لاعبت ضفيرتها شاردة الذهن ، سارحة عن الأحاديث التي تجرى بجانبها ، غير أبهة لشيء ، عادا ما قرأت ليلة البارحة .
التمعت عيناها ببريق خاطف ، لما لمحت الأستاذ عمر يترجل من سيارته ، ببذلته السوداء ، و حقيبة يديه الجلدية ..فتحت حقيبتها لتخرج الأوراق ، و تسرع نحوه ، بارتباك ، مرتجفة الأطراف ..
وفور وقوفها امامه ، انفرجت شفتيها عن إبتسامة فاترة ، وهي تقول :
" صباح الخير ، "
لم يبدو مسرورا جدا لرؤيتها ، إذ عقد حاجبيه وكست وجهه تعابير الصرامة ،
لكن فاتن التي استغرقت في افكارها ، تعود بذاكرتها لما قرأت ، تتساءل كيف لهذا الرجل متهجم الوجه أن يكتب خطابا شاعريا كذاك ، لم تعطي بالا ، لنفاذ صبره .. إلا حين قال بصوته الحاد :
" أجل ؟ "
أجفلتها جحافته ، و اخرجتها من جمالية و عذوبة كلماته .. فمدت الأوراق نحوه بغيض .. راجية أن ينسى أمر الرسالة ، إذ لا نية لها في إرجاعها له ..
" أمضيت الليل بطوله أقوم بترتيبها " أدرفت بشيء من الحماس و الفخر في الآن ذاته
ليرد عليها ، بنبرة التسمت فيها شيء من السخرية :
" هكذا تتعلمين فتح عينيك جيدا قبل رمي الكرة "
*****
في طريق العودة للمدرسة ، أخذهن الحديث كعادتهن ، و علت أصوات ضحكاتهن ، كانت نادية ، أكثرهن حبا للحديث ، و اكثرهن سلاسة في ذلك ، فهي ذات خيال خصب ، تضيف بهارات كثيرة للحدث .. و تجعله مليئا بالأحداث و مشوقا ، حتى إن تعلق الأمر بزواج جار لها ، لا تربطه علاقة بأي منهن ، لكنه طريقة سردها للأحداث دفعتهن للإنصات لها بكل جوارحهن ، حتى أن نويل التي لا تعرف الجار لا من قريب او بعيد ترجتها بأن يتوقفن قليلا قرب بيتها ، حتى تتمكن من سماع الحكاية كاملة .
وقفن عند البوابة ، ينفجرن من الضحك ، يينما تقلد نادية ، العراك القائم بين العروس و أم العريس بسبب قطع الحلوى ..
في تلك الأنثاء ، نزل الأستاذ عمر ، مرتديا قميصا أبيضا و سروالا قصيرا ، جعله يبدو اصغر سنا مما هو عليه ، ممسكا بيده رسالة و بيد الأخرى مفاتيح سيارته و مفاتيح الشقة ، يلاعبهم بين اصابعه بخفة ..
لم يلحظن وجوده ، فقد كن منغمسات في الضحك ، حنى اقترب منهن ، يقول بصوت أقل قساوة من الذي إعتدن سماعه مخاطبا نويل :
" أين أستطيع إيجاد مكتب بريد ! "
توقفن على الفور عن الضحك و علت وجوههن ملامح الجدية و الاحترام ، دون فاتن ، التي أخذ عقلها ينسج ما كتب ذاخل تلك الرسالة بين يديه من غراميات يدة ، ودون أن تعي على نفسها رفعت رأسها تترفس فيه ، و قد اكتسح وجهها ابتسامة خجلة .
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...