من بعدك لمين
لمين؟
آه لمين الزهر بينحني؟وبتشرق لمين؟
لمين؟
آه لمين شمسك يا دنيي؟-ملحم بركات.
***
«افسحوا المجال للكعكة!» هتفت فيهم غنا بعد أن انتهوا من إعادة صحون الغداء إلى المطبخ ووضعت قالب الكعك على المفرش. أدارت موج رأسها تحاول استيعاب ما تراه، هناك بومة مرسومة بالشوكولا مع الرقم عشرين على كعكة الفانيلا الساخنة التي تعبق برائحة الزبدة.
«أنت لا تعقلين أيتها الخطلاء، هل طلبت من البائع رسم بومة!» وبختها سعاد لكن الطبيبة أومأت بفخر.
«يوم ميلاد سعيد لبوم العائلة، أصبحت عشرينيا يا فتى!» قالت لتغيضه ولكنه نظر إلى الكعكة ورسم ابتسامة راضية أزعجتها، عدل جسد وتين الذي غفا في حضنه ورَدَّ: «إنها طائري المفضل في الواقع، شكرا.»
«لا عجب في أنكما تشبهان بعضكما.»
تقدمت كهرمان لتضيء الشمعة قائلة: «كفا عن الشجار الآن، لنقدم الهدايا قبل أن تذوب الشمعة.» ثم نظرت إلى غيهب وعانقته قائلة: «يوم ميلاد سعيد يا حبيب أختك.»
بادلها العناق بقوة ودفن رأسه في شعرها الأسود مغمضا عينيه، كانت ملامحه تفيض بالحب وهو يعبث بجديلتها المتينة بأصابعه التمرية الطويلة. بدا كطفل صغير وبدت كهرمان الأمان الذي ينعم به.
«مع أنني غير موافقة بعد ولكن..» قدمت له أخته قفازات للحدادة وصمتت غير مكملة جملتها، وقدمت له سعاد كنزة صوفية صنعتها بنفسها بينما أخرجت غنا لسانها وأخبرته أنها قد دفعت ثم الكعكة.
ضحكت موج على مناقرتهما ثم قالت باسمة: «يوم ميلاد سعيد يا غيهب.»
«شكرا لك.» رد بلطف ثم أطفأ شمعة عامه العشرين امتثالا لطلب أخته.
***
في صباح اليوم التالي استيقظ غيهب قبيل طلوع الشمس كما هو دأبه. رتب سريره وبدل ملابسه ثم قَبّل رأس قطته الصغيرة ونزل إلى الأسفل ناويًا المشي بين الحقول قبل أن يقوم الناس لشؤونهم.
عندما خرج من منزله وجد أن ضوء ما قبل الصباح بدأ يتسلط على البسيطة، ووجد موج واقفة في الحديقة، شاردة في الأفق، تموج في عينيها مشاعر كان يصعب عليه تفسيرها. شعرها البني كان منهارًا خلف ظهرها وعلى كتفيها دون قيد هذه المرة، تعانق نفسها وتلف حول جذعها شالًا أزرق غائما بلون اسمها.
نظرت إليه حين انتبهت لوجوده وابتسمت في وجهه ابتسامة كان غيهب قد تعلق بها دون وعي منه، تشبه عودة الشتاء بعد موسم صيفي حار، وتشبه مدفأة المنزل بعد يوم ثلجي طويل.
«صباح الخير، كنت في انتظارك.»
قطب حاجبيه بقلق سائلا: «لماذا؟ هل كل شيء بخير؟»
ضحكت مومئة وجعلته يضيع في صوت ضحكتها. كيف تؤثر فيه فتاة إلى هذه الدرجة؟ بل ومتى حدث ذلك؟ أفاق من غفلته حين لوحت بمغلف بلاستيكي أمام وجهه وقالت: «لأقدم لك هديتك!»
«ما هذه؟»
تقدمت ناحيته فأخفض بصره لينظر إليها. فتحت المغلف وأخرجت منه حبوبًا بنية صغيرة: «هذه عين ليلى يا غيهب، بذور الزهرة.» ارتفع حاجباه بإدراك، الزهرة التي يُحب.
«لنزرعها معًا.» أضافت فنظر إلى عينيها، يلاحظ تفاصيلها الدقيقة والشبكات الخضراء حول بؤبؤيها. كيف لهما أن تبدوا بهذا السلام؟
«لنزرعها.» رد بصوت مخدر ثم انتزع عينيه منهما واتجه إلى الدولاب الخشبي بجانب الباب كي يخرج منه عدة الزراعة. عادت حيث كانت تقف وحملت علبة معدنية قائلة: «أخبرني البائع أنها بحاجة إلى فيتامنات زراعية.»
«هذا صحيح، وتحتاج تربة حمراء أيضا.» أخرج أكياس التربة ثم نظر إليها وقال: «علينا زرعها في أصيص أولا، بعدها يمكننا نقلها إلى التربة.»
ابتسمت موافقة فرتب الأدوات التي يحتاجانها ثم سكب تربة زراعية في أصيص كبير وأكمل الربع الباقي بتربة حمراء. أضافت موج الفيتامينات التي أحضرتها ثم شرعا يخلطان المكونات مع بعضها.
شعرت بالسرور من الملمس شبه الطيني الذي غرقت في أصابعها، فكرة أن تزرع شيئا أدفأت قلبها ومنحتها إحساسا جميلا بالعطاء، حياة صغيرة تسقيها حبا وماء، فتنبت زهر امتنان. نثرا البذور ثم غمراها بالتربة ورشا عليها القليل من الماء.
«شكرًا.» قال غيهب بينما ينفضان أصابعها، لم يتخيل أن يمنحه أحدهم هدية بهذا الجمال قط، هدية حية، يسقيها وتسقيه. زهوره المفضلة بلونها النيلي الأزرق وأوراقها الخضراء الناعمة. كم كانت موج تشبه أوراقها الخضراء الناعمة..
ابتسمت ترد على شكره. اخترق أول شعاع من الشمس سماء الصباح وانعكس على عينيها فوثب قلبه، الحِلم داخلهما كان كل شيء.
لم يعد غيهب يعرف أي زهرة يحب.
أنت تقرأ
غَيْهَبْ
Spiritualبعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول. موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...