9..شكرا لوجودك في حياتنا

2.3K 77 20
                                    

فتح ياغيز باب غرفته و خرج فرأى هزان تغادر غرفتها و هي تحمل حقيبة صغيرة..اقترب منها و أخذ الحقيبة من يدها و هو يقول"دعيني أحملها عنك..لا يجب أن تحملي أشياء ثقيلة و لا يجب أن تجهدي نفسك..جسدك يحتاج للراحة التامة" نظرت اليه هزان باستغراب و كأنها لا تصدق ما تراه و ما تسمعه منه..تمتمت بصوت خافت" شكرا لاهتمامك..أنا بخير" همت بتجاوزه فاستوقفها قائلا" هزان..أنا مدين لك بإعتذار..و أعلم بأن الاعتذار قد لا يكون كافيا..لكنني أعدك بأنني سأعوضك عن كل تصرف سيء و عن كلمة قاسية قلتها في حقك..أنا آسف من كل قلبي..و أتمنى أن تقبلي اعتذاري" اتكأت هزان بجسدها على الحائط و سألت بفضول" و ماذا حدث حتى تغيرت هكذا؟ هل أجبرك السيد حازم على الاعتذار مني أم .." قاطعها" لا..لا أحد يجبرني على شيء..كل ما في الأمر أنني أزحت الغشاوة عن عيوني و قررت أن أرى الأمور بطريقة أوضح..أنت فتاة بريئة و محترمة و لا ذنب لك في خسارتي لأختي و في دخولك لهذه العائلة..أعتذر مجددا عن كل اهانة وجهتها لك و كوني واثقة بأنك سترين ياغيز آخر منذ اليوم..و ليس ذلك الغاضب المتعجرف الذي أساء اليك..هل تقبلين اعتذاري؟ ام ينبغي علي أن أجتهد أكثر لكي أنسيك ما فعلته معك؟" ابتسمت هزان و ربتت على يده و هي تقول" لا عليك ياغيز..أقبل اعتذارك..لقد نسيت ما حدث..و أتمنى أن نفتح صفحة جديدة في علاقتنا..من أجلنا و من أجل أبويك اللذان أحبهما و أحترمهما كثيرا" بقي ياغيز يحملق فيها للحظات دون أن يقول شيئا..كم هي صافية و نقية!. لقد قبلت اعتذاره بهذه السهولة و كأن شيئا لم يحدث بينهما..من لديه القدرة على التجاوز و الغفران و المسامحة بهذه البساطة هو شخص يستحق التقدير و الاحترام فعلا..ابتسم ياغيز و قال بعد صمت" شكرا لك هزان..هيا لنذهب" و نزلا معا الى الأسفل حيث حزم الجميع حقائبه استعدادا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في المزرعة..امتطى حازم و سيفنش سيارتهما فيما ركبت هزان مع ياغيز..في الطريق..اتصلت به نازلي فأجاب قائلا" مرحبا حياتي..كيف حالك؟" قالت" انا بخير حبيبي..و أنت؟" رد" ممتاز..هل أنهيت مجموعتك الجديدة؟" قالت نازلي" ليس بعد..انها تحتاج الى الكثير من العمل و الجهد..هل نلتقي الليلة؟" قال ياغيز" آسف حياتي..لا أقدر..أنا ذاهب الى ريفا..سأقضي عطلة نهاية الأسبوع مع العائلة في المزرعة" صمتت نازلي قليلا ثم سألت" و هزان؟ هل هي معكم؟" أجاب" نعم..انها معنا..أبي اقترح الموضوع و أنا رأيتها فكرة مناسبة" قالت عاتبة" و لماذا لم تخبرني؟ ألا تريدني أن أكون معكم؟" قال" ليسامحك الله حبيبتي..أنت تعلمين بأنني أحب أن تكوني موجودة حيث كنت..لكنني أعلم جيدا بأنك منشغلة في تحضير مجموعة الأزياء الجديدة لذلك لم أرد أن أعطلك عن عملك..و سأعوضك عن هذا..وعد" قالت نازلي" حسنا حياتي..استمتع بوقتك و بلغ سلامي للجميع..أحبك" رد" و أنا أيضا..الى اللقاء" و أنهى المكالمة..التفت الى هزان التي كانت منشغلة عنه بالنظر عبر النافذة..كانت مأخوذة بالمناظر الطبيعية الخلابة الممتدة على طول الطريق..سألها" هزان..هل تريدين أن نرتاح قليلا؟..الطريق مازالت طويلة" ردت" لا داعي لذلك..أنا بخير..انها المرة الأولى التي أغادر فيها اسطنبول..كل شيء حولي يبدو رائعا و مدهشا..مستحيل أن أشعر بالتعب و أنا أرى كل هذا الجمال" ابتسم ياغيز و قال" سترين الجمال الحقيقي عندما نصل الى المزرعة..انها تقع في سهل ممتد موازي لمنطقة جبلية عالية اضافة الى عين ماء صافية تخرج من بين الصخور..المزرعة هي المكان المحبب الى قلبي..و الى قلب ..أختي المرحومة..يلدز ( تغيرت نبرة صوت ياغيز و غلب عليها الحزن الذي لم ينجح في اخفاءه) ..لقد كانت تحبذ قضاء الوقت في المزرعة..و كانت تجيد ركوب الخيل..لها فرس اسمها ملاك..توفيت بعد وفاة صاحبتها بيومين..و كأنها لم تحتمل البقاء بعدها..ماتت حزنا عليها" لمعت الدموع في عيون ياغيز و صمت فجأة لأن الغصة استقرت في حنجرته و صارت تمنع انطلاق الكلمات..نظرت هزان اليه ثم وضعت يدها على يده و قالت تواسيه" ليرحمها الله و ليكن مكانها في الجنة..صدقني ياغيز..أنا أكثر من يفهم ألمك و حزنك..الحياة لم تعد هي نفسها بعد وفاة والديّ..اختلف طعمها و نسق أيامها و صارت أقسى و أثقل و بلا شفقة..لكنني تعلمت أن أكون أقوى منها لكي أستطيع مجابهتها..احزن على أختك الحبيبة..و ابكي عليها..هذا من حقك..و لن يمنعك عنه أحد..لكن عليك أن تتقبل غيابها و تتعايش معه لكي تنجح في الوقوف شامخا و قويا من أجلك و من أجل والديك" نظر اليها ياغيز بعيونه الدامعة و تنهد بعمق ثم همس بصوت مخنوق" معك حق..لكن خسارتها قسمت ظهري..كانت كل حياتي..كانت هي الحياة بالنسبة الي..تشاغبني..تستفزني..تضحكني..تعطيني طاقة ايجابية..تجعلني أحب كل ما حولي..لقد كانت حركية و مجنونة و مندفعة..كانت تحب الحياة..هذه الحياة التي قررت أن تحرمني منها و أن تلف أيامي بسواد لا نهاية له..ليتها لم تذهب باكرا هكذا..ليتها بقيت أكثر..لم أشبع منها..صدقيني هزان..لم أشبع منها" اوقف ياغيز السيارة على جانب الطريق و وضع رأسه على المقود و سمح لدموعه الغزيرة بالانهمار..انفطر قلب هزان و هي ترى حزنه الكبير على أخته..وضعت يدها على ظهره و مررتها بخفة عليه و هي تقول" ابكي ياغيز..ابكي لعل البكاء يخفف و لو قدرا بسيطا من حزنك الذي تخفيه داخل أعماقك..أطلق لدموعك العنان و اسمح لألمك بأن يظهر نفسه..أنت اليوم ولد صغير فقد غاليته و أخته الحبيبة..و من حقك أن تقيم العزاء و أن تتألم..لا تكابر و لا تضغط على نفسك لكي لا تنهار فيما بعد..ابكي و اغسل قلبك المكلوم" رفع ياغيز رأسه عن المقود و قد احمرت عيونه من البكاء..تأملها لوهلة بنظرة غريبة ثم وضع يده على كتفها و سحبها نحوه دون مقدمات ليحتضنها بقوة بين ذراعيه..

لَسْنا إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن