صعدت السلالم مسرعة ، و خيل لها بأن جدها يقف خلف الباب و سيرمي حبل حول عنقها فور ذخولها و يشده حتى تلفظ انفاسها الأخيرة ، أو أن خطيبها سيفك حزام بنطالونه و يمده في الهواء حتى يتردد صداه كما يمد السوط ويسدده فوق جسدها بعنف .. تخيلات كثيرة و متنوعة ،فالرجل الشرقي يتفنن و تتلذذ في إختراع طرق تأديب ( تعذيب ) جديدة ..
طرقت الباب طرقات خفيفة و لم تنتظر كثيرا حتى فتحت والدة نويل باب الشقة بوجه متهجم و نظرات من اللوم و العتاب تماما كالتي لمحها بها زوجها صباحا ..
لم تكن الشقة مضاءة على غير المعتاد ، سوى بمصباح وحيد شاحب وضع عند زاوية الصالون قرب باب المطبخ امتزج ضوءه الأبيض المائل للزرقة مع صفرة ضوء عمود الشارع الذي تسلل عبر الستائر الشفافة المنسدلة بخفة على نوافذ البيت ، و تشرب الجو برائحة غريبة .. كرائحة الليمون و الخل ..
سبقتها والدة نويل ، للصالون حيث انزوت قرب النافذة ، مشيحة بنظرها للخارج ، ملاعبة بيدها خرزات المسبحة التي تتحرك مع تحرك شفتيها تحركا منظما منسجما ..
و سألتها فاتن ، بعد ان انتهت من خلع حذائها ..
" أين والدتي و جدي ؟ "
تكهفر وجه السيدة ليلى ، و تطايرت كلمات كثيرة من عينيها الضيقتين ، خطت على ملامح وجهها المهلهلة ، ثم توقفت بحركة منزعجة عن تحريك حبات المسبحة ..
" إن والدتك كادت تموت لولا فضل الله و جدك الذي جاءنا ركضا طلبا في المساعدة ، و نويل الان معهما في الاعلى ، تحاول فعل ما تستطيع فعله "
إمتقع لون وجه فاتن ، و سرت البرودة في اطرافها ، و تبدل الخوف من العقاب بالخوف على والدتها ، فأسرعت نحوهم ، و قلبها يرفرف بهلع ..
كانت والدتها ممدة فوق السرير ، بوجه أصفر شاحب ، و فم أبيض بنفسجي متيبس و مشقق ، و جفون مرتجفة في محاولة بائسة للإبقاء على العينين مفتوحتين ..
و بدت أكبر سنا مما هي عليه بالشيب الذي غزى مقدمة الشعر و فوق الاذنين ، و التجاعيد التي رسمت طريقها دون شفقة فوق الجبين و تحت العينين ..
جلست نويل فوق كرسي خشبي بجانب السرير و فوق ساقيها و ضعت صينية طعام ، فواكه مقشرة و حليب الأعشاب الساخن و حلوى المشمش و الزبيب .. و بجانبها فوق الخزانة الصغيرة تكدست علب الادوية المتنوعة و المختلفة ، بعضها منتهي الصلاحية و بعضها فارغ ..
وقف الجد فور ذخول فاتن المندفعة المضطربة ، لتفحص والدتها و ظل يراقبها و على محياه دلالة الغضب و الهيجان ...
وضعت يديها فوق الجبين المتعرق ثم الخذين ثم العنق .. ثم انحنت برأسها تستمع لدق القلب التائر ، ورغم انفعاله كان صوته خافتا و كأنه غائر مدفون تحت ركام عميق .
أنت تقرأ
حب متمرد
Romance" كان ليلتها رجلا مختلفا عن الأستاذ الصارم الذي يكون معنا عليه .. إبتسامته كانت دافئة ، و كلماته صادقة و معبرة ، أما نبرته فقد أضحت نبرة جميلة .. رنانة كلحن موسيقي ، تراقصت نبضات قلبي عليه .. و لأول مرة تمنيت أن تتمدد الدقائق لساعات و الساعات لأيا...