هل اتخذت الغاب مثلي
منزلا دون القصور؟وتتبعت السواقي
وتسلقت الصخور؟هل تحممت بعطر
وتنشفت بنور ؟وشربت الفجر خمرا
في كؤوس من أثير..-المواكب-
-جبران خليل جبران-***
كانت الفيحاء جزيرة عائمة فوق البحر،
والمواكب هي قرية تائهة على حدودها،
يتحدث سكانها اللهجة الضائعة،
عربية لينة.وكانت الدنيا فجرا عندما نهض غيهب من مضجعه. ما زالت عتمة الليل متشبثة بأطراف السماء، وما زال القمر يلوح في في الأفق البعيد، أبيض ومتآكلًا بفعل الغيوم مثل سطح مرآة مكسورة.
في هذه الساعة المبكرة من الفجر كان كل شيء واقعًا تحت وطأة السكون، ثابت في مكانه دون حراك عدا أغصان الشجر التي تهادت بوقار مع هواء الخريف كثوب امرأة غجرية.
النجوم التي رصعت الفضاء أضفت على الكون ضوءًا لؤلؤيا خافتا فجعلت المنظر خلف نافذته يبدو ناعمًا، ومسالما وحليما.
فتح درفتي النافذة على آخرهما وأغمض عينيه مستمتعًا بالهواء المخملي الذي دخل بهدوء وسلاسة إلى داخل صدره، يداعب رئتيه ببراعة ماجنة، ويخرج متسللا كما دخل، تاركًا إياهما مأخوذتين بسحره. لطالما أحب غيهب الاستيقاظ وقت الفجر.
خلع ملابس نومه وطواها على الكرسي أمام المكتب، ثم ارتدى سروالا طويلا من الجينز مع قميص قطني أبيض قصير الكمين، وفوقه قميص قماشي أحمر مخطط بمربعات نيلية ترك أزراره مفتوحة دون أن يغلقها.
رتب غطاء سريره بهدوء ونظر إلى قطته التي كانت متكورة على الوسادة بجانب رأسه. دلك رأسها الصغير بلطف بطرف إصبعه، ثم انحنى يطبع قبلة عليه.
بينما يرتدي زوجا نظيفا من الجوارب تذكر اليوم الأول الذي التقى فيه ريجينا قبل شهرين. كانت وطأة الحزن التي ألمت بهم إثر فقدان فرانز أقوى وأقوى آن ذاك. وفي محاولة لتخفيف هذا الجو الحزين، اصطحبتهم غنا إلى المدينة، عل بعضا من ألمهم يضيع في زحمة شوارعها.
أنت تقرأ
غَيْهَبْ
Spiritualبعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول. موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...