30..موت مزيف

2.3K 59 15
                                    

سمع حازم و سيفنش صوت ضجة في الخارج فخرجا مسرعين و هناك علما بما حدث..لم تستطع سيفنش اخفاء دموعها فيما اقترب حازم ابنه ياغيز و وضع يده على كتفه لكي يواسيه لكنه ابتعد عنه مسرعا و هو يصيح في وجهه بعصبية" هل ارتحت الآن سيد حازم ايجمان؟ هل ضميرك مرتاح هكذا؟ هل سلِم الآن اسم العائلة العظيم من التلوث و الفضيحة؟ خذ اسم عائلتك و احتفظ به..ها هو سيظل ناصعا على الدوام" ثم نظر الى أمه و أبيه و رفع اصبع التهديد في وجهيهما و هو يقول بصوت خنقته الدموع" لن أغفر لكما ما فعلتماه معها و كيف قسوتما عليها و تسببتما في خسارتي لها..لن أسامحكما أبدا..فلتنسوا بأن لكما ابن اسمه ياغيز..ستخسرانني مثلما خسرتها..لا تقتربا مني بعد اليوم..سيكون لكل منا حياته المنفصلة عن الآخر..خذا متاعكما و اذهبا من هنا..أريد أن أبقى لوحدي" نظرت اليه سيفنش و قالت" بني..لا تقسو علينا..لم يبقى لنا سوى بعضنا البعض..ألا تكفينا خسارة أختك المرحومة؟ و الآن هل سنخسرك أنت أيضا؟ أرجوك بني..لا تحملنا ذنب ما حصل لهزان..أقسم لك بأنني أحببتها من كل قلبي و كأنها ابنتي الحقيقية..و لن أنسى يوما ما فعلته من أجلي و من أجل عائلتي..لكن ما باليد حيلة..هكذا شاءت الأقدار..لنعد مع بعضنا الى اسطنبول..سندفن ما تبقى من الجثة هناك و سنقيم لها عزاء يليق بها..هذا واجبنا تجاهها..ألن تقوم أنت بواجبك هذا تجاهها؟" ابتسم ياغيز بمرارة و رد" الآن تذكرتما واجبكما تجاهها؟ ألم يكن جديرا بكما أن تسعدا قلبها و أن تدعماها عندما طلبت منكما ما هو حق لها؟ لم تعرفا قيمتها و هي أمامكما..هل ستعرفان قيمتها الآن و هي غائبة؟ لن أعود معكما..و لن أشارك في هذه المسرحية البغيظة..أنتما ستدفنان هزان إيجمان لكي تردا لها جميل ما فعلته معكما و لكي تكفران عن ذبنكما تجاهها..أما أنا فأحببت هزان شامكران..و هي بالنسبة الي ما تزال على قيد الحياة..سأبقى هنا مع صوتها و ضحكتها و ذكرياتنا الجميلة معا..و تستطيعان اختراع حجة مناسبة لمن يسأل عني" طأطأ أبوه رأسه و تمتم بصوت خافت" حسنا بني..افعل ما تراه مناسبا..ما أريد أن أقوله لك هو أنني آسف من كل قلبي لما حدث..أنا أحب هزان كثيرا و كأنها ابنتي..لكنني فقدت السيطرة على أعصابي للحظة و أسمعتها كلاما قاسيا..ليت لي فرصة للاعتذار منها..أو ليتني أستطيع اعادة الزمن الى الوراء لكي أمنع نفسي من ارتكاب ذاك الخطأ الشنيع..أتمنى أن تسامحني يا بني..و حاول أن تتقبل الحقيقة لكي لا تعذب نفسك..ليرحمها الله" هز ياغيز رأسه بالنفي و أخذ يردد بإصرار" لا تقل هذا..هزان لم تمت..هزان مازالت على قيد الحياة..أنا واثق من هذا..قلبي يحدثني بأنها موجودة في مكان ما..أستطيع الشعور بتنفسها و بنبض قلبها..هزان لم تمت..أنا متأكد" رفع حازم يديه باستسلام و نظر الى زوجته و هو يقول" هيا لنذهب من هنا" ..
