تنهد غيهب مرة أخرى بينما يتقلب على سريره. عبثًا حاول النوم لكنه لم يستطع فقد كان ضميره يؤنبه.
تأفف وانقلب على ظهره ثم بعثر شعره بنفاد صبر. شَخَص في الفراغ لبرهة من الزمن قبل أن يتفقد الساعة، العاشرة مساءً.
هل سيجدها الآن إن ذهب إليها؟ إنها ممرضة، ألا يعمل الأطباء والممرضون لوقت متأخر؟
دارت العديد من التساؤلات في رأسه بينما ينهض من سريره ويلتقط المفاتيح متجهًا نحو الباب، سيعتذر منها وينهي الأمر.
خرج من غرفته ثم حاول السير بهدوء كي لا يوقظ أخته. وفقط عندما امتدت يده لتفتح الباب أجفل بسبب صوتها: «إلى أين أيها السيد؟»
التفت فوجدها تنظر إليه بعينين ضيقتين. تحركت شفتاه عدة مرات يفكر في إجابة لكنها اختصرت عليه الأمر وقالت بينما تعود إلى غرفتها: «فقط خذ هاتفك معك وحاول ألا تتأخر.» توقفت في منتصف الطريق. «في المرة القادمة لا تتسلل كاللصوص، أنت تقرييًا في العشرين من عمرك وبالتأكيد لن أمنعك من الخروج، لكن يجب أن أعرف في حال لو أصابك مكروه.» أردفت ساخرة فقلب عينيه.
«لم أكن أتسلل، أنا لم أرد إقلاقك فحسب.» رد فرفعت حاجبيها مومئة بنعم مع إبراز شفتها السفلية بطريقة ساخرة. غيهب تنهد بيأس قبل أن يستدير ليخرج متمتمًا بأنه لن يتأخر.
طيرت نسمات الهواء شعره الفاحم عندما صار في فنائهم فأغمض عينيه وفرد طوله الفارع يسنشق هواء الليل البارد، يسحبه عميقًا إلى صدره فيشعر بالطبيعة تغسل أعماقه بطهرها وتنظفها من شوائب الزمن.
فتحهما مجددًا واستمع إلى السكون وصرصار الليل، ثم سار بين حارات القرية المظلمة في صمت محبب إلى نفسه. لم يكن الطريق إلى المشفى بعيدًا حقًا عن بيتهم، لذا ربع ساعة على الأقدام وبدأت أنوار شحيحة تتسلل إلى عينيه ثم لمح المشفى على بعد مسافة شبه قاصية، ثم..
ثم توقف عندما لمح ظل فتاة هزيلة يمشي وحيدًا في الاتجاه المعاكس، واتسعت عيناه حين شاهد ظلًا آخر يجري خلفها ويدفعها بعنف لتسقط أرضًا وتطلق صرخة متألمة.
أنت تقرأ
غَيْهَبْ
Espiritualبعد حادثة مؤلمة، تنتقل الممرضة الألمانية موج فؤاد جبران إلى قرية المواكب، متجاهلة تماما السبب الدفين الذي دفعها للقدوم إلى هذه القرية في المقام الأول. موج بعد أن عاشت طول حياتها وحيدة، آخر ما كانت تتوقعه هو أن تقع في شباك الحب والعائلة.. بل أن تتمز...