بعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول.
موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
أنا ظامئ، فأترعي الأكواب علّي علّ الحياة بكربها، تصفو لنا.. حد التملي..
لي في سماعك نشوة الصوفي.. في غمر التجلي.
***
«هل تدرس يا غيهب؟» سألت موج تنهض خلفه وتتبع السواقي، تشاهده من الخلف يمشي نحو نهاية الربوة، بدا كصبي صغير.
«كنت.» رد باقتضاب يشعر بخصله الفاحمة تتضارب فوق وجهه.
«كنت؟» تسائلت بينما تسرع الخطا لتسير بجانبه. لم يسأله أحد قط هذا القدر من الأسئلة، لم يحادثه أحد بهذه الطريقة منذ دهر، ولم يكن غيهب منزعجا.
«أوقفت الكلية عندما مات فرانز.» تقطيبة خفيفة اعتلت حاجبيه لما عاكسته خيوط الشمس. لاحت في ذهنه صورة لرجل أشقر هزيل البنية، أسود العينين وطيب المحيى. فوق ثغره ابتسامة رفيعة لينة، تكشف عن معدن صاحبها.
«تعازي الحارة.» قالت موج محرجة من نفسها: «أعتذر حقا عن إثارة هذه الذكريات غير السارة.»
وجد غيهب اعتذارها غبيا في قرارة نفسه، فسؤالها كان عاديا ولا ذنب لها في ما حدث.
«فرانز ليس ذكرى غير سارة.» صحح لها: «فقدانه غير سار نعم، لكن ذكراه إلى الأبد ستظل مبهجة وإن آلمنا رحيلها.»
ابتسمت الممرضة بخفوت لأن رده يشبه رد كهرمان يوم أمس. «ياللعجب، أنت حقًا شقيق أختك.»
خطف إليها نظرة سريعة لدى قولها ذلك ثم عاد ينظر أمامه. بدأت جذوع الأشجار تتزين بنوع فريد من الحلي وهبتها إياه الطبيعة. زهور تتلألأ تحت الشمس بلونها النيلي الأزرق، تغطي بتلاتها طبقة شفافة جعلتها تبدو مثل الياقوت البحري. وأعوادها خضراء فتية غضة، مثل روح الأرض.
«ماذا كنت تدرس على أي حال؟» سألت تنظر إليه غير منتبهة إلى المحيط حولهما. عبس غيهب بامتعاض بينما يواصل مشيه وموج فقط غرقت في اللون الفريد الذي تخللته الشمس، البني صار مثل كأس من الشاي، والأخضر كما شجر الزيتون، تداخل اللونان في شبكة بديعة داخل عينيه الوسيعتين، حاجباه الكثيفان ازداد تقطيبهما بسبب العبوس في ملامحه.
«اللغات والترجمة، قسم الأدب الألماني.» إجابته جعلت موج تطرف مطرودة من شرودها وبطريقة ما التفت قدماها حول بعضهما فتعثرت ساقطة على الأرض وغيهب المسكين حاول إمساكها فسقط خلفها.