2..أمل..و ألم

2.6K 77 31
                                    

حملقت هزان في طبيبها سليم و كأنها لا تصدق ما تسمعه منه..لطالما حلمت بإنتهاء معاناتها و بالحصول على قلب جديد يعطي لحياتها معنى و يجعلها تحقق كلما ترغب في تحقيقه دون خوف أو تردد..امسكت بتول يديها و قالت و قد انهمرت دموع الفرح على خديها" ألم أقل لك؟ ألم أخبرك بأن الله سيستجيب لدعائنا؟ افرحي يا أختي الحبيبة..ستحصلين على قلب جديد لطالما انتظرته..الحمد لله" تجمعت الدموع في عيون هزان و رفعتهما نحو السماء و راحت تردد" الحمد لله..شكرا لك يا إلاهي لأنك نظرت بعين عطفك و رحمتك إلي..الحمد لله" ابتسم الدكتور سليم و قال" حسنا..لقد التهينا بما فيه الكفاية..و الآن حان وقت الجد..هزان..ستجهزك الممرضة للعملية التي ستكون بعد قليل..مؤشراتك جيدة و معنوياتك أيضا..لا يوجد ما يدعونا للتأخر او التأجيل..نلتقي في غرفة العمليات..عن إذنك" همّ سليم بالابتعاد عندما استوقفته هزان بسؤالها" دكتور..هل لي بأن أعلم من هو صاحب القلب الذي سأحصل عليه؟ ترى هل هو فتاة أم شاب؟ و كيف انتهى به الحال الى الوفاة؟ هل هو حادث أم ماذا؟ هل تستطيع أن تجيبني؟" زم الطبيب شفتيه و أجاب" مع الأسف هزان..لا أملك اجابات لأسئلتك الكثيرة هذه..ما أعرفه فقط هو أن الضحية توفي في حادث سير منذ قليل..أما بقية المعلومات فسأحاول الحصول عليها بعد العملية..لا تشغلي بالك بكل هذا..ركزي على عمليتك المنتظرة و على قلبك الصحي الجديد..اتفقنا؟" هزت هزان برأسها و ردت" تمام..اتفقنا" ..

