قدر الفقراء
لست كالآخرين كي أغير جلبابي
23
#قصص #عراقية #واقعية #للكاتب #قدوري #الدوري
رجع محسن لبيت أهله يجر اذيال الخيبة . أضاع كل شيء, ولا يتمكن من البوح بأي شي . أثقل حفظ سره على صدره وزاد من همومه وقهره .
تلگته أمَّه كعادتها هاشة باشة . رد لها السلام دون أن يحتضنها أو يقبل يديها وراسها كما اعتاد أن يفعل كلما عاد بعد طول غياب عن البيت . خشي إن هو احتضنها لا يحتمل دفء أحضانها ورائحة الأمومة التي تفوح من صدرها فيجهش بالبكاء, ويبوح لها بمكنونات صدره . فلصدر الأم رائحة مميزة ليس كمثلها رائحة .
لاحظت أمه تغير طباعه واختلاف ألوان وجهه .
كما نعلم فان الأيام الثلاثة الأخيرة اللي أمضاها محسن في الفندق مع أزهار لم يتخطى عتبة باب الفندق ولا تعرض لأشعة الشمس ولا شبع من نوم . فأرهقه السهر وأعياه الجهد وبان عليه النحول ولون بشرته اكفهر .
تخلص من ملابسه على عجل وارتدى بجامة النوم واضطجع على الجودلية التي اعتادت أن تجلس عليها أمه وهي تعد الغداء أو تصلح بعض ما تفتق من ملابسها أو ملابس زوجها وأولادها .
مثل ما گالت له هيفاء حن لشم ريحة أمه . احتضن وسادة ليست ببعيدة عن الجودلية وشمها وغط مثل الطفل في نومه . دون أن يكلف نفسه عناء الرد على استفسارات أمه ومحاولاتها معرفة ما فعله في كركوك وأسباب تأخره هناك لثلاثة أيام وهي التي ظنت بأنه سيعود في اليوم الثاني .
فضل الصمت على الكذب .
***
مرت أيام خمسة دون أن يتمكن محسن من أعادة ترتيب أفكاره . لم يجد ذريعة لتبرير ضياع الخمس مية دينار . والتي كانت تؤرقه ليل نهار .
في اليوم الخامس خرج ليلا وجلس عند عمود النور ( الشيلمانة اللعينة ) .
استعاد الكثير من ذكرياته . استعاد ذكرى تلك الليالي البارد المظلمة التي أمضاها ممسكا بيد أزهار الدافئة الناعمة .
دخن أكثر من جگارة ولعن أزهار وأمها ولعن اليوم الأسود الذي حللن فيه في تلك الدار . ثم ودون إرادة منه فاض قلبه شوقا لرؤية من أحبها واقسم ان لا يتخلى عنها, مهما كانت الأسباب . فاقنع نفسه أن يكون بارا بقسمه .
عاودته الروح المتمردة من جديد .
قرر أن يحطم قيود الانعزال والاعتكاف والملامة والغضب ويتخطى مرحلة تأنيب الضمير وعذابات الذات ويذهب من فوره إلى بيت أزهار ويحتضنها ويطفئ نار شوقه .
سيتجاهل وجود أمها ولن يعير اهتماما لكلماتها الجارحة, أن تكلمت . سيتغاضى عن الخمسة وسبعين دينار . ويدفع لها المزيد ان تمكن, على ان يحضى باحتضانها مرة أخرى .
أنت تقرأ
قدر الفقراء
General Fictionكما قصصنا الاخرى قصة مستمدة من الواقع جرت احداثها في سبعينيات القرن الماضي تتناول امور عدة بين ظلم ومعاناة واشخاص عاشو حياة السجون وجربو مر الحياة