اسنيقظت فاتن ظهرا .. بعد نومة هنية ، لم ترى فيها شبحا او قبرا .. فقط سحاب و بحور من العشق و الحب .. انتشلتها كلماته من مستقنع الخوف .. لنهر الأمل ، و نهضت عازمة على استكمال حياتها ، و كأن قوة عظيمة حطت على قلبها تدفعها للتحرك .. ورغم الشك الذي خذش عزمها ، كانت مصصمة على أن تحيى ، أن تنقذ نفسها من شظايا الحزن العالقة في قلبها ، تدميه يوما على يوم ..
و أخرجت رسالة والدتها .. تقرأها حرفا بحرف ، ووجدت فيها دافعا لتعيش ، لتتشبت بالحياة .. فوالدتها و كأنما تكهنت بما ستمر به إبنتها إذا ما حصل شيء ما لها .. فحثثها على التمسك بالحياة .. حثثها على الحب و الأمل ، أن لا تنجرف ما طال بها الزمن في الكرب و الهم و ان تجد لنفسها دائما مخرجا ..
لم تكن فاتن قد شعرت بوقع الكلمات كما شعرت بهم الأن في نفسها ، كيانها يهتز .. وروحها تتأرجح .. و قلبها يرفرف ..
و طيفه ، يمر من امام عينها منتصبا ، باسما ، رقيقا .. حنونا .. مدا يديه من أجلها .. و كأنه يخبرها بأنه هنا من أجلها و انها ليست وحيدة كما تظن و تعتقد ..
و دست الرسالة بعد ان طوتها تضعها في درج الأسرار ، أن تضع أغلى ما لديها .. روايات و اسطوانات و رسائل و مذكرة .. و أخرجتها .. و أخذت تخط ما اعتمر في ذاخلها طوال الاسبوعيين الماضيين من حنق و غضب و حزن و ألم ..
عزيزتي الحياة ،
و إن كنت لا أعزك مطلقا في هذه اللحظة ، لا يمنع ان اناديك بعزيزتي ، ما دمت متعلقة بك و متشبتة بك بما بقي لدي من قوة ..
عزيزتي الحياة ، لقد أرهقتني ، و سلبتني بيتي ، والدي و والدتي ، و لست اعرف شخصا يحب أمرا اكثر ما يحب بيته ووالديه .. لقد رميتني لبيت جدي .. و إن السيد عبد الله ، كما تعرفين ، رجل قاسي ، لا يحبني .. فهو لا يحب الأجانب .. يدعوهم بالنصارى و إن كانوا مسلمين مثلي .. و أما الان ، و بعد ان سلبتني والدتي ، و سلبته ابنته ، وصل كرهه لي ذروته ، فهو يراني سبب ما حل بها من مرض و سقم ..
غريب ! إنني لا أكاد أصدق إن والدتي ، تلك السيدة الجميلة ، بشوشة الوجه قد أضحت الان ، تحت ترابك المظلم ، وحيدة ، باردة .. ولا يسعني شيء سوى الدعاء لها .. إنني أدعو لوالدي أيضا بالمغفرة والرحمة ، أجل ، إنه مسيحي ، لم يسلم ، رغم أنني أكذب احيانا و اخبر صديقاتي بأنه أسلم ذات ليلة باردة .. و أننا صلينا جميعا .. إنني ادعو ان يغفر الله حماقاته .. فهو كان طيب ، ذو روحه تواقة للايمان ، كنت اراه يبكي احيانا كثيرة دون سبب .. و عندما اسئله عن السبب ، ينظر إلي بعينيه الزرقاوتين و يخبرني بأنك أرهقته ..
لقد سلبتني أبا رائعا .. عانقني كثيرا و أحبني أكثر و أما ، إنني لا أستطيع وصف والدتي .. لقد سلبتني حضنا دافئا و سأظل ما حييت باردة و إن عشت في أفخم القصور ..
عزيزتي الحياة ، إنني لا ألومك ، و إن مقتك ، فلا اعتراض على ما خط في اللوح المحفوظ .. إنني أحترمه و أؤمن به .. لكن أرحمي ضعفي و دعيني أعيش في سلام .. إنني أعقد معك اليوم : 21 أبريل 1968 اتفاق صلح .. أصالحك و أسامحك .. ليلين قلبي و يهنئ عقلي .. "
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...