طوت موج ثوبها الذي جاءت به ثم نظرت إلى نفسها في المرآة ووضعت يدها على كتفها ممعنة في الراحة التي بعثها القماش القطني الناعم على جلدها. لقد لفتها مشاعر غريبة جعلتها ترغب في ارتدائه إلى الأبد.
لم تكن موج تُمعن النظر في المرآة كثيرا، كانت تخاف من هشاشة عينيها ومن شبح الوحدة الذي يجعلها تبدو كهيكل عظمي، بلا حُب، بلا قوت؛ لكنها اليوم، اليوم أطالت النظر إلى انعكاسها وراودها شيء من الخجل والغبطة بسبب صوت باطن داخل رأسها أقر بأنها جميلة. إنها ترتدي هدية، صُنعت من أجلها خصيصا بيدين سمراوين، وقورتين، اشتغلتا فيه لفترة لا تعلم أمدها.
«هل انتهيتِ؟» فتحت غنا الباب بحماس ورسمت ابتسامة واسعة حين رأتها. «تبدين مُذهلة فيه، الشكر لعيني التي لا تخطئ قياسا.» أشارت إلى نفسها باعتزاز ولكن موج لفرط تأثرها لم تقل شيئا.
خرجت إلى الصالة فتهلل وجه سُعاد بابتسامة راضية بينما رفعت كهرمان إبهامها وثنت شفتيها بإعجاب واضح. شعرت موج بالإحراج من غرابة الموقف فنظفت حنجرتها قائلة:
«أشكرك يا خالة، صدقا، هذه أحلى هدية تلقيتها في حياتي.» وقد كانت صادقة رغم أنها لم تتلقَ الكثير.«أقل ما أفعله يا بُنيتي.» ياه، كم كانت الكلمة الأخيرة جديدة وحُلوة على مسمعها.
قالت غنا وهي ترفع الشال وترميه على رأسها: «يجب أن تغطي به جُزءًا من رأسك لتكتمل الطلة.»
كلماتها تلك جعلت أمها ترد ساخرة: «إن كنت تعرفين كيف يتم ارتداؤه فلم لا تلبسينه أنت وتتحلين ببعض الوقار، علكِ تجدين زوجا وتعقلين. أنا واثقة أن كل الرجال هربوا منكِ بسبب تصرفاتك الهوجاء.»
قلبت الطبيبة عينيها واتجهت إلى المطبخ تهتف بنفاد صبر: «انهضي واغرفي لنا الطعام يا سعاد، لقد أحضرت لك الفتاة لتُطعميها لا لتوبخيني أمامها.»
هزت رأسها بيأس ثم صاحت لها: «أحضري المفارش من الأعلى، سنتناول الغداء في الحديثة.» دخلت بعدها إلى المطبخ فنهضت كهرمان قائلة أنها ستساعد في ذلك.
نظرت موج إلى نفسها وفكرت إن كان عليها العودة لارتداء ملابسها القديمة كي لا تتسخ ثيابها ولكن جرس الباب رن مقاطعا أفكارها.
أنت تقرأ
غَيْهَبْ
روحانياتبعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول. موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...