ساعات الصبح الأولى جاءت مع الشمس ترتقي سلم السماء، ما زال الناس نيامًا لكن موج كانت نديمة الأرق؛ يعتريها القلق.
ما زالت جالسة أمام مرآتها، تحدق إلى انعكاسها بعنين جافتين لم تذوقا طعما للكرى. ياقة ثوبها عميق الخضرة كانت مفتوحة ولمعت أسفل ظلها القلادة الذهبية عليها عنقود العنب.
ويل لها من قلادة، كم غريب أنها تستطيع الشعور بوزن هذه الحلية الصغيرة ثقيلا على صدرها، ثقيلا لا تستطيع احتماله. ثقيلا أوجع عظامها التي تيبست من الجلوس أمام المرآة وقلة النوم.
لم يغمض جفنها منذ يومين، كان قلقها يتزايد يومًا بعد يوم ويتكور مثل كتلة من الضغط والحموضة عند فم معدتها، يجعلها تشعر بأنها على وشك التقيوُ في أي لحظة.
لم تذهب إلى العمل منذ ذلك اليوم أيضًا، منذ ثلاثة أيام. أخبرتها غنا أن آل جبران يتوقعون وصولها مساء الأربعاء، أي مساء غد.
كانت غرفتها في حالة من الفوضى نتيجة محاولاتها الفاشلة لحزم حقائبها لكنها في كل مرة تفشل في كتم غيضها. ربما عليها التحدث مع السيدة رغد بشأن هذا الخصوص.. ربما إذا تحدثت معها شخصيا قد تتراجع عن طلبها.
الحقيقة أنها حاولت استجماع شجاعتها لفعل ذلك لكنها لم تقوَ على مراسلة العمة أو حتى الرد على المكالمات التي وردتها منها. في كل مرة رأت رقمها يضيء شاشة الهاتف كان حلقها ينطبق على نفسه وتعجز عن الكلام.
حملت فرشاة الشعر لتمشط شعرها المسكين مجددًا، الأمر الذي قضت كل الليل تفعله حتى باتت خصلها البندقية منفوشة حول رأسها.
فجأة تسلل على ظهر الصمت صوت طرقات صغيرة على باب حجرتها الخشبية. انتفض قلب موج وكأن طائرا خفق بأجنحته داخل صدرها، شخص واحد يطرق باب حجرتها بهذه الطريقة. وضعت الفرشاة ونهضت تشعر بالدم يضج في أطرافها، أحداث ذلك المساء تتكرر داخل رأسها.
أمسكت القبضة وتنفست بعمق ثم فتحت الباب فوجدته متكئا على سور شرفتها الصغيرة عاقد الذراعين. كان على موج أن تتشبث بمقبض الباب بقوة كي لا تقع داخل هذه النظرات التي يرمقها بها الفتى.
شعره الأسود كان ممشطا للخلف منحسرا جبينه الخمري وحاجبيه الماضيين. عيناه بدتا أكثر فتكًا، أكثر جمالاً وقد رفع غرته، ياله من شعر خائن أطلق مفترستين بريتين على قلبها.
أنت تقرأ
غَيْهَبْ
Spiritualبعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول. موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...