الفصل الأول

25.9K 416 4
                                    

الفصل الأول

( على الجدار أمامى ساعة

صرت أراقبها كل ليلة حتى تنقضى تلك الساعات التى أظل فيها حبيسة غرفة يفصلنى بابها عنك

ولكن هل حقا ما يفصل بيننا هو ذلك الباب المغلق

أم أبواب قلبى المتحجرة بقسوة ويأس فى ذات الوقت ؟

لا يهم قسوتها من يأسها .. المهم أنها متحجرة

ثقيلٌ قلبى بداخلى .. يحمل هموما ملء فضاءٍ عريض

متى أصبحت هكذا ؟! .. لا أدرى

متى غابت إبتسامتى ؟! .. لا أدرى

متى أصبحت رمادية وأنا كل الوهج ؟! .. لا أدرى

ولا أريد أن أدرى ..

أريد فقط أن أعيش .. أعيش معك .. ولك

فالساعة الآن ...

أنا إلا أنت ...

بتوقيت قلبى الملتاع )

أغمضت عينيها أخيرا وراحت فى سباتٍ عميق









قبل أشهر

" قمر .. أنا مللت حقا "
على بعد مسافة قريبة من بوابة النادى .. من مكانهما خلف تلك الشجرة الضخمة والتى تبعد عن سيارته بأمتار قليلة ! .. أشارت قمر برأسها باتجاه بوابة النادى وهى تهمس لصديقتها :
" ألا تعرفين مَن هذا ؟! ... إنه أكمل الفايد "
نظرت مرام نحو الرجل الخارج من البوابة متقدما باتجاه سيارته ونفخت بحنق ثم همست بغيظ :
" اعلم قمر .. الجميع يعلم إنه أكمل الفايد ولكن علام تنوين ؟! ..... ولماذا نقف هكذا مثل مَن يخطط للإنقضاض على أحد ؟! "
رفعت قمر رأسها وهى تقول بصوت منخفض ونظرة تركيز تحتل عينيها على أكمل :
" أكمل هو مفتاحى لأحصل على ما أريد "
اتسعت عينا مرام وهى تهتف محذرة :
" لا تكونى مجنونة قمر .. ماذا إن عرف حمزة أو رآكِ ؟ ... إنه يأتى للنادى بشكل دائم "
وضعت قمر راحتها على فم مرام هامسة بسرعة :
" هششش .. اخفضى صوتكِ وإلا سمعنا "
ثم أصدرت ضحكة صغيرة مستهزئة وهى ترجع خصلات شعرها الحمراء خلف أذنها ثم تلوح بيدها هامسة بلامبالاة :
" دعيه يجن قليلا بدلا من هذا الغرور المستفز أنى لن أكن لغيره .... إنه لا ينادينى إلا بـ قمر حمزة ... مغرور "
وصل أكمل على بعد خطوات قليلة من سيارته فهمست قمر بتحفز :
" والآن لا تخرجى من خلف الشجرة أبدا ولا تُظهرى نفسكِ ولا كأنكِ تعرفيننى أصلا .. مفهوم ؟ "
ركب أكمل سيارته وأدار المحرك فتحركت قمر وهمست مرام بإرتياع وهى تحاول جذب ذراعها لتوقفها بلا فائدة :
" يا مجنونة ماذا ستفعلين ؟! "
ما إن تحرك أكمل بسيارته أمتار قليلة حتى وجد فتاة ظهرت فجأة أمام السيارة فضغط المكابح بقوة ولكنه لم يستطع منع ذلك الإصطدام الطفيف بالفتاة قبل أن تتوقف السيارة والذى جعلها تقع على جانبها أرضا مستندة لمرفقها وهى تمسك جانبها الآخر متأوهة بألم !
نزل أكمل من سيارته بسرعة واقترب منها لينحنى بجوارها هاتفا بقلق حانق :
" هل أنتى بخير ؟ ... من أين جئتِ أنتى ؟ "
فتحت عينيها ببطء ورفعتهما لوجهه جامد الملامح وهى تتأوه وملامحها ترسم الألم بجدارة وهمست بضعف :
" آآآه ... آسفة ... لم أنتبه "
أطلق نفسا عميقا ثم نظر إليها بتمعن بدءا من حذائها الرياضى الأبيض صعودا لساقيها المتناسقين فى بنطال بلون السماء ثم بلوزتها البيضاء الواصلة لمنتصف فخذيها والتى تحتضن قوامها الرشيق بمثالية ..
توقف لحظة عند حزامها ذو الحلقات الفضية الذى يلف خصرها فوق البلوزة ليلفت نظره ذلك التحديد المثير لخصرها النحيل ...
اعتاد أن يلتفت لتفاصيل صغيرة فى الأنثى .. تفاصيل قد يغفل عنها كثيرون .. بحكم الوسط الذى أصبح ينتمى إليه منذ سنوات قليلة وما يرى به من نساء من كل شكل ولون .. ولكن أبدا لا تفهم أى أنثى أنه إلتفت إلى تلك التفاصيل بها !...
أكملت عيناه صعودها حتى شعرها الملقى على كتفيها .. شعر أحمر طويل يحيط بوجه هادئ الملامح .. حزين بجمال فريد من نوعه .. وعينان سوداوان تحملان براءة وعمق و.. ذكاء .. رغم تلك النظرة المنكسرة التى تظهر بهما الآن والتى أجادت هى رسمها لتقنعه !
لا زال وجهه جامدا رغم حركة عينيه .. ولا زالت هى تنتظر خطوته التالية حتى تحدث بصوت هادئ للغاية وبنبرة خافتة وكأن الإغواء يسكنها بلا أدنى جهد منه :
" حسنا لا بأس ... ولكن فى المرة القادمة انتبهى ... اعتقد ... أنى يجب أن آخذكِ إلى المشفى "
لم يكن عرضا حقيقيا منه .. بل ذوقيا لا أكثر !
وقمر تعلم ذلك جيدا .. أكمل الفايد لن يهتم بفتاة عابرة سقطت أمام سيارته !
لذلك حاولت النهوض ولكنها عادت تستند لمرفقها بألم وهمست بإعتراض واه :
" لا شكرا لك .... لا داعى .. أنا .... بخير "
أطبق شفتيه بضيق ثم نظر لساعته التى توشك على الحادية عشرة ظهرا تقريبا ..
لقد أنهى تمرينه المعتاد فى صالة الألعاب الرياضية متأخرا اليوم ولديه موعدا هاما فى شركته ..
ولكنه بطريقة ما يشعر بمسئولية تجاه تلك الملقاة أرضا ! .. ربما هى مريضة من قبل .. لا يمكن لهذا الاصطدام الضعيف أن يؤلمها لهذه الدرجة ! .. وبزاوية بعيدة فى أعماقه قال بجدية :
" لا .. يجب أن نذهب لأتأكد أنكِ بخير تماما .. أنتى وحدكِ أم معكِ أحد ؟ "
هزت رأسها بقلة حيلة فنفخ أكمل قائلا بقلة صبر :
" هيا إذن ... أتستطيعين النهوض أم أحملكِ ؟! "
حاولت أن تستقم مجددا وتنهض ولكنها لم تستطع وهى تهمس بهشاشة :
" لا لا ... أنا سأنهض وحدى "
والصراحة أنها حاولت مرة أخرى وأيضا .. لم تستطع !!
نظر لساعته مجددا ثم إلى تلك الورطة الملقاة أمامه !...
تلفت حوله ثم نهض وانحنى مجددا ليقف وهو يحملها بين ذراعيه
سمع شهقتها الضعيفة عندما حملها ثم إرتعاش جسدها ثم سكونه !
وكل ما دار بعقله فكرة واحدة .. هذه الورطة فى منتهى الرشاقة !! .
وجد يدها تحط على صدره مما جعله يعود بنظره لعينيها ... هل تخيل أن بهما نظرة لامعة ظافرة ؟! ... رغم ذلك الألم وتلك الهشاشة التى تحملها ملامحها !
وضعها فى المقعد الأمامى مثبتا حزام الأمان حولها وأغلق الباب ثم التف ليتخذ مقعده وينطلق نحو أقرب مشفى .
ومن خلف الشجرة كانت عينا مرام متسعتين تراقبان بذهول وهى فاغرة الفم ثم همست بعدم تصديق :
" المجنونة ! ... لقد جعلت أكمل الفايد يحملها ويأخذها معه فى سيارته ! "

عِشقكَِ عاصمةُ ضباب(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن