داخل بطنها ..
فوقع السكين من يدها فورًا.. وخرج من حنجرتها صوتا به آلام الدنيا تعلم انه أتى من قلبها الجريح ..
****
خرجت من عيادة الطبيب وقلبها يرقص فرحا ، فقد بشرها الطبيب بحملها بعد ثلاث سنوات من العذاب.
مدت أصابع يدها لكى تضعها فى يد زوجها . وتنظر اليه بعينان مليئة بالسعادة التى إختفت تدريجيا من شفتياها وهى ترى وجهه المتبلد من أى مشاعر .
فرفعت النقاب من على رأسها لتريه فرحتها ..
_أخيرا يا ماهر هتبقي أب .. وأنا هبقي ام . أنا سعيدة اووى.
قالتها بعيون لامعة .. وهى تجلس بقرب زوجها بالسيارة .
زفر ماهر بشدة وأبعد يدها عنه وقام بإنزال نقابها على وجهها .. وقال .
_ جيهان ....إبعدى بقي عني .. ومتقرفنيش مش عاوز اسمع صوتك دا خالص ...
_ أقرفك ؟ أنت تقصد إيه بكلامك دا .
ساد الصمت ولم يتحدث بكلمة واحدة لكى يهدأ النيران التى شبت فى كافة أنحاء جسدها .
وبعد وصلهما الى المنزل ..
تفرقا عن بعضهما وكلا منهما ذهب الى غرفته .. نعم فكل منهما يملك غرفة خاصة به بعيدا عن الثاني برغم أنهما زوحان .. .
فقد أجبرها على ذلك منذ بداية الزواج ، وقد أوجعها هذا البرود الصادر منه ، فشخصية مثلها لا تتحمل البرود ، وخاصة أنها فتاة دافئة من الداخل ، تسمي نفسها الباحثة عن الحب ، التى لم تجده فى زوجها ولا فى أى أحد ، فقد كانت يتيمة هى وأختها يرعاهم الأغراب كباقى الأيتام .. يتغير المدير كل فترة ،ويتوقف الزائرين القدامى ويأتى جدد. حتى لم يبقي لها أحدا معين تشعر معه بالألفة ..و لم تشعر فى يوم أن هذا بيتهما .. بل كان كالسجن .. الذي يأويهم من غدر البشر ..
وفى يوم جاءت أسرة لطيفة وتبنت أختها الصغيرة ، وبقت هى وحيدة فى ذلك الميتم تشتاق الى أختها ، وحينما كبرت بثقل الأيام والسنين .. ذهبت تبحث عن أختها .. معتقدة أن أسرة اختها ستتكفل بها ..لكن وجدت اختها قد تزوجت برغم صغرها ، حتى عائلة زوجها.. لم يرحبوا بوجودها . لم يمر الوقت طويلا حتى إختارها رجلا فاحش الثراء يقتن فى منزل ضخم بمفردة ويملك مشفى كبيرة خاصة به . رأها تمشي فى الطريق وهو يركب سيارته .. فتابعها .. وذهب الى أهل أختها .. يطلب يدها...
فأسرعت فى الموافقة ، نستها الأيام .. حتى عانقت وحدتها فى ظلام الليل ..
اعتقدت أنها فرصة ثمينة ، وأن أحضان زوجها لن تتركها لثوان .
ولم تعلم أنه جاف ، بارد ، لا يوجد لديه اى مشاعر دافئة لها ..
حتى أنه لم يقترب منها أول سنة من الزواج وظل بعيدا عنها ينهك نفسه فى العمل ، حتى طلبت منه الحب والكلمات المعسولة بل لا يقترب منها ابدا حتى تطلب منه المشاعر الدافئة .. ولا يلبي طلبها الا مرات معدودة على اصابع اليد .
ولأن جيهان كانت شخصية حنونة كانت تشعر بالفراغ الشديد، كل ذلك فوق طاقتها ، لا تجد حبا ، لا يوجد دفء.. فكانت كالجائعة التى تتوسل عناق .. تتوسل الحب فى ظلمت الليل .
ومهما تفعل لا تشعر بالاكتمال فلا توجد علاقة كاملة بدون دفئ واحتواء .. وهى فقدت كليهما.
وبعد مرور ثلاث أشهر ..
لم يظهر الحمل عليها بعد ، ذهبت متزينة بأجمل الثياب والروائح العطرة بالزهور، تطرق غرفة زوجها بعشم كا كل مرة تحاول معه كي يجلس معها ويحاورها مثل ما يفعل اى زوجين .
_ ماهر حبيبي ..إفتح عاوزة أقولك على حاجة ..
قالتها وهى تتطرق باب الغرفة
ليأتى صوته من وراء باب غرفته ..
_ مش دلوقتى ياجيهان بعدين ..
_ إفتح بس
_ هاااه ... نعم ..
_ ممكن أعد معاك شوية ..
زفر بشدة وهو يفتح لها باب غرفته وينظر اليها باستحقار .. وهى تدخل و تتحامل على نفسها ..
جلست على فراشه بجانبه ..، وتربت على ظهره.. فأبعد يدها بعنف ... فقالت
_ وحشتني .. هو إنت ليه مش طيب معايا ومش بتحضني
_ يوووه .. ..
_ حرام عليك .. نفسي مرة تقولي كلام حلو
_ بقولك ايه انا مش فاضي .. إخرجي من الأوضة .. شوفى مصلحتك
تسمع الكلمات وتذبحها داخليًا ، تطلب وتتوسل وكعادتها .. تذهب الى الغرفة الخاصة بها .. وتغلقها ..
وتنتابها نوبة بكاء ويغزو عقلها تأنيب الضمير .
( أنا أكيد فيا حاجه وحشة عشان مش عاوز يقرب منى .. أنا هحاول ارضيه .. يارب إهديه ليا .. أنا مليش غيره .. يارب ....يحبني ويعطف عليا .. نفسي أحس إنى مش وحيدة...)
تقولها بحسرة وبكاء ثم تذهب لتستحم وتصلي .. وتقوم بقراءة القران ، وتستغفر طوال الليل ..

مئة قبلة مع عدوي "مكتملة" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن