[٤]: انهيار.

461 68 6
                                    

حدث الأمر صباح اليوم الماضي

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

حدث الأمر صباح اليوم الماضي.

في ورشة الحدادة ذات الإضاءة المعتمة، بجوار الفرن الحار غيهب كان كعادته، مأخوذًا بقطعة  متقدة من المعدن تكاد تشتعل فيها النار. في البداية راقبها تتوهج بلون أحمر، ثم بسلاسة سخونتها تغيرت وانحدرت للبرتقالي الذي يميل للاصفرار. هذه الدرجة تحديدًا كانت تدعى بسخونة التشكيل.. المرحلة التي يكون فيها الحديد قابلا للطرق والسحب واللي والتشكل.

وعندها قام بتثبيتها باستخدام أداته، ثم أخذ يطرقها بوتيرة معينة ومنتظمة حتى يتغير شكلها وتنتقل من هيئة إلى أخرى.

كان غيهب يحب طرق الحديد، ويحب الصوت الشاذ الذي يصدر من مطرقته حين تهوي فتصطدم بالمعدن. وكأن الصخب الناتج عنها يهدئ الضجيج داخل رأسه فتستكين روحه، ويصبح الكون حوله شطرًا من نعيم.

في نظره كانت هذه الحديدة تشبه الإنسان، ومثل جميع المخلوقات الحية. لا يمكنك تسخيرها هكذا وحسب، لكن أولًا عليك أن تحدث فيها شرارة! تؤثر بها وتلين قلبها حتى تنصاع إليك وتصبح مرنة بين يديك.

كانت الحدادة بالنسبة إليه تمثيلًا بهيًا للاحترام. إنها المهنة التي تخبرك أن الجبروت لن ولا يفوز، وهي التي  علمته أن القوة ليست بالتهشيم، ليست في قبضته الخشنة القوية، وإنما في رأسه اللين وصدره الكبير. في النقاء الذي يمنحه غيهب لما حوله من مخلوقات، في التواضع الذي يتعامل به مع كل موجود.

لم يكن غيهب مغرورًا لأنه استطاع تليين شيء قوي كالحديد، بل كان ممتنًا وشاكرًا لكل الأشياء التي سمحت له بتشكيلها. للنار المتقدة، والأدوات القديمة، لذراعيه الصحيحتين وقطعة الخام التي يطرقها.

طرقة بعد طرقة، تكتسب المادة المصمتة شيئًا فشيئًا بعض الملامح. كان الجو الورشة داخل حارًا، والغازات المنبعثة تدمع عينيه، والنيران الملتهبة تلفح جلد ذراعيه، والعرق يتصبب بغزاره من جسده فيلصق ملابسه على بشرته ويلتحم جبينه بخصلات شعره. لكنه لم يهتم بأي من هذا، واستمر يطرق ويطرق بانتظام، غارقًا بالنشوة داخل صدره.

للأسف هذا لم يدم، إذ سرعان ما تموضعت يد ما فوق كتفه، وانتزعته بفظاظة من عالمه. وضع غيهب مطرقته جانبًا، وأفلت الأداة التي يثبت بها قطعة الحديد، ثم نظر حيث يقف السيد ريان، صاحب الورشة.

غَيْهَبْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن