استيقظ علي بعد نوم مضطرب ، كان رأسه يصدح بألم طفيف بسبب حالة السكر ، و جسده منهك ، فلم يعد يحصل على ما يكفي من راحة و نوم .. فيومه عمل و ليله سهر .. و كلما أراد الاختلاء بنفسه و ترتيب ما تشابك من أفكار في رأسه .. تشابكت أفكاره أكثر و أكثر و زادت تعقيدا و صعوبة ..
و نهض نحو المطبخ .. ليشرب كأس ماء .. و لمح باب غرفة فاتن مفتوحة بعض الشيء .. و لم يكن بأمر غريب أو عجيب .. لكنه بعد أن سمع بكاءها طوال الليل .. و قد تظاهر هو بخلوده إلى النوم ، قلق.. و خاف أن ترتكب حماقة ما .. إذ وجد أن ما صرح لها به ، كان قاسيا و غير مبرر ..
و اتجه نحو غرفتها .. و طرق الباب طرقا خفيفا .. ثم دفعه بخفة ، و إذا بالغرفة نظيفة مرتبة و ملاءة السرير مطوية عند حافته و الستائر مشاحة عن النافذة ..
و رجع بضع خطوات نحو الصالون .. يتأكد من وجودها .. و نظر نحو الساحة المعلقة فوق باب المطبخ .. و كانت الساعة لم تتجاوز السابعة بعد ..
و لم يدري فيما يفكر أو يفعل .. و ترددت فكرة واحدة في عقله .. أن فاتن ستؤذي نفسها .. ورغم أن لاشيء يدعم تلك الفكرة .. فهي ليست شخصا ضعيفا يفكر في أذيت نفسه إذا ما لم تعطه الحياة ما يريد .. و لا بشخص انتحاري .. تتردد عليه خطة لقتل نفسه كلما اشتدت عواصف الحياة ..
لكنه كان متأكدا من أنها قد تقوم بفعل شنيع .. فسرى الرعب في أوصاله و إمتقع لون وجهه خوفا و فزعا .. و التقط سترته الجلدية السوداء .. و خرج مسرعا .. يسأل عنها حارس العمارة .. و أجابه بأنها خرجت قبل ساعة على الأقل تلف وشاحا صوفيا على رأسها و وتحمل حقيبة صغيرة بين يديها .. و أضاف بأن عينيها كانتا مفقوعتين من كثرة البكاء .. و أشار نحو التل قائلا بأنها ذهبت في ذاك الاتجاه ..
و أسرع علي و ليس يدري أين يتجه وقد لازمه شعور الذنب .. و لما وصل التلة .. أخذ يصرخ باسمها .. غير أن صوته كان مجرد صدى عقيم الجواب ..
ثم اتجه نحو الجسر لعله يجدها تقف على حافته .. ثم نحو البحيرة أين اعتادت الجلوس رفقة نادية .. ثم نحو الحديقة العامة .. ثم نحو كل مكان كان قد سمع بإسمه يتردد على لسانها ..
و في طريقة عودته خائبا ، صادفها تجلس عند حافة الطريق المؤدي للمعهد .. و بيدها كسرة خبز تتناولها .. شاردة الذهن .. ملفوفة بوشاح ثقيل ،
و اقترب منها مسرعا ، فنهضت فزعة ..، تنظر إليه و إلى الدموع المتكورة في عينيه و قبل أن تسأله سبب لحاقه بها ، أخذها في عناق طويل ، يشد على ظهرها بكلتا يديه .. ثم أخذ وجهها بين راحة يديه يسألها أين كانت ذاهبة ؟
فترد عليه بأنها اتجهت لقبر والدتها .. و جلست هناك حتى برز ضوء الشمس ..و كانت في طريقها للمنزل .. غير أن الجوع غالبها و حنينها للمدرسة ، فجلست تتناول الفطور هنا ..
و شد على يدها .. يسيران معا نحو المنزل .. يلف ذراعه حولها .. يطلب منها ان لا تكرر ما فعلت ..
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...