و لما أسدلت الشمس خطوطها الذهبية الأولى ، كانت فاتن ترتب مضجعها .. و جلست بعد ذلك ترتب شعرها و تمشطه .. و أسدلته فوق وجهها و إن لم تكن سعيدة بالخط فوق وجهها ، إلا أنها لم تبالغ في إخفاءه ، و لم تعتمد أي مسحوق تجميل قد بفعل .. و اكتفت بترطيب شفتيها فقط .. و لكن بساطتها وقفت عند هذا الحد فقط .. ، إذ أخرجت كل قطعة ملابس تمتلكها و أخذت تقيس ما أعجبها منها .. و استقر رأيها على فستان زهري تمتد حد الركبة ، بأكمام طويلة واسعة و صدر مزخرف بالدانتيل .. ولم تدري و هي تحملق في شكلها المنعكس على المرآة ، إذا ما كان الفستان ما يجعلها جميلة أم كلماته لليلة البارحة ..
و خرجت من غرفتها .. تحوم في الصالون كالفراشة ، تنتظر استيقاظه ، ليقضيا اليوم المنشود معا .. و لما استبد بها الملل .. فكرت في إعداد الفطور ، لعله ، يدرك بأنها فتاة عاقلة راشدة .. تستطيع الطبخ ، و فكرت فيما قد يأكله رجل راشد عاقل على طعام الفطور و تذكرت فطائر عمر النتنة .. و تملكها الغضب لكنها سرعان ما رمت عن نفسها كل ما يمكن أن يعكر صفو مزاجها في هذا اليوم .. و أعدت فطيرة تفاح و القرفة و فطائر فرنسية محلاة بالعسل .. و رتبت سفرة الطعام .. و لم يكن قد استيقظ علي بعد .. و خافت ان يكون قد خرج قبل استيقاظها .. فاتجهت نحو غرفته .. و أدارت مقبض الباب بحذر ، و اطلت برأسها .. لتجده لا يزال نائما .. و قبل ان تسحب رأسها قامت بجولة بعينيها حول الغرفة .. و التي بدت غارقة في شيء من الحزن بسبب اللون الاسود الغالب عليها .
و اقفلت الباب .. و عادت نحو الصالون .. تتمدد فوق الارائك في انتظار استيقاظه .. تقلب كتابا من كتب الطب الموضوعة في الرف فوق رأسها .. حتى أخذها النعاس على مهل ..
و لما استيقظت زوالا.. كان علي جالسا قبالتها يتفحص كتابا ما بين يديه ..
فعدلت جلستها .. تحك عينيها و تتثاءب .. و نظرت إليه .. و قد تبدد حماسها الصباحي و استبدل بشيء من الحنق ..
_ كم الساعة الان ؟
_ إنها الثالثة زوالا
_ يا إلهي ، لقد ضاع اليوم بأكمله .
_ و مالو ؟
_ ألم تخبرني بأننا سنقضي اليوم معا !
_ أجل ، هذا صحيح
_ و هل قضينا اليوم معا ؟
_ أجل ، فأنا لم اخرج مطلقا ..
_ لكنني ظننت بأننا سنقضي اليوم خارجا ، فقد مللت الجلوس داخل البيت ، فمنذ الحادث لم تطئ قدمي الخارج أبدا ، لقد اشتقت للحياة في الخارج .
و خلع عنه نظاراته .. ووضع الكتاب جانبا و قال :
_ حسنا ، استعدي للخروج إذن .
فنهضت من مكانها مسرعة ، تعدل ثوبها و تقول بصوت تتخله ذرات النعاس
_ إنني جاهزة
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...