في شركة إيجمان للأجبان و الألبان..كان ياغيز يجلس خلف مكتبه و يناقش مع موظفيه خططا جديدة للانتاج عندما رن هاتفه و رأى اسم أبيه على الشاشة..اجاب دون تردد" نعم أبي..خيرا؟ لست معتادا على الاتصال بي أثناء توقيت العمل" تكلم الرجل بصعوبة على الطرف المقابل..كان صوته مختنقا بالعبرات و هو يقول" بني..تعالى الى المشفى..أختك هناك..يجب أن تأتي على الفور" انتفض ياغيز واقفا و صاح بقلق" أختي..يلدز؟ مشفى؟ ماذا تفعل هناك؟ هل هي بخير؟ أجبني لو سمحت" صمت حازم قليلا ثم أجاب" ياغيز..اهدأ يا بني..أختك تعرضت لحادث سير مروّع..و هي الآن في غرفة العمليات..لا تتأخر..أنا و أمك نحتاجك" أخذ ياغيز مفاتيح سيارته من على الطاولة و اندفع خارجا بسرعة و هو لا يدري كيف تطئ خطاه الأرض..انقبض قلبه بشدة و راحت صور أخته و صوتها و ذكرياته معها تمر كالشريط أمام عينيه التي تجمعت الدموع فيهما..لطالما كانت يلدز مدلّلته الصغيرة..و صديقته التي يشاركها أسراره..و أخته التي يحبها أكثر من نفسه..و الآن هاهو وجها لوجه مع امكانية فقدانه لها..و هذا ما لن يكون قادرا على تحمله..عشر دقائق و كان ياغيز يدخل باب المشفى و يتجه مباشرة الى غرفة العمليات..خطاه التي كانت سريعة و متلهفة..صارت بطيئة و متثاقلة و هو يرى أباه يحتضن أمه و يبكيان بصوت عالي..أنفاسه تثاقلت و صارت تحرق رئتيه و هو يتخيل بأن أخته الموجودة في غرفة العمليات قد توقفت عن التنفس..الشمس التي استيقظ اليوم متفائلا بها و مستمتعا بأشعتها الذهبية تحولت فجأة الى ظلام دامس يهجم عليه و يخنقه..استجمع ياغيز نفسه و اقترب من الطبيب الذي كان واقفا يواسي صديقه حازم..سأله بلهفة" عم مدحت..كيف حال أختي؟ هل هي بخير؟ كيف كانت عمليتها؟ أرجوك طمئنّي عليها" نظر مدحت الى ياغيز بعيون حزينة و رد" مع الأسف يا بني..كنت أتمنى بأن  أعطيك أخبارا سارة..لكن مع الأسف..وضعها كان حرجا جدا عندما أحضرتها سيارة الاسعاف..فعلنا كل ما بوسعنا..لكن الأعمار بيد الله وحده..تعازي القلبية..ليرحمها الله" هز ياغيز رأسه بالنفي و راح يردد" كلا..مستحيل..هذا ليس صحيحا..انت مخطئ..أختي على قيد الحياة..هي لم تمت..لا بد و أنها تمزح احدى مزحاتها الثقيلة..انها تشاغب مثل عادتها..أنا أعرفها جيدا..يلدز لن تذهب و تتركني لوحدي..انها أختي الوحيدة..انها حبيبتي القصيرة..لن تفعل هذا بأخيها..هذا مستحيل" اقترب حازم من ياغيز و عانقه بشدة و هو يقول" يجب أن تهدأ بني..أختك فارقتنا..ليرحمها الله..يجب أن نكون أقوياء..أمك منهارة جدا..و نحن من يجب أن نواسيها..أرجوك بني..تماسك..من أجلي و من أجل أمك" انفجر ياغيز بالبكاء بين أحضان أبيه و هو يشعر بأن الكون يتساقط من حوله..انتظر الطبيب للحظات قبل أن يقترب من حازم و يقول" حازم..صديقي..أعلم بأنك لم تكد تستوعب خسارتك لابنتك..لكن ما سأخبرك به أمر هام و يحتاج الى موافقتك" قطب حازم جبينه و سأل" و ما ذاك؟" أجاب مدحت" ابنتك مسجلة في برنامج التبرع بالأعضاء..و هذا ما أكدته لنا بطاقة وجدناها في أغراضها..كنت أريد أن آخذ موافقتك لكي.." قاطعه ياغيز بعصبية" ماذا تقول يا هذا؟ عن أي تبرع تتحدث؟ ألا يكفي أنها ماتت؟ تريدون أن تنتزعوا اعضاءها و تشوهوا جثتها؟ لا..لن أسمح لكم بذلك" صمت حازم قليلا ثم قال" مدحت..افعل ما يتطلبه الأمر..أنا موافق" ابتعد الطبيب فيما حملق ياغيز في أبيه بغضب قبل أن يسأله" ابي..هل انت واع لما فعلته؟ كيف تسمح لهم بهذا؟ أتعلم ما معنى أن يأخذوا أعضاء أختي؟ انهم يشوهون جسدها و .." قاطعه حازم" ياغيز..هذا يكفي..انها رغبة أختك..لقد حدثتني عن هذا منذ مدة..و أخبرتني بأنها انخرطت في منظومة التبرع بالأعضاء..كانت تريد أن ينتفع المحتاجون بالأعضاء بعد موتها..كانت هذه رغبتها و أنا لن أعارض هذا بعد موتها..أختك غايتها نبيلة و انسانية..و أنا أدعمها في ذلك و أحترمها" لم يجد ياغيز كلاما يقوله لأبيه..فخيّر أن يصمت لأن عقله لا يكاد يستوعب ما حصل..

لَسْنا إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن