أخرجت من تحت رزمة الملابس ، رسالة الأستاذ ، لتقرأها للمرة الألف ، فبعد أن أمرها جدها بإلتزام غرفتها طوال اليوم ، فقد أمسكها وهي تستمع لمسلسل رومانسي على الراديو كان قد امرها سابقا بعدم متابعته ، أضحت حبيسة لوحدتها مجددا .. فوالدتها لا تستطيع التذخل في اوامره، فبالأخير هو مالك البيت ..
تمددت فوق السرير ، تقرأ ما كتبه بتمعن ، ليس و كانها حفظت عن ظهر قلب كل ما خطه .
استرسل لسمعها ، صوت نادية وهي تنده لها ، وفقت مذعورة ، تسرع نحو النافذة ، بعد أن قذفت بالرسالة تحت الوسادة ..
وضعت إصبعها فوق شفتيها المنكمشتين ، تطلب من نادية الواقفة امام العمارة رفقة دعاء ونويل الصمت ، فجدها لا يسمح لها بالتجول رفقة دعاء و نادية ، فعائلة دعاء ذات سمعة شنيعة خاصة خالتها السيدة بهيجة و إبنتها الكبرى حياة ، بينما نادية ، و إن امتلكت قلبا طيبا ، يبقى سلوكها سلوكا غير مهذب ، سليطة اللسان ، كثيرة الاندفاع ..
تسللت فاتن من غرفتها بحذر ، راجية ان لا يلمحها الجد الغارق في قراءة جريدة الصباح ..
تنهدت بارتياح ، عندما أفسحت لها والدتها المجال لتنسل من وراءها دون ان يلحظها ..
تعانقن جميعا ، ثم هرولن مبتعدات من امام العمارة ، متجهات للمركز التجاري الجديد ، لم تزره اي منهن من قبل ، عادا دعاء ، التي اغتنمت سفر والدها للتجول رفقة خالتها .. و قد اخبرتهن بأنه أكبر مركز تجاري قد يرونه في حياتهن ، و حكت لهن النافورة الجميلة المتواجدة فيه ..
كانت نافورة جميلة جدا بالفعل ..
اقرت فاتن وهي تجلس بالقرب منها ... وحيدة ، رفقة علبة فشار ملون .. بينما إنفردت كل من صديقاتها بأخلتهن ، يتابدلن الأحاديث المعطرة بالكثير من الغزل ..
كانت واثقة ، ان احدا من هؤلاء الأولاد ، يستطيع نسج جملة تبعث نفس الشعور الدافئ الذي تمكن أستاذها البغيض من إيصاله دون نبرة صوت ، و لا نظرة عين .. ولا لمسة يد .. اوصله فقط عن طريق حبر على ورق .
جلست نادية بجانبها ، فلا خليل لها ، غير أنها صديقة احمد ، حبيب دعاء ، لدى إشتركت معهما في
الحديث قليلا .." أصبحت كثيرة الشرود " قالت نادية ، تمد يدها تاخذ بضعة حبات فشار
" سمعت ان احمد سيلتحق بالجيش ! " ردت فاتن
" أجل ، سيذهب الشهر المقبل للجنوب و بعد عودته من التدريب ، سيقوم بخطبة دعاء ، سنكون وقتها ممرضات بشكل رسمي ، تفكر دعاء في التطوع لتمريض الجيش"
ردت فاتن على الفور
" لن تذهب دعاء لأي مكان ، سنعمل هنا معا في ذات المكان ، أتظننون الجيش مزحة ، إنه اسلوب حياة ، يغير المرء مئة و ثمانين درجة ، و نحن لا نقوى ولا نريد ذلك الأسلوب "
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...