15..عودة قوية

2.5K 79 33
                                    

شهران مرّا على سفر ياغيز و غيابه عن الأجواء..شهران حدث فيهما الكثير دون أن يكون هو موجودا..نازلي قدمت مجموعتها الجديدة و صارت ازياءها تحظى بسمعة جيدة و اقبال رهيب..لكن هذا لم يخفف من وطأة الحزن الذي لف قلبها و خيم على كل حياتها بعد اختفاء ياغيز و انشغال جواد عنها و تهربه الدائم منها..جواد صار كظل هزان لا يفارقها اينما ذهبت..يعتني بها..يدللها..يصطحبها في جولات ساعة في البحر باليخت و ساعة بالسيارة..يحاول أن يملأ عليها وقت فراغها لكي يصبح طرفا أساسيا في حياتها..يحاول أن يكسب مشاعرها و أن يلين قلبها دون أن يغفل عن المشاعر القوية التي صار يكنها لها و التي لم يحسب لها يوما حسابا..هي تقسم وقتها بين العمل و الاعتناء بسيفنش و زيارة صديقتها و الخروج للعشاء و السهر صحبة جواد..تراه صديقا مميزا و رفيقا جيدا تستمتع بقضاء وقتها معه..تحاول الا تفكر بذاك الغائب الذي اختفى دون أن يودعها او يترك لها كلمة واحدة..غيابه جعلها تشتاق اليه..تدخل الى غرفته في القصر..ترش من عطره و تستنشقه..تلامس وسادته و تحتضنها..تتأمل ثيابه و أغراضه..تستذكر تلك القبلة العابرة التي طبعتها ذات ليلة مجنونة على شفتيه..ثم تعود لتطرد كل هذا من عقلها و تذكر نفسها بأنه مرتبط و يحب خطيبته كثيرا..انور مازال يسعى بكل الطرق الى استمالة قلب بتول و جعلها تقع في حبه مثلما غدا هو متيما بها و لا يستطيع العيش بدونها..يرسل لها الورود كل يوم..يهاتفها و يسمعها مقطوعات موسيقية او اغاني رومانسية..يمطرها بالهدايا و يغمرها باهتمامه و حبه..بتول صارت تعتبر أنور جزءا من نشاطها اليومي و من حياتها..لا يتعدل مزاجها الا اذا رأت وروده امامها و سمعت صوته على هاتفها..لكنها كعادتها تأبى الاستسلام لقلبها لكي لا تدفع ثمنا باهظا كالذي دفعته أمها..جيداء التي ازعجها غياب ياغيز المفاجئ و هي التي كانت تضع خططا غريبة للايقاع به..صارت تلاحق أنور هنا و هناك و تحاول أن تلفت انتباهه و أن توقعه في شباكها علها تحظى باهتمام منه مماثل لاهتمامه ببتول و الذي صار يزعجها كثيرا..سيفنش تخضع لعلاج نفسي متواصل ساعدها كثيرا على تقبل حقيقة وفاة ابنتها و جعلها تستوعب بأن الفتاة الموجودة في المنزل ما هي سوى فتاة متبناة اسمها هزان..لكن هذا لم يغير حقيقة انها تحبها كثيرا و تعاملها معاملة الأم لابنتها..حازم يشرف على العمل بنفسه و يقيم الاجتماعات و التحضيرات للحفل السنوي للشركة و الذي يصادف موعده اليوم..لقد مرت اربعون سنة على تأسيس شركة ايجمان للألبان و الأجبان..و لذلك قرر حازم اقامة حفل ضخم في واحدة من افخم قاعات الاحتفالات المطلة على البحر..تواصل مع ابنه عدة مرات و حاول اقناعه بأن يعود لكي يهتم بنفسه بالتحضيرات لكنه رفض..كان يسأل عن أمه و عن صحتها و عن الأجواء العامة في المنزل و في الشركة من وقت لآخر ثم يقفل هاتفه..الوحيد الذي كان يعلم بكل خطواته و بالبلدان التي زارها هو أنور الذي كان يتواصل معه عبر البريد الالكتروني و عبر مكالمات الفيديو..حط رحال ياغيز في البداية في مدينة الأنوار باريس..قضى فيها أسبوعا..ثم غادرها الى ايطاليا..و منها الى اسبانيا..ألمانيا..سويسرا..ثم الى اليونان التي استقر فيها لمدة أسبوعين تقريبا..الابتعاد عن المنزل و عن الجميع أفاده جدا..وجد الراحة و الهدوء اللذان يبحث عنهما..قام بتصفية ذهنه للتفكير بطريقة منطقية في كل ما يحدث..ارسل باقة ورود ضخمة الى نازلي بمناسبة عرض ازياءها و معها زجاجة عطر باهظة الثمن كهدية..زار المواقع الأثرية و الأماكن السياحية هنا و هناك..التقط الصور التذكارية و اشترى بعض الهدايا..و لم يفته بأن يتذكر هزان و تفاصيل جسمها و مقاسها و هو يختار لها فستانا أحمرا غاية في الروعة..كانت صورتها تقتحم مخيلته كلما أغمض عينيه..و تلك اللحظة التي تلامست فيها شفاههما لم تكد تغادر عقله..كان يعيش صراعا داخليا مؤرقا و مرهقا و هو يحاول أن يفهم حقيقة مشاعر نازلي تجاهه و أن يهرب من طيف هزان الذي يلاحقه أينما حلّ..كان يراقب صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي..و كان يرى ملازمة جواد لها في كافة المناسبات التي تذهب اليها..و كان يشعر بشيء من الضيق لم يفهم له معنى و لم يعرف له سببا..لم يسبق له أن عاش شيئا كهذا مع نازلي..لطالما كانت علاقتهما هادئة و نمطية و مضمونة..كل ما فيها اعتيادي و آمن..أما هذا الشعور الذي يداهمه الآن فهو أقوى و أعنف بكثير..حتى أنه بات يستغرب من نفسه و يتعرف عليها من جديد..اليوم عاد الى تركيا..دون أن يخبر أحدا ما عدا أنور الذي كان في انتظاره في المطار..عانقه مطولا و هو يقول" أهلا بعودتك يا أخي..لقد اشتقت اليك كثيرا" ربت ياغيز على كتفه و رد" و أنا أيضا اشتقت اليك..طمئني عنك..كيف حالك؟ هل استطعت أن تروض حبيبتك أم أنك لم تستطع الايفاء بوعدك الذي وعدتني اياه قبل السفر؟" زم أنور شفتيه و مرر يده على جبينه قبل أن يقول"فلنقل بأنني قطعت نصف الطريق..بتول فتاة عنيدة و صعبة المراس لكنني متأكد بأنني نجحت في التأثير عليها..و هذه خطوة مهمة..دعك مني الآن و أخبرني..كيف كانت رحلتك؟ هل استفدت منها جيدا؟ و هديتي اين هي؟ لا تقل لي بأنك لم تحضر لي هدية؟" انفجر ياغيز ضاحكا و رد" أيها المشاغب الطماع..احضرت لك هدية..و كيف لي أن أنساك؟" ركبا معا سيارة أنور الذي التفت الى ياغيز و سأله" الى القصر..أليس كذلك؟" هز ياغيز رأسه بالنفي و أجاب" لا..الى شقتي..سأستحم و أجهز نفسي للحفل السنوي هذه الليلة..هل قام أبي بدعوتك؟" رمقه أنور بنظرة حادة و قال" و من سيلتقط صور الحفل ان لم يقم بدعوتي؟ لقد اصبحت بغيظا و لا تطاق يا هذا" ضحكا معا و واصلا طريقهما نحو الشقة..
في العيادة..فحصت هزان ببغاء السيدة إيلا المغنية الشهيرة و وصفت له بعض الأدوية و كانت تضحك كلما قام الببغاء بتكرار كلماتها..شكرتها السيدة و غادرت فنظرت هزان الى ساعتها..انها السادسة مساء..لم يبقى الكثير لموعد الحفل..و هي لم تختر بعد الفستان الذي سترتديه..نزعت إزارها و قفازاتها و حملت حقيبتها و همت بالخروج عندما دخل اليها عامل توصيل يحمل علبة كبيرة..أعطاها اياها و أخبرها بأنها وصلتها عبر البريد السريع..وقعت هزان على استمارة الاستلام ثم فتحت العلبة التي كان فيها فستان أحمر بقماش حريري مميز و حذاء يناسبه..بحثت عن بطاقة تشير الى مرسل الهدية لكنها لم تجد..رجحت بأن يكون جواد هو المرسل فحملت العلبة و حقيبتها و أغلقت العيادة و غادرت الى القصر..هناك..وجدت حازم و سيفنش في انتظارها..قالت المرأة" هزان..ابنتي..لقد تأخرت..لم يبقى الكثير على موعد انطلاق الحفل" قبلت هزان سيفنش و أجابت" آسفة..اليوم كان مليئا بالمواعيد و المرضى..بالكاد استطعت الخروج الآن..سأصعد الى غرفتي لأستحم و أتجهز..اذهبا انتما ان أردتما و سألحقكما عندما أنتهي" سأل حازم" هل سيأتي جواد لاصطحابك؟" هزت برأسها أن نعم و صعدت الدرج فصاح حازم من خلفها" سنذهب نحن اذا..لا تتاخري يا ابنتي" قالت" حسنا..الى اللقاء" ..استحمت هزان و أخرجت الفستان من علبته و تأملته مطولا قبل أن تضعه على السرير و تجفف شعرها و تضع مساحيقها ثم ترتديه..كان ملائما لها و كأنه صنع من أجلها..نظرت الى نفسها في المرآة نظرة رضى ثم رشت من عطرها و احتذت حذاءها ثم استعدت للخروج..

لَسْنا إخوةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن