لن احبك مطلقا

324 21 4
                                    

و تراقصت الموسيقى المنبعثة من تسجيلات سهرة ما .. كئيبة حزينة .. فوق قلب فاتن .. تلعب بأوتاره و مشاعره ..

و تكورت هي على نفسها .. غائرة النفس .. محطمة الفؤاد .. مهزوزة الأحاسيس .. تنبش أعماق عقلها لعلها تستكشف المنعطف الذي تغيرت عنده حياتها و انقلبت على هذا النحو المفجع الحقير ..

ولم تدري متى كانت سعيدة لأخر مرة .. سعيدة فعلا .. دون أن تفكر في تبرير لسعادتها ترميه على مسامع الأخرين .. أو متى كانت حرة اخر مرة .. و متى كان قرار حياتها بيدها و متى سلمته لأيادي تتقاذفنه هنا وهناك ..

و نهضت تطل من النافذة .. فسرح بصرها في الفراغ الأسود المتدفق امامها .. لاشيء سوى الفراغ .. فراغ و فراغ ..

إنها تخاف الفراغ .. تخاف الوحدة .. إن جسدها يرتعش و قلبها يرتجف إذا ما فكرت في العزلة و الخلاء .. إنها لا تقوى على الفقد ..

و سحبت كرسيا .. و منشفة صغيرة لتجفف دموع عينيها .. و جلست تقابل القمر و كان شاحبا .. متعبا هو الاخر .. ضوءه خافت ولونه مصفر ..

ووصل مسمعها دندنات الموسيقى و صوت علي .. فعلمت أنه يشرب مجددا .. و كانت صوته منكسرا .. به غصة أليمة .. فزاد خوفها منه ، فهي لا تفهمه .. لا تفهم حالاته النفسية .. لا تعرف سبب حزنه و ابتهاجه .. و لا حقيقة شعوره من زيفها ..

و مرت الساعات و سكن البيت و صمت صوت المسجل و انطفئت دندنات علي .. و اغلقت الانوار .. و غرق القمر بين السحاب .. و ظلت فاتن جامدة مكانها ضد الوقت .. منتصبة في جلستها .. تنظر للحائط كمن مسه جنون ..

و أخرجت شمعة من الخزانة تضيئ بها العتمة خوفا من ان تسحبها إليها ..

و جلست فوق السرير .. تكتب ما يجول بخاطرها .. فعقلها بدى لها أضعف من أن يستحمل ما يدور به ..

" إن العتمة تلتف حولي و تشد يدي و تجرني لكل الأماكن المظلمة .. تريني أفكارا مخيفة و مرعبة .. و احتمالات مفزعة .. إنني خائفة .. خائفة من الحياة .. من ظلامها و نورها .. من بهجتها و حزنها .. خائفة من حبها و كرهها ..

إنني أشعر بخيبة أمل فالرجل الذي لون أحلامي بألوان زاهية .. الرجل الذي سكن مخيلتي و قلبي .. الرجل الحنون الرائع .. منقذي و أملي .. لا وجود له .. إنه سراب .. ووهم نسجه عقلي .. لقد رسمت صورة رجل مثالي .. رجل محب .. عطوف .. و إنني اكتشف كل يوم أنه رجل شرقي مبتدل .. كثير السكر و قليل الكلام .. مزدوج الشخصية و التصرفات .. فأراه تارة يستجمع شجاعته ليحبني و يعطف علي .. ثم أراه و قد عبس و عقد حاجبيه و كأنني متطفلة على حياته ..

إنني أشعر بخيبة أمل .. إنني لست ادري ما افعل بحياتي ..

لقد كاد يحطم رأسي بقنينة ثقيلة من النبيذ .. كان دمي سيختلط بالنبيذ .. "

وتوقفت عن الكتابة و عن الحركة .. تفكر في بشاعة الموقف .. وقد عاد شعور الخوف و القلة الحيلة ينهش اعماقها .. فحرقت الورقة بنار الشمعة و بكت طويلا حتى غالبها النوم ..

حب متمردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن