نظرت موج إلى السرير الفارغ ثم إلى الرقم على باب الغرفة ثم إلى السرير مجددا. كانت متأكدة أنها الغرفة رقم أربعة وثلاثين التي تشغلها السيدة جليلة.. لكن المعنية ليست هنا..هل يمكن أنهم أخرجوها؟ لكنها مريضتها، لا يمكنهم إخراجها دون أن تعلم لقد كانت تناوب عليها ستة عشر ساعة من أصل أربع وعشرين!
جف ريقها حين تدافعت العديد من الاحتمالات إلى رأسها وتسمرت تحدق ببلاهة في السرير وكأن السيدة، جدتها، ستظهر عليه من الفراغ فجأة وتحدق إليها بعينيها الشديدتين.
ارتجفت ركبتاها فاستندت على إطار الباب كي لا تقع. هل يعقل.. هل يعقل أن مكروهًا قد ألمّ بها؟
«آنسة موج؟» ناداها أحدهم من الخلف فالتفتت نحو السيد جسّار، الممرض المشرف على قسم العناية المركزة وقالت: «سيد جسّار، لم الغرفة فارغة؟ أين مريضتي؟»
قطب الممرض حاجبيه، لم تدرِ ألأنه كان على وشك قول خبر سيء أم أنه استغرب هيئتها. «آسف لأننا لم نخبركِ، حدث الأمر فجأة.»
كلا. كلا، وخزت دموع موج عينيها. لمَ تهتم؟ لم ستبكي؟
تمالكت نفسها وسألت بصعوبة: «مالذي حدث فجأة، سيد جسّار؟»
خلع المعني نظارته كي يمسحها وأجاب: «تم تسريح المريضة بناء على رغبتها الشخصية بعد أن وقعت على ورقة إخلاء مسؤولية.»
اجتاحتها موجة غريبة من الارتياح وتنهدت متمكنة أخيرا من التقاط أنفاسها. تجاهلت نظرات الممرض المستغربة من خلف عدساته الدائرية وعادت تقول باعتراض: «إنها مريضة عناية مركزة سيدي، حتى وإن كانت تتحسن لا يمكنها الخروج!»
بدا هو أيضا مستاءً وقال: «أعلم.. أعلم. إنه تصرف متهور جدا خاصة بالنسبة لسيدة في سنها، لكن عائلة جبران تمتلك نفوذًا قويًا بحكم التبرعات المالية التي تقدمها للمشفى. لم يتمكن المدير من إقناعها بالعدول عن رأيها.»
هزت موج رأسها بامتعاض، ياللمهزلة!
لقد تكونت في ذهنها صورة عامة عن آل جبران ونفوذهم من خلال ما سمعته عنهم حتى الآن. والصورة لم ترُقها.
«بخصوص هذا الشأن..» تحدث الممرض قاطعًا غفلتها: «المدير طلب رؤيتك، آنسة موج.»
«فهمت، شكرا لك.» ردت بشيء من الإحباط محاولة كبح الأفكار المقلقة التي تتقافز في مؤخرة رأسها.
أنت تقرأ
غَيْهَبْ
Spiritualبعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول. موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...