مشت بخطوات واجفة لا تنفك عن النظر وراءها لتتاكد بأن تجهمر الطلبة لا يزال على مرءا من بصرها ، فالاختلاء معه ليس فكرة حكيمة أبدا ..
مشت نحو الممر ، لكنه لم يكن هناك .. فترددت بين العودة و البحث عنه ..
تغلبت رغبتها في رؤيته على إضطرابها المصاحب لذلك.. فقصدت حجرة الأساتذة القابعة اخر الممر ، وطرقت الباب طرقا خفيفا ، ثم ادفلت للذاخل لتجده جالسا عند مكتبه كما توقعت ..
_ صباح الخير يا أستاذ ..
_ صباح الخير يا أنسة
لقد عاد لمنادتها بأنسة كما يفعل مع بقية الطالبات ، بعد أن اعتادت أن يناديها باسمها الأول فقط ..
_ لقد طلبت في رؤيتي ،
_ أجل ، تعالي اجلسي هنا ..
اشار الى الكرسي بجانبه ..
ولم تكن لتمتثل لطلبه لولا شعورها بارتجاف رهيب تعري ساقيها و يهدد استقامتها ..
فجرت الكرسي بعيدا قليلا عنه ثم جلست متحاشية النظر الى وجهه فكلما فعلت ينزلق بصرها على غير هدى منها لشفتيه ...
_ " تفضلي ما فاتك حصة البارحة "
مد لها بضعة اوراق اخرجها من حقيبته ..
لترد عليه قائلة
_ " لقد طلبتها من نويل بالفعل "
_" جيد و هل اطلعتي عليها ؟ "
اومئت له ايجاب .. ليضيف :
" سأفسر لك الرسوم المبيانية ، خذي اول رسم بياني "
و نهض من مكانه يقف عند راسها و يده خلف ظهره ..
و رغم ان قربه منها كان معقولا ، لا يتجاوز حدود طالب و استاذه .. غذى قلبها يضرب بجنون و انقطعت انفاسها في جوفها و ظلت تستغفر الله و تهلل و تكبر في سرها كلما مر شريط الحلم من امام عينيها لعله ينقشع و يمحى من ذاكرتها ..
وعند لاحظ جمودها و سكونها انحنى نحوها يشير باصبعه لجملة ما ...
ففزعت و قفزت من مكانها مندفعة حتى كادت تسقط ارضا لولا تمسكها بحافة المكتب و انطلق الاستغفار من فمها دون أن تعي بذلك ..
حملق فيها بدهشة ثم قال محاولا مسك نفسه من الضحك :
" مالك يا فاتن ؟ "
فاطرقت خجلا من نفسها و قالت بتلعثم :
" اخفتني يا استاذ "
فرد مستغربا :
" وهل في ما يخيف ؟ "
" حاشى ، لم اقصد ذلك لكنني عانيت من كوابيس ليلة امس ولا يزال تاثيرها سار علي "
" اي نوع من الكوابيس "
وبعلت ريقها بضعة مرات و قالت متظاهرة بعدم الاكثرات :
أنت تقرأ
حب متمرد
Storie d'amore" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...