جلست الصديقات الأربع قرب بحيرة البلدة ، المليئة بالبط و البجع ، يستمعن لأغنية تردد على الراديو في سكون و استجمام ، كل سارحة في خيالها ، متجردة من الواقع و ناسجة احلاما وردية ، تطفو فوق سحب الحب و الأمل .عادا فاتن التي صادف رغبتها في الاعتراف بمشاعرها اتجاه أستاذها علي ، بانتقال خطيبته ذات الجمال البديع و العيون الملونة اللامعة كما وصفتها نويل للعيش معه ورغم تقلبها لخيبة الأمل تلك برحابة صدر ، إذ تكن سوى وهما ضخمته تحليلات زميلاتها المتأثرات بمسلسلات الراديو الرديئة . شعرت بقساوة العودة لفراغها بعد أن ملئته بأمل واه و أمنيات مستحيلة ، بعيدة المنال ..
انتهت الاغنية ، و رافقتها تنهيدات حيرة و شوق و اشتيقاق ..
" لا أصدق أن أحمد سيقوم بخطبتي هذا الأسبوع " اردفت دعاء ، عيناها تفيض حبا و فرحا
" إن تعجيلكم للخطوبة قبل ذهابه للجيش أمر حكيم " قالت فاتن
" لو كنت مكانك ، لما اشتغلت بأمور التنزه ، و اهتممت بأمور الخطوبة ، لا يزال امامك ثلاثة ايام فقط " قالت نادية
" لا ، لا تو تو تري الفتاة " قالت نويل ، المنشغلة في إبعاد الذباب عن الفواكه المقشرة ،
" أن تحب شخصا يحبك و لا يقف شيء في طريقك حبكما ، هو أروع ما يمكن ان يتكافئ به المرء في هذه الحياة "
بعد هذه الجملة ، نظرن إلى فاتن في ذات اللحظة
" أحيانا أشك في امرك يا فتاة " قالت نادية ممازحة
ضحكت فاتن من نظراتهن المستغربة كلما أتت على ذكر الحب ، و كأنها دون قلب ثم قالت
" اقتبستها من رواية ليوسف "
" مسكين من سيقع في حبك ، ستغمرينه بالاقتباسات ، ولا شيء من عندك " أدرفت نادية ، لتقذفها فاتن بقينة ماء
" من سيحبني ، سأحبه اضعاف مضاعفة ، و ساكتب له شعرا رائعا ، و ساغمره بكلمات الحب النابعة من قلب يموت في حبه " قالت جملتها بشاعرية ، تلوح بيديها في الهواء
" سيكون محظوظا " ردت نويل ، تظم فاتن إليها ، إذ التسمت في حديثها لهفة للحب و تعبا من الوحدة .
*****
وقفت فاتن أمام محل بيع الفساتين ، أثناء خروجها للتسوق ، قضت بضع دقائق تتأمل جمالية الفستان الأحمر المرصع بأحجار ياقوت زمردية اللون ، فستان أقل ما يقال عنه ، فخم و رائع ، و بعد ان استغرقت في تأملاتها ، انتقلت ببصرها لصورتها المنعسكة في الواجهة الزجاجية للمتجر ، تبدو كمراهقة بهذا البنطلون الابيض القصير و القميص الزهري ذو الاكمام المنفوخة ، و الظفيرة الجانبية التي لا تتخلى عنها ابدا .
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...