في بيت خشبي في منطقة جبلية نائية..وقف جواد قبالة مسعود و قال و هو يعطيه رزمة من الأموال" خذ..هذا أجر خدمتك..لكن تذكر..اياك أن تفتح فمك و الا لن تجد وقتا لصرف هذه الأموال الطائلة" ابتسم مسعود و رد" لا تقلق يا سيدي..أنا أعشق حياتي مثلما أعشق هذه الأوراق النقدية..كلاهما غالي علي و لا أريد أن أخسرهما..سرّك في الحفظ و الصون..و لا تنسى..أنا تحت أمرك متى أردتني" ربت جواد على كتفه و قال" أعلم هذا..أريدك أن تنفذ آخر أمر طلبته منك..لكن ليس اليوم..سأتصل بك و أعلمك بالموعد متى تصير العروس جاهزة..اختفي هذه المدة و استمتع بالأموال..و اياك أن تفتح فمك..أعرفك جيدا عندما تشرب و تثمل و تتحدث بالهراء هنا و هناك..لا تجبرني على قطع لسانك..هل فهمت؟" هز مسعود رأسه بالايجاب و قال" فهمت..هل تريد مني شيئا آخرا الآن؟ هل ستكفيك المؤن التي أحضرتها لك؟" اجاب جواد" ستكفي..لا تقلق..هيا اذهب ما دام الجو مظلما لكي لا يراك أحد و لا تلفت الانتباه" لوح مسعود بيده مودّعا و غادر بشاحنته البيك آب..بعد ذهابه..وقف جواد أمام المدفأة و عاد بذاكرته الى ما اقترفته يداه من إجرام..كانت جيداء قد دخلت الى غرفتها لكي تنام..انتظر لبعض الوقت ثم دخل اليها..أخذ الوسادة التي كانت بجانبها و وضعها على وجهها و ضغط عليها..تخبطت لبعض الوقت و خدشت يده بأظافرها ثم استسلمت لموتها المحتوم..عندما تأكد من موتها..اتصل بمسعود و طلب  منه المجيء اليه ففعل..و اتفقا معا على اجبار هزان على الخروج من المزرعة..كانوا يخططون للاتصال بها لكي تأتي اليهم بحجة أن لديهم حيوانا مريضا لكنهما خشيا من لفت الانتباه اليهما..فأرسل جواد الرسالة لحازم و انتظر ماذا سيحدث..كان يعلم بأن الكلام عن علاقة بين ياغيز و هزان سيستفز حازم و يدفعه الى الذهاب الى المزرعة لكي يتأكد..اتفق جواد مع مسعود على الانتظار على جانب الطريق الرئيسية على أمل أن تمر هزان من هناك..و هو ما حصل فعلا..قام جواد بتخدير هزان و ابعادها الى المنزل بينما تولى مسعود مهمة وضع جثة جيداء في السيارة و قاد بها لمدة من الزمن و عندما أدرك بأنه على مقربة من الهاوية..أطلق الفرامل و غادر السيارة التي سقطت من أعلى الجرف و انفجرت فور سقوطها و اشتعلت الجثة داخلها..و لم ينسى طبعا أن يلقي بأغراض هزان التي أخذوها منها بالقرب من مكان الحادث لكي يتأكد الجميع بأن هزان هي التي كانت في السيارة..
سمع جواد صوت هزان التي قيدها و كمّم فمها بمجرّد استيقاظها لكي لا تصدر صوتا..كانت قد جنّت و ضربته بمجرد أن فتحت عيونها و رأته أمامها..صاحت به" مالذي أفعله هنا جواد؟ لماذا أحضرتني الى هنا؟ مالذي تريده مني؟ و لماذا تنظر الي هكذا؟ هلا سمحت لي بالذهاب..لا بد بأن عائلتي قلقة جدا علي" انفجر جواد عندئذ ضاحكا و رد" عائلتك؟ لم يبقى لك عائلتك سواي..أنا عائلتك الوحيدة من الآن فصاعدا..استوعبي هذا و ضعيه جيدا في عقلك" نظرت اليه بريبة و سألت" و لماذا تقول هذا الكلام الغريب؟ هل حدث شيء لياغيز و لأبويه؟ هل فعلت لهم شيئا؟ هل آذيتهم؟ هل وصل بك الجنون الى هذه الدرجة؟" اجابها و هو يضحك بطريقة مستفزة" جنون؟ نعم..انه جنون..أنا مجنون بك هزان..أحبك حد الجنون..حد التطرّف..حد اللامنطقي و اللامعقول..و لن أتوقف الى أن تصبحي لي..أريدك أن تكوني لي..أن تكوني حبيبتي و زوجتي و أم أولادي..أريدك هزان..و تأكدي بأنني لن أؤذيك..أريدك فقط أن تستوعبي بأنك صرت ميتة في عيون الجميع..و لم يعد لك وجود في الخارج..أنت موجودة هنا فقط..معي أنا" عندها ضربته هزان و حاولت أن تهرب فاضطر الى تقييدها و تكميم فمها..و الآن..سمع صوت همهمتها فاقترب منها..كانت مقيدة على كرسي في غرفة في الطابق العلوي..نظر اليها و قال" سأفتح لك فمك اذا وعدتني بأنك ستكونين هادئة" هزت برأسها موافقة ففتح لها فمها..قالت" جواد..أرجوك..أطلق سراحي..و دعني أذهب من هنا..و لن أخبر أحدا عما حصل..و لن أذكر اسمك أبدا..المهم أن أعود الى عائلتي" سألها بغضب" الى عائلتك أم الى حبيبك ياغيز؟ ها؟ أجيبي..تريدين أن تعودي اليه؟ و هل أنا أحمق لكي أعيدك اليه بعد أن صرت معي؟ ثم لماذا لا تفهمين بأنك صرت ميتة في عيونه و في عيون الجميع..هل تريدين أن تري خبر موتك في التلفاز؟ حسنا..سأريك اياه" ثم فتح التلفاز و أراها الخبر العاجل الذي يقرّ بموتها في حادث سيارة..حملقت فيه و كأنها لا تصدّق ما تراه..امتلأت عيونها بالدموع و قالت" لا أصدق..غير معقول..ما هذا الذي فعلته؟ كيف تزوّر موتي بهذه الطريقة الحقيرة؟ هل أنت معتوه ام مجرم أم ماذا؟ ألم تفكر و لو للحظة واحدة في حازم و سيفنش؟ مالذي سيصيبهما عندما يتكرر أمامهما موت ابنتهما؟ كيف سيتجاوزان هذه المأساة؟ كيف لم أرى حقيقتك هذه؟ كيف لم أرى وجهك المخيف هذا من قبل؟ ثم كيف عرفت بعلاقتي بياغيز؟ من أخبرك عنا؟ أو ربما..أنت..أنت من حاول قتل ياغيز..أليس كذلك؟ و لا أستغرب أن تكون أنت من قتل يلدز لكي لا تفضحك و تفضح دنائتك و جنونك أمام عائلتيكما..أليس كذلك؟" ضحك جواد بطريقة مخيفة و رد" نعم..لقد علمت..و كشفت كل أسراري..أنا من فعل كل هذا..أنا من قتل يلدز لكي لا تفضح علاقتي بنازلي..لم أحب يلدز يوما..أبي هو من أجبرني على التقرب منها و ايهامها بحبي لكي أحصل على ثروتها..لأننا أفلسنا..و نعم..أنا من حاول قتل ياغيز..ذلك الحقير الذي أخذك مني..و يحاول أن يجعلك تصدقينه..انه لا يحبك..صدقيني..لا أحد يحبك مثلما أفعل أنا..أرأيت ما أنا قادر على فعله من أجلك..هل يستطيع هو فعل هذا؟ أبدا..هو لا يحبك هزان..أنا الوحيد الذي يحبك بصدق..انظري..لم يبقى لك سواي أنا..اهدئي و تقبلي الأمر..أيام قليلة و سأحضر المأذون الى هنا لكي تصبحي زوجتي بصفة رسمية..و عندها لن يستطيع أحد أخذك مني" صاحت به هزان" لن يحدث هذا الا على جثتي..هل فهمت؟ أنا لا أحبك..و لن أتزوجك أبدا..أنا أحب ياغيز..و هو الرجل الوحيد الذي أريد الزواج منه..أنت مجنون..معتوه..حقير..و.." لم تستطع أن تنهي كلامها لأنه أعاد تكميم فمها و خرج من الغرفة صافقا الباب وراءه بعنف..لم تستطع هزان منع دموعها من الانحدار بغزارة على خديها..عقلها لا يستطيع استيعاب ما حدث معها..أيعقل بأنها ميتة الآن في عيون الجميع؟ أيعقل بأن يصدق ياغيز بأنها لم تعد موجودة؟ ألا يمكن أن تحدث معجزة و يعرف أحدهم مكانها و يساعدها على الهرب من هنا لكي تعود الى حبيبها؟ لا تستطيع تخيل حالة الحزن و الكآبة التي هو عليها الآن..لا تفرط به..و لا تحتمل رؤية دموعه..و حازم و سيفنش..المساكين..رغم أن حازم قسى عليها..لكنها لا تتمنى له أن يعيش نفس الألم من جديد..لا هو و لا سيفنش..
في اليوم الموالي..أقامت عائلة ايجمان مراسم الدفن بحضور بتول التي كانت منهارة و تبكي دون توقف و لم تستطع اكمال المراسم بل أغمي عليها من شدة الحزن على صديقة عمرها..رافقها أنور الى منزلها بعد أن أعطاها الطبيب مهدئا..جلس بجانب سريرها و ظل ممسكا بيدها طوال الوقت..و ما ان فتحت عيونها و رأته أمامها حتى عادت للبكاء بمرارة فاحتواها بين ذراعيه و هو يقول" حياتي..اهدئي لو سمحت..لا يجوز هذا الذي تفعلينه..انك تهلكين نفسك..أعلم بأن المرحومة كانت بمثابة أخت بالنسبة لك..لكنه القدر..لا نستطيع الاعتراض..ليرحمها الله و ليجعل مثواها الجنة" ردت بتول و هي تشهق" لا أصدق..قلبي يأبى أن يصدق..أتمنى أن يكون كل هذا عبارة عن كابوس مزعج و سأصحو منه قريبا..هزان لم تكن فقط رفيقتي و أختي..بل كانت كل عائلتي و كل أهلي..كانت حنونة و طيبة و صادقة و محبّة..لم يكن لها مثيل..كيف سأعتاد غيابها؟ كيف؟ كيف فرطوا فيها و وضعوها تحت التراب؟ يالله..لا أكاد أصدق..ألن أراها ثانية؟ ألن نتحدث معا؟ ألن أشكو اليها همي؟ ألن أنصحها و تنصحني؟ ألن تشاركني أفراحي و أتراحي؟ لا..لا..لا أستطيع تحمل كل هذا..هذا كثير علي..أرجوك أنور..أخبرني بأنها حية و بأنها ستعود قريبا..أرجوك" ضغط أنور على جسدها بين ذراعيه و سالت دموعه تأثرا بكلامها و راح يداعب خصلات شعرها و يقول" لا تفعلي هذا يا روحي..ادعي لها بالرحمة..و حاولي أن تتقبلي الحقيقة..أرجوك حياتي" ابتعدت بتول عنه و سألت بغضب" أنور..أين ياغيز؟ لم أره في الجنازة..ألهذه الدرجة لا يعنيه الأمر؟ لماذا لم يكن في الوداع الأخير للمرأة التي يدعي حبها؟" أجاب" لا تظلميه بتول..ياغيز يرفض تقبل الحقيقة..لقد اتصلت به فأخبرني بأنه لا يصدق بأن هزان ماتت و بأنه واثق بأنها على قيد الحياة..انه ينتظر نتيجة فحص الحمض النووي التي طلب من الضابط أن يجريه للجثة او لما تبقى منها..و بمجرد أن أحصل عليه سأذهب اليه الى المزرعة..لم يكن بخير أبدا..كان يتحدث بهدوء و يؤكد بأن تلك التي ماتت ليست هزان..أشك بأنه على وشك أن يفقد عقله..المسكين..لا يستطيع تقبل الأمر" أمسكت بتول يدي أنور و قالت بلهفة" أيعقل أنه يعرف أمرا لا نعرفه نحن؟ أيعقل بأن هزان معه و هو يخفيها عن الجميع؟" نظر اليها أنور و قال" حياتي..لا تفعلي هذا..لا تتأملي عبثا..ياغيز يعشق هزان بشدة و عقله يأبى تصديق حقيقة فقدانه لها لهذا يصور له أمورا مستحيلة..لا تكوني مثله لو سمحت" قطبت بتول جبينها و قالت" حسنا..لكنني أريد أن أذهب معك اليه" هز أنور رأسه موافقا ثم أجاب على هاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين..انه الضابط يخبره بأن نتيجة التحليل جاهزة و بأن النتيجة ايجابية..الجثة لهزان مع الأسف..لأن جواد جهز نفسه لهذا و قص بعضا من شعر هزان و أعطاه لمسعود لكي يلقيه بجانب السيارة و هو ما جعل النتيجة تكون ايجابية..
في المستشفى..جلست نازلي أمام قسم الأمراض النسائية و هي تبكي و تضع يدها على بطنها..لقد اتخذت القرار بإجهاض حملها و أحزنها خبر موت هزان أيضا..لم تكن تتمنى لها نهاية محزنة كهذه..سمعت صوتا بجانبها..رفعت رأسها فرأت رجلا أربعينيا وسيما يرتدي مئزرا أبيضا يشير الى أنه طبيب..( الممثل باريش كيليتش)

لَسْنا إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن