12..صدفة

2.3K 63 19
                                    

حملق ياغيز في نازلي و كأنه لا يصدق وجودها الآن أمامه..اقتربت هي منه و طبعت على خده قبلة سريعة قبل أن تقول بنبرة مازحة" انظروا اليه كيف صعقته المفاجأة..حبيبي..تنفّس..لقد أتيت لكي أشاركك يوم عطلتي..اشتقت اليك كثيرا" ابتسم ياغيز ببرود و لم يقل شيئا..اقترب جواد من هزان و مد يده يصافحها و يقول" مرحبا هزان..كيف حالك؟ أرجو أن تكون أعجبتك المزرعة" ردت هزان مبتسمة" انها رائعة..و أنا بخير..شكرا لك..كيف حالك أنت؟" أجاب جواد" في أفضل حال" نظر اليهم حازم و قال" هيا جميعا الى المائدة..الفطور جاهز" امسك ياغيز بيد نازلي و قال" اسبقونا أنتم..أنا سآخذ نازلي منكم قليلا..عن اذنكم" و جذبها من يدها الى الخارج..مشت نازلي معه و هي تقول" حبيبي مالأمر؟ لماذا تسحبني هكذا؟ هل ازعجتك المفاجأة؟" توقف ياغيز و رد بعصبية" نازلي..مالذي أتى بك الى هنا؟ مالذي جعلك تتركين عملك و تلحقين بي الى هنا؟ أرجو ألا يكون هراء الغيرة الغير مبررة التي تنتابك" انتزعت نازلي يدها منه و قالت عاتبة" آسف سيد ياغيز..لم أكن اعلم بأن مجيئي الى هنا سيزعجك..نعم تركت عملي لأنني اشتقت اليك و أردت أن أقضي معك بعض الوقت..أليس هذا من حقي؟ ألست خطيبي؟ أم تفضل أن تخصص كل وقتك للوافدة الجديدة التي تدعى هزان؟" قطب ياغيز جبينه و رد" نازلي..أعلم جيدا مالذي اتى بك الى هنا..أيعقل أن تغاري من هزان؟ انها فتاة لطيفة و مسكينة و أنا أخطأت بحقها كثيرا و أحاول أن أتلافى أخطائي..و كوني مطمئنة..انها لا تثير فيّ أية مشاعر قد تشكل خطرا عليك..أتعاطف معها فقط و أسعى الى جعلها تكون مرتاحة وسط عائلتنا التي صارت عائلتها هي أيضا..هذه العطلة كانت فرصة جيدة لكي اتعرف عليها و أعرفها أكثر..انزعي من عقلك هذه الأفكار الغبية..هزان بمثابة أختي و .." قاطعته نازلي بحدة" و لكنها ليست أختك..أنتما لستما إخوة..لا رابطة دم تجمع بينكما..و هي فتاة جميلة و تقاربكما هذا يزعجني..لن أنكر هذا..البارحة عندما التهيت بها عني و نسيت أن تتصل بي غرت منها لأنها سرقتك مني و أخذت من وقتنا معا..ياغيز..حبيبي..أرجوك..لا تنشغل بها عني..و لا تنسى..أنت لي وحدي..و لن أقبل أن أشاركك مع أحد" مرر ياغيز أصابعه خلال خصلات شعره و قال" نازلي..أنت تعلمين بأنني أحبك و بأنني لا أرى غيرك..لكن هزان تحتاج الى رعاية و اهتمام..منذ أن قدمت الى هذه العائلة و أنا أزعجها و أجرحها دون وجه حق..و آذيتها أكثر من مرة..ثم تبين لي بأنني مخطئ و بأنها لا تستحق مني هذا..لذلك توجب علي أن أعوضها عن كل السوء الذي ألحقته بها و أن أظهر لها بأنني تقبلتها كجزء من هذه العائلة..اسمحي لي بأن أمنحها بعضا من وقتي لكي أريح ضميري و أصحح خطئي..أرجوك حبيبتي" لفت نازلي ذراعيها حول عنق ياغيز و قالت" حسنا حياتي..افعل اللازم..لكن لا تنسى بأنني أريد حقي منك و من وقتك..أنت لي..هل فهمت؟" ابتسم ياغيز و طبع على شفتيها قبلة خفيفة قبل ان يبتعد و يقول" هيا..لنعد الى الداخل أيتها الغيورة الجميلة" ..حول الطاولة..جلس الجميع يتناولون فطورهم..سأل حازم جواد" بني..كيف حال العمل؟ لقد بلغني بأن الشركة تعيش أزمة خانقة..هل هذا صحيح؟" رد" نعم..مع الأسف..صحيح..لكنني أعمل جاهدا على حلّ هذه الأزمة بسرعة" ابتسم حازم بسخرية و قال" المهم ألا يكون أبوك قد باع الشركة لتسديد ديون القمار الذي لا يتوقف عن لعبه..غريب امره..ألا يتعلّم أبدا؟ ألم يكفه بأنه تخلى عن منزل العائلة بسبب هذه اللعنة؟" ضغط جواد بشدة على الشوكة في يده لكي يخفي غضبه و امتعاضه مما قاله عمه ثم رد بهدوء" ليسامحك الله يا عمّاه..أبي توقف عن لعب القمار منذ مدة و صار يقضي أغلب وقته بين المنزل و الشركة..لقد تغير كثيرا و صار رجلا مسؤولا..اسأل نازلي ان لم تكن تصدقني أنا" ثم التفت الى نازلي و سألها" أليس كذلك يا نازلي؟" هزت نازلي برأسها و اجابت" بلى..أبي ناظم صار رجلا ملتزما بمنزله و عائلته..يقضي أغلب وقته مع أمي و يعتني بنا..لقد تغير فعلا" زم حازم شفتيه و قال" أتمنى ذلك..انه أخي..و أنا لا أتمنى له السوء أبدا..يسعدني كثيرا أن أراه في وضع جيد بعيد عن لعنة القمار التي جعلته يخسر الكثير" ربتت سيفنش على يد حازم و قالت" حبيبي..الانسان يتغير و يتعلّم من أخطاءه..و ناظم يملك أجمل عائلة..انظر الى هذين الولدين الرائعين اللذين رباهما..انهما نِعم الإخوة..جواد و نازلي..كم نحن محظوظان لأن ابننا و ابنتنا مرتبطان بكما" تكلم ياغيز دون تفكير" أمي..هزان ليست.." لكن هزان قاطعته و وضعت يدها على يده و قالت تساير المرأة" نعم يا أمي..نحن محظوظان كثيرا" نظر اليها ياغيز مطولا قبل أن يبعد عيونه عنها..أنهى الجميع فطورهم فطلبت نازلي من ياغيز أن يصطحبها في جولة على الحصان فوافق..صعدت نازلي الى الغرفة لكي تغير ثيابها فيما وقفت هزان بجانب فرسها خيال..تلاعبها كما علمها ياغيز..سمعت وقع خطوات خلفها..التفتت لترى ياغيز يقترب منها..قالت بحماس" أرأيت..لقد تعلمت كيف ألاعبها..ألست تلميذة مجتهدة؟" لم يجبها ياغيز بل جذبها من يدها حتى التصق جسدها بجسده و سأل بعصبية" هزان..مالذي تحاولين فعله؟" نظرت اليه باستغراب و قالت" ماذا تقصد؟ أنا لم أفعل شيئا..لماذا أنت منزعج هكذا؟" سألها من جديد" هل ستقبلين بكل ما تقوله أمي فقط لكي لا تكسري قلبها؟ هل ستواصلين في هذه اللعبة الى حين تطلب منك أن تتزوجي من جواد؟ لن أستغرب اذا طلبت ذلك لأنها كانت تصر على تزويج أختي منه قبل أن ترحل..فهل ستوافقين على ذلك لمجرد رغبتك في رد الجميل؟" ردت هزان بهدوء" نعم..سأفعل اذا تطلب الأمر" أمسك ياغيز يدها الأخرى و قربها أكثر منه حتى صارت تشعر بأنفاسه الحارة تلفح وجهها و سأل" و لماذا؟ هل تشعرين بشيء تجاه جواد؟ هل يعجبك مثلا لكي ترضي بالزواج منه؟" هربت هزان بعيونها منه و قالت" و لماذا تسأل أنت؟ فيم يهمّك الأمر؟" هزها ياغيز بقوة و قال بعصبية" أجيبيني..أريد أن أعرف" نظرت اليه هزان و ردت" لا..لا أشعر بشيء تجاهه..أنا لا أعرفه جيدا حتى..لكن مالذي يمنعني من قبول عرض كهذا لكي أسعد أمك المسكينة..بما أن جواد كان خطيب أختك فهذا يعني بأنه شخص جيد و مناسب..و أنا حياتي خالية من الحب و المشاعر..و قد تولد هذه المشاعر بعد الزواج..فلماذا أرفض" حملق فيها ياغيز مستغربا كلامها و قال" هزان..ما تقولينه هراء..لو كنت تحبين جواد أو تشعرين بشيء تجاهه لكنت تفهمت الأمر..لكن أن تتزوجي منه فقط لكي تحققي رغبة أمي و لكي تردي لها الجميل فهذه تضحية لا مبرر لها..و لا شيء يجبرك على القيام بها..فكري بنفسك قبل الجميع..لا تقدمي على خطوة كهذه ان لم تكوني متأكدة من مشاعرك و من رغبتك في القيام بها..توقفي عن التضحية من أجل الآخرين..عيشي لأجلك أنت فقط..تعلّمي هذا و الا فلن يكون للحياة أي معنى..و لا تبالغي في مسايرتك لأمي..قد تطلب منك طلبات غريبة فقط لأنها تعتقد بأنك ابنتها..لقد اتفقت أنا و أبي على أخذها الى طبيب نفساني يساعدها على تقبل موت أختي..و بذلك يخف الحمل عنك قليلا" أفلتها فتراجعت الى الخلف و هي تقول" أنا لم أشكو من ثقل الحمل الملقى على كتفيّ..و أعرف جيدا ما يجب علي فعله..هذه المرأة المسكينة تحتاج الى المساعدة..و أنا لن أبخل عليها بها" ابتسم ياغيز و قال" سأقبل مساعدتك لها في كل شيء الا في موضوع الزواج..لن أقبل بأن تفعلي شيئا كهذا فقط لكي ترضيها..يكفيك ظلما لنفسك..الحياة ظلمتك بما فيه الكفاية..الزواج ليس بالأمر السهل..لا تقدمي عليه الا اذا خفق هذا بإسم شخص ما" و أشار الى قلبها بإصبعه ثم رفع يده و مررها على خدها بخفة و هو يقول" هل فهمت أيتها الجميلة؟" جمدت هزان في مكانها تحملق في عيونه البلورية التي تدعوها للغرق فيها دون نجاة..أيقظها صوت نازلي من شرودها..اقتربت منهما و قالت" أنا جاهزة حبيبي" ابتسم ياغيز و قال" هيا لنذهب..هزان..عن اذنك..سأصطحب نازلي في جولة على الحصان" اكتفت هزان بالايماء برأسها و تابعت ابتعادهما في صمت..انظم اليها جواد و سأل" هل ذهبا و تركاك لوحدك؟" هزت هزان كتفيها بلا مبالاة و ردت" لا أستطيع أن أركب الخيل قبل أن تتحسن صحتي..أكتفي فقط بمداعبة فرسي خيال و بالتجول هنا و هناك" ابتسم جواد و قال" هل تسمحين لي بأن أصطحبك في جولة قصيرة قرب النهر؟" ردت" نعم..بكل سرور" و مشيا معا باتجاه النهر..
في المدرسة..أوقف أنور سيارته أمام المبنى على الساعة الخامسة تماما..نظر الى نفسه في المرآة..كان يرتدي قميصا قطنيا ابيضا و سروالا من نفس اللون و معطفا بلون ترابي جميل و معرقا بخطوط سوداء

لَسْنا إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن