نامت المدينة.. نامت والتقينا
أنا وأنت والسنين، جنب الكوخ الحزين.-مصطفى قمر
***
هواء الليل كان باردا وكريما مع الصدور، ولكن صدر موج كان مثقلا بسبب إحدى نوبات كآبتها العابرة. خرجت من غرفتها الصغيرة وأقفلت الباب بالمفتاح بينما تتأكد من أن حقيبتها تحتوي كل ما تحتاجه.نزلت السلالم ونظرت إلى ساعتها التي كانت تشير إلى التاسعة والنصف. من المفترض أن حافلة المشفى الخاصة بالطاقم الصحي ستصل بعد ربع ساعة لتقلها إلى المشفى.
سحبت نفسا عميقا ولكن بدلًا من الهواء وجدت أن غصة كبيرة متسعة تتكون في حنجرتها، لقد هاجت عليها الوحدة. جلست على آخر درجة وضمت ركبتيها إلى صدرها ثم أسندت رأسها إلى كفيها.
كانت دائما وحيدة، بلا أم أو أب أو عزاء. لم يكن لها أخوة ولا أصدقاء في الميتم الذي ترعرعت فيه لأنها لم تكون تتقن العربية بشكل كامل آن ذاك؛ فقد تكفلت السفارة الألمانية بتعليمها في مدارس داخلية خاصة بالألمان طوال فترة إقامتها هناك. وفي المدرسة الألمانية التي دخلتها بمنحة خيرية، كانت منعزلة تماما لكونها يتيمة الأصل والأبوين.
لم تكن تعرف شيئا عن نفسها سوى أن نصف أصلها من ألمانيا، والنصف الآخر عربي من الجزيرة الفيحاء. المرأة الألمانية التي أودعتها في الميتم أخبرتهم أن أمها كانت معها على نفس السفينة التي غرقت بهم في عرض البحر ولم ينج سوى القليل، ولحسن حظها فإن أوراق هويتها وشهادة ميلادها التي تثبت أصلها قد نجت مع هؤلاء الأقلاء.. وهو ما ساهم في التهوين من قسوة طفولتها.
موج فؤاد خليل جبران، بنت ليليان هوبر.
ولكن اسم والديها لم يؤنس وحدتها العميقة قط. كان يؤلمها لا أكثر، وكانت موج غارقة بشكل سيء في وحدتها، دون أن تكون لها القدرة على مقاومة هذا الغرق، لذلك تقبلته بهدوء ولم تصدر صوتا.
نهضت حين شعرت بنفسها تختنق أكثر واتجهت إلى صنبور الحديقة بجانب باب المنزل لتغسل وجهها. جثت قرب الحائط الحجري خشن الملمس وفتحت الصنبور لتنزل المياه الشفافة فوق الطين وتهيج رائحة الثرى. كوبت يديها أسفل الماء ثم رشقت وجهها وفركته بعنف علها تغسل المشاعر الموحشة عنها.
أنت تقرأ
غَيْهَبْ
Espiritualبعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول. موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...