أخرجت رانيا من حقيبتها عطر سان لوران الفرنسي ، و أخذت تلوح به عاليا بتفاخر قائلة :
" وهذا عطر فرنسي ، أحضره لي من رحلته في باريس رفقة فستان من الدانتيل الاسود تصميم خاص من ماركة شانيل "
كانت نبرتها متعالية ، متفاخرة .. مليئة بالبهجة .
أخذت زميلاتها في القسم ، يتعطرن منه ، واحدة تلو الأخرى ، بينما يغمرنها بعبارات الاطراء ، و قد تفاوتت مشاعرهن في تلك اللحظة ، بين الحسد و الغيرة .. فهي الوحيدة في صفهن التي يمطرها حبيبها بهدايا باهضة و دعوات عشاء فاخرة .. فغالبيتهن يواعدن شبابا
يدرسون و يتلقون المصروف من ابائهم ...عند وصول العطر ليد فاتن ، امسكته بتقزز ، تلمحه وصاحبته بنظرات إزدراء ، ثم مدته دون اكثرات للفتاة امامها ، المتلهفة لإشتمام عطر فرنسي .
غير أن رد فعل فاتن ، لم يمر دون تعقيب من رانيا التي خاطبتها بنبرتها المتعالية المعتادة :
" إستنشقي منه قليلا ، لعلك تتذكرين أيام الغنى و الجاه التي ولت عليك "
رفعت فاتن رأسها نحو رانيا ، وقد ساد الصمت في القاعة ، فالجميع يعرف أن رانيا دائما ما تحاول التقليل من فاتن و تذكيرها بإفلاس والدها .
" كنت لأستنشقه لولا رائحة النجاسة الفواحة منك ، و التي تعبق في أرجاء الصف ...لا بد انك عملت بجهد لتحصلي على فستان الدانتيل و ستحصلين على الضعف عند خلعه "
تصاعدت الهتافات بين معارض و مؤيد لوقاحة فاتن في الرد ، و قد عرفت دائما بلسانها السليط منذ مجيئها للمعهد قبل عامين ، أي بعد انتقالها و أمها المطلقة للعيش رفقة جدها .
إحمر وجه رانيا و امتئلت بالغيض و الغضب ، فصاحت و هي تندفع فائرة الدم نحو فاتن .
" أيتها الغيورة ، من تحسبين نفسك لتنعتني بالعاهرة! "
ثم مدت يدها تقوم بدفعها ، لتتراجع للوراء .. تستند على الطاولة كي لا تسقط أرضا .
ليعلو الهتاف اكثر ، خاصة من الذكور المتلهفين لشجار انثوي ... اسطفت مؤيدات رانيا من خلفها و اجتمعت باقي الفتيات خلف فاتن يشجعنها . لتستجمع نفسها و تنقض على رانيا ، تشد شعرها و تسحبها بكلتا يديها أرضا .. ولولا تذخل الأستاذ ، الذي وصل ركضا بعد سماعه صياح الطلاب ، لأفقدتها الوعي .
" فاتن إلى مكتب المديرة على الفور ، لن اتساهل هذه المرة أبدا "
****
تصمرت فاتن أمام المدير الغاضب مما سمعه عن أستاذها الذي أضاف بهارات كثيرة للحدث ، إذ أخبره بأن رانيا فقدت وعيها ، لتعترض فاتن بقوة :
" أيعقل أن يفقد أحدهم وعيه جراء شد شعره !! "
" إخرسي ! " قاطعها المدير بحدة ، بعد ان استئذن الأستاذ للعودة للصف " يكفي مهزلة يا فاتن .. ليست مرتك الأولى التي تفتعلين فيها المشاكل ، و لولا علماتك الجيدة و قيمة جدك لدي ، لقمت بفصلك قبل مدة بعيدة "
